قلاقل السودان وضعت العصي في عجلات قطار التطبيع مع الاحتلال
منذ الأحداث الدرامية في السودان تواصل إسرائيل التزام الصمت حيالها فبالنسبة لها هذا شأن داخلي لا يهمها فيه شيء سوى مستقبل التطبيع معها وهي تخشى من تراجع دور الفريق أول عبد الفتاح البرهان والمجلس العسكري واستعادة المكوّن المدني لمقاليد الحكم خاصة أن الشعب السوداني ما زال بأغلبيته متمسكا بلاءات الخرطوم أو على الأقل عدم التطبيع مع الاحتلال. كما في الماضي تواصل إسرائيل وبسرية تامة، توطيد علاقاتها الأمنية والاستخباراتية مع الذي يرأس المرحلة الانتقالية في السودان. وقد سبقت قرار البرهان بحل مجلس السيادة وحكومة عبد الله حمدوك، مبادرات إسرائيلية لتعزيز العلاقات والدفع نحو التطبيع مع الخرطوم وضمن اتفاقيات «أبراهام» التي بدأتها في 2020 بيد أن أزمة الحكم والأوضاع الداخلية والحراك الشعبي السوداني أفشل هذه المحاولات. على خلفية قلاقل وخلافات السودان الداخلية آثرت دولة الاحتلال إرجاء التقدم بتوقيع اتفاقية التطبيع بعدما كانت مقررة خلال زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد إلى واشنطن، قبل أسبوعين وكان هو بنفسه قد أشار لاقتراب موعد تطبيع جديد مع دولة عربية إضافية. ويرى معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب أن البرهان يريد علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل بسبب المصالح وكونه «العقلاني المسؤول» مقارنة بحمدوك، غير الراغب بالتطبيع. ويستبعد المتحدث باسم كتلة «السلام الآن» في إسرائيل، آدم كلير، نجاح تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والسودان. ويرى في إعلان الخرطوم، الاعتراف بإسرائيل، تحت مظلة المجلس العسكري، بمثابة التقاء مصالح بين المنظومات الأمنية والاستخباراتية، بعيدا عن موقف الشعب السوداني الذي يرفض بشكل قاطع هذا التطبيع. ويوضح كلير في تصريحات للجزيرة أن إعلان التفاهمات حول تطبيع العلاقات بين تل أبيب والخرطوم، لم يحظ بالترحاب الواسع من قبل المجتمع الإسرائيلي أيضا، وكان هامشيا في المشهد السياسي الإسرائيلي، لكنه كان وسيبقى مهما للمؤسسة الأمنية.
الاتحاد الأفريقي
ويعتقد أن العلاقات بين إسرائيل والخرطوم، تواجه اختبارا حقيقيا أمام الحراك الشعبي السوداني الذي من شأنه، في حال نجاحه، أن يفشل التطبيع الأمني والاستخباراتي بين الجانبين. ويوضح المتحدث باسم كتلة «السلام الآن» أن إسرائيل عمدت إلى تبادل الوفود والبعثات الأمنية والعسكرية مع الخرطوم بسرية تامة، بعيدا عن مسار الدبلوماسية، الذي من المفروض أن يؤسس لعلاقات التطبيع بين الدول. ويرى كلير أن إسرائيل وخلافا لموقفها المتباهي والمندفع نحو تطبيع العلاقات مع دول خليجية وعربية امتنعت عن التهليل للتفاهمات والاعتراف المتبادل بين إسرائيل والسودان، «بسبب عدم استقرار الحكم بالخرطوم، والموقف المبدئي للشعب السوداني برفض التطبيع الكامل الذي يتجاوز القضية الفلسطينية». ويعتقد أن «حالة السودان تضع إسرائيل أمام جملة تحديات، إذ تطمع إسرائيل في توظيف البعد المدني لتطبيع العلاقات، وقد فشلت بذلك في الخرطوم، وانعكس هذا في رفض قبولها عضوا مراقبا في الاتحاد الأفريقي.
الولايات المتحدة
وكانت الولايات المتحدة تخطط لإقامة مراسيم رسمية للتوقيع على اتفاق التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب في غضون شهر، بعد أن تأجل ذلك في السابق بطلب من جانب إسرائيل على خلفية التوتر بين المستويين المدني والعسكري داخل الحكومة الانتقالية في السودان. ورغم الأحداث الساخنة ترجح مصادر إسرائيلية أن العلاقات والاتصالات بين الطرفين سوف تتواصل خلسة في معظم الأحيان وسبق أن التقى وزير القضاء السوداني ناصر الدين عبد الباري عددا من وزراء الحكومة الإسرائيلية الذين كانوا في زيارة رسمية إلى الإمارات، كما قام وفد أمني سوداني بزيارة سرية إلى تل أبيب وفي المقابل سبق أن توجه وفد أمني إسرائيلي إلى الخرطوم. يشار أن الولايات المتحدة في الحالة السودانية كسائر الحالات العربية هي بوابة التطبيع وعبر إسرائيل تتمنى دول عربية التقرب من البيت الأبيض وفي تشرين الأول/اكتوبر 2020 أعلن البيت الأبيض أن الرئيس السابق دونالد ترامب وقّع مرسوما برفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وأن الخرطوم وتل أبيب اتفقتا – بوساطة أمريكية- على تطبيع العلاقات. ووصف بيان مشترك، أمريكي سوداني إسرائيلي، اتفاق التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب بالتاريخي، واعتبره شهادة على النهج الجريء للقادة الأربعة (ترامب، البرهان، رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو). وأثار قرار تطبيع العلاقات مع إسرائيل ردود فعل متباينة في السودان، حيث اعتبره البعض حدثا تاريخيا سيجلب للبلاد الاستقرار والرخاء، في حين رأى فيه آخرون «ضعفا وهوانا، وانسلاخا من ثوابت السودان وتاريخه في نصرة الشعب الفلسطيني».
والآن وفي ظل حالة عدم الاستقرار كشفت الإذاعة العبرية العامة عن عدة مشاورات أجريت في إسرائيل بشأن الانقلاب في السودان، وحسب مصادر مطلعة، فإنه من المرجح أن تؤدي الخطوات الأخيرة في السودان إلى تأجيل انضمامه الرسمي إلى الاتفاقيات الإبراهيمية. ونقلت الإذاعة العبرية عن دبلوماسي سوداني كبير قوله إن رئيس الحكومة السودانية المعزول، عبد الله حمدوك، أراد التوقيع على الاتفاق مع إسرائيل وكان يستعد في الفترة الأخيرة للسفر إلى واشنطن للتوقيع على اتفاق السلام. وأضاف الدبلوماسي السوداني أن التطبيع مع إسرائيل سيستمر أيضا بعد الانقلاب، الذي من غير المتوقع أن يؤثر فيه بشكل كبير، لأن رجال الجيش مؤيدون للتطبيع.
لكن الدبلوماسي السوداني الكبير المحسوب على معسكر حمدوك أشار إلى أن الانقلاب قد يؤدي إلى إضعاف التأييد الشعبي للتطبيع، وحذر من أنه على المدى البعيد، مجرد حقيقة أن الجيش لوحده دون قوى مدنية مؤيد للتطبيع مع إسرائيل، سيؤدي إلى المساس بالتأييد الجماهيري للتطبيع، وذلك بسبب المعارضة الكبيرة في الشارع السوداني للانقلاب.
انتفاضة من الداخل
وقال الدبلوماسي السوداني إن الجيش ارتكب خطأ كبيرا ويمكن أن يواجه انتفاضة من الداخل وأشار إلى أن المسؤولين العسكريين «ألقوا التعاون مع الجهات المدنية إلى حاوية القمامة» وأنهم لا يقدرون بصورة صحيحة رد الرأي العام الذي مل من الانقلابات العسكرية، إضافة إلى ما قد يترتب على قرار واشنطن تعليق المساعدات الاقتصادية للسودان. من جانبه، اعتبر موقع «واينت» الإسرائيلي أن الانقلاب في السودان قد تكون له عواقب وخيمة على علاقات الدولة الأفريقية مع إسرائيل وعملية التطبيع بينهما. وأشار الموقع إلى أن الجانب العسكري للقيادة السودانية كان يدعم التطبيع بسبب وعود الولايات المتحدة برفع العقوبات المفروضة على السودان في عهد البشير، بينما كانت الكتلة المدنية للقيادة أقل حماسا لهذه الخطوة، لكن تم إقناعها في النهاية. وحسب التقرير، فإنه بإمكان معارضي القيادة العسكرية الإضرار بعملية التطبيع، حيث من غير المرجح أن يقبل الغرب بحكم العسكر في السودان، ما قد يزيد من تدهور العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، وفي نهاية المطاف مع تل أبيب أيضا. وأشار التقرير إلى أنه قبل اعتراف السودان بإسرائيل وبدء عملية التطبيع، بدأت الولايات المتحدة في رفع العقوبات عنه، لكن الانقلاب العسكري قد يعرقل هذه العملية لنرى إعادة فرض العقوبات بمجملها، ما قد يؤدي إلى تراجع الخرطوم عن الصفقة التي توسطت فيها واشنطن. يشار أنه من الناجية الرسمية لم يصدر أي تعليق عن المسؤولين الإسرائيليين على أحداث السودان، وهم يتريثون في الإدلاء بتصريحات حتى تتضح الصورة في السودان، حسب صحيفة «هآرتس».
ويشار أيضا أن الولايات المتحدة أدانت الانقلاب في السودان واعتقال المدنيين، داعية إلى العودة الفورية للحكم المدني والإفراج عن رئيس الوزراء المعتقل. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في بيان إن «الولايات المتحدة تدين بشدة ما أقدمت عليه القوات العسكرية السودانية» مبديا قلقه البالغ إزاء تقارير عن استخدام قوات الأمن الذخيرة الحية ضد المتظاهرين. وأضاف «نرفض بشدة حل الحكومة الانتقالية بقيادة المدنيين والمؤسسات المرتبطة بها، وندعو إلى إعادة العمل بها على الفور». يشار أن دراسات وتقارير وتسريبات إسرائيلية كثيرة قد كشفت عن قنوات تعاون واتصال تمت بين إسرائيل وبين السودان في عدة فترات زمنية منذ عقود طالت فترات حكم أكثر من رئيس منهم جعفر النميري وعمر البشير.
القدس العربي