البابور الموقع العربي

مبارك بن بطي النعيمي في ذاكرة الكرم الحاتمي

978

د. ربيعة بن صباح الكواري

(1)
يطول الحديث عن رجالات قطر الذين كانوا يتمسكون بعادات وسلوم وتقاليد المجتمع القطري القديم حتى حافظوا عليها من الضياع والاندثار، فكانوا نعم الرجال بكل ما تحتويه كلمة (رجال) من معنى.. فهم فعلا من أهل مجالس الجود والسخاء والوفاء والفزعة وقت الشدائد ولم يتهاونوا أبدا في نداء الواجب لهذا الوطن، سواء كان ذلك في السراء أو في الضراء.. وسواء أيضا كانوا من الموتى أو من الأحياء.

(2)
من هؤلاء الذين نتذكرهم اليوم عبر هذه السطور القليلة التي تكتب عنهم وعن سيرهم العطرة ومناقبهم وأخلاقهم النادرة في هذا الزمن الوالد مبارك بن بطي بن راشد الجفّالي النعيمي صاحب السمعة الطيبة والصيت الواسع في ربوع هذا الوطن الذي يفخر به وبأمثاله من الأعلام الأوائل في إحياء المجالس القطرية وصولا للمحافظة على الهوية القطرية.. فقد كان: – للكرم الحاتمي عنوان – ولإغاثة الملهوف فزّاع – ولمساعدة المحتاج.. عوّان.. وغيرها من الصفات الحميدة التي يتذكرها عنه أهل قطر خلال حياته التي عاشها رغم قصرها إلا أنّها كانت كافية لتعليم أبناء اليوم مناقب الرجال المخلصين والأوفياء، فغدوا في زمننا هذا عملة نادرة لا نجد من يتّصف بها أو يتمسّك بخصالها سوى القليل.

(3)
والوالد مبارك بن بطي من الشخصيات القطرية التي كافحت بحثا عن الحياة الكريمة المنشودة في وقت كانت سنوات حياته تصارع التحديات لنيل الرزق الحلال، خاصة بعد كساد الغوص على اللؤلؤ وتبدّل حياة القطريين بحياة مختلفة عن حياة البحر والبر معا.. فالتحق – رحمه الله – بالعمل في شركة النفط (1959 – 1960) حاله حال كافّة المواطنين الذين عملوا بالشركة (في أربعينيّات وخمسينيّات وستينيّات القرن الماضي).. فواصل كفاحه وعمله بكل صبر وثبات حتى كوّن نفسه بنفسه ولم يعتمد على أي شخص.. فكان من رجالات قطر المعدودين عبر صفاته الأخلاقية في وقت ساد فيه قلّة ما في اليد مع استفحال شظف العيش.. إلا أن حياة أهل قطر تبدّلت إلى الأفضل بعد العمل في مجال النفط والانخراط في العمل الحكومي مع ظهور الآيل (هكذا كانوا يطلقون عليها: سنة ظهور الآيل) كناية عن فترة اكتشاف النفط أو البترول لأول مرة في قطر في عقد الثلاثينيات وعملهم في مدن (دخان ومسيعيد وأم باب).

(4)
كان للوالد مبارك بن بطي مجلسه العامر في (منطقة ازغوى من ضواحي الدوحة) مع أشقائه: – محمد (توفي) – سالم – ناصر.
وكان له من الأبناء: – سالم – راشد – محمد – بطي – غانم.
أما والده فهو المرحوم – بإذن الله – بطي بن راشد الجفّالي النعيمي المتوفى سنة 1981م.
وكانت تدار في مجلس مبارك القهوة القطرية والموائد بأنواعها المختلفة بشكل يومي.. كما كان يرتاده الكثير من الناس من كافة أنحاء الديرة.. وكأن لسان حاله يقول: يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل نحن نحبّ لمن يزور بيوتنا حرجا على من زارنا لم يرحل.
ومجلسه ما زال مفتوحا حتى اليوم للضيوف والزيارات الاجتماعية بشكل يحافظ عليه الأبناء والأشقاء من بعده.. والأمر الآخر أن مبارك بن بطي كان يعرف بحبّه لضيوفه وكل من يزوره طوال أيام السنة وهي سمة من سماته التي اشتهر بها على مدى عقود من عمره.. سواء كان ذلك في مدينة (لغويريّة) أو بعد نزوحه لمدينة الدوحة فيما بعد.

(5)
كلمة أخيرة: رحم الله الوالد مبارك بن بطي (1944 – 1998) أحد أبرز أعلام الكرم الحاتمي في قطر.. ويكفينا فخرا أنه أنجب أبناء وأشقاء ساروا على خطاه ونهجه في السخاء وصون تقاليد المجتمع القطري القديم أو ما تعرف بـ (سلوم العرب).. وللأمانة نقول: ما إن تذكر هذه الشخصية في مجلس من مجالس قطر العامرة اليوم إلا ويقال عنه (الله يرحمه كان نعم الرجل).

المصدر: الشرق القطرية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار