أحمد سعد
قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، لخص عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم المعركة بين الدين والكفر، في ثلاث كلمات فقط بقوله “للبيت رب يحميه” وكان ذلك ردا على أبرهة الأشرم ملك الحبشة الذي جاء إلى مكة قاصدا هدم الكعبة المشرفة “بيت الله الحرام” وكان جيشه عندما اقترب من الكعبة قد استولى على مائتي بعير “إبل” مملوكة لعبد المطلب، فذهب عبد المطلب إلى أبرهة ليطلب منه استعادة هذه البعير، فرد عليه أبرهة عن طريق ترجمانه قائلا: لقد أعجبتني حين رأيتك، لكني زهدت فيك حين كلمتني عن البعير، أتكلمني في مائتي بعير وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لأهدمه، ولا تكلمني فيه؟ فقال عبد المطلب: إني أنا رب الإبل، أما البيت فله رب يحميه..
واليوم وبعد كل هذه السنوات الطويلة، أجدني محتاجا لترديد مقولة عبد المطلب، ولكن بتصريف، بالقول “للإسلام رب يحميه” وهي رسالة أردت بها طمأنة نفسي وطمأنة كل الذين أصابهم الفزع والقلق على الإسلام وعقائده وثوابته ورموزه، في ظل حملات التشويه والإساءة المتواصلة التي يشنها عليه أعدائه وكارهيه طوال الوقت، هؤلاء الأعداء الذين لا يألون جهدا عن نشر الشبهات والأراجيف التي تطعن في الإسلام وتسئ إليه، وتهدف إلى النيل منه والذم فيه، بل وتشكيك المسلمين به، ومن ثم ينصرفون عنه ولا يتسلحون به كدين حصين يحمي أصحابه من كل الشرور، إذا ما أخلصوا له وعملوا به، وقد كانت أخر تلك محاولات النيل من الإسلام هو إنشاء كيان لقيط، ولد سفاحا، وأطلقوا عليه اسم ” تكوين ” ذلك الكيان الذي تم الإعلان عنه يوم الرابع من مايو 2024، وضم مجموعة كبيرة من الأسماء المعروفة بعدائها للإسلام وتطاولها عليه أناء الليل وأطراف النهار، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر رأسهم إبراهيم عيسى ويوسف زيدان وإسلام البحيري، تلك الأسماء التي اقترن ظهورها الإعلامي والاجتماعي في السنوات الأخيرة، بالهجوم على الإسلام وانكار الصحيح من الأحاديث النبوية وتكذيب رواتها، وقد رأى القلقون على الإسلام أن إنشاء هذا الكيان يحمل مؤشرات واضحة عن وجود مخطط محكم يهدف إلى توحيد الجهود لضرب الإسلام، وتكثيف الحرب عليه، ولعل الذي زاد المخاوف من ولادة هذا الكيان هو تلك الحملة الدعائية الواسعة التي صحبت ظهوره، وهي حملة أنبأت عن وجود دعم مادي هائل وراء المشروع، بل وتشير إلى أن الداعمين له دول وليس أفرادا، وهذه الدول هي بطبيعة الحال التي لها مصلحة دائمة من محاربة الإسلام والمسلمين، حيث يمثل لها الإسلام لها هاجسا مستمرا باحتمالية عودته لسيادة العالم من جديد ومن ثم زوال ملكهم، وهذه الدول منها المسيحي ومنها اليهودي، بل ومنها المسلم أيضا، ولا أظن أني في حاجة للتوضيح أكثر من ذلك للكشف عنها، خاصة وأن هذه الدول باتت تمارس حربها ضد الإسلام في العلن ودون مواراة أو خجل، ويكفي لأن تعرفها معاينة الدول الداعمة لإسرائيل في حرب الإبادة البشرية التي تمارسها ضد سكان غزة منذ ثمانية شهور تقريبا!
لكن وبالرغم من كل ذلك، فأنا لست مع هؤلاء القلقين من تلك الحرب أو من أثارها أو من نتائجها، وعدم قلقي لا ينطلق من قاعدة ” للإسلام رب يحميه ” فقط، وإن كنت أراها الكافية لنصرته، ولا لأن الحرب على الإسلام قديمة قدم ظهوره قبل ١٤٠٠ سنة، وستستمر حتى قيام الساعة، إنما عدم قلقي مصدره هو الانهيار المريع الذي وصلت إليه أسماء وقيمة الشخصيات التي أوكلت إليها مهمة الحرب على الإسلام عبر هذا الكيان ابن الحرام، فبعد أن كانت الحرب موكولة لجحافل المفكرين الإسلاميين من أصحاب الأسماء الثقيلة ممن اقترنت أسماؤهم بالتنوير والنهضة الفكرية وتجديد التراث – وهذه بالمناسبة هي المداخل التي ينسل منها دائما خصوم الإسلام إلى الطعن فيه – مثل رفاعة الطهطاوي وطه حسين ومحمد عبده، ومن بعدهم حسن حنفي ونصر حامد أبو زيد، فهؤلاء أقل واحد منهم يملك من العلم والدراسة والإنتاج الفكري المدون والمطبوع، ما يصعب على كل أعضاء ” تكوين” بإبراهيمهم وزيدانهم الإلمام به أو استيعابه، ولا أقول مضاهاته، فبعد كل هذه الأسماء الكبيرة، وصل الحال بخصوم الإسلام إلى الاعتماد على النطيحة والمتردية من مدعي النهضة والتنوير والثقافة أمثال إبراهيم عيسى ويوسف زيدان وإسلام بحيري.. واضح أن المهنة لمت، والشغلانة عيلت!!
الله يرحمك يا طهطاوي (بصوت الفنان عادل إمام)