أحمد سعد
هل خان التعبير عبد الفتاح السيسي، عندما قال:(الشعب لم يجد من يحنو عليه) وكان يقصد:(الشعب لم يجد من يقسو عليه)؟!
السؤال هنا واجب ومٌلح، لأنه لا يمكن أبدا التصديق، بأن ذلك الشخص الذي قال قبل عشر سنوات، إن الشعب المصري محتاجا للرفق والحنان والاحتواء، هو ذاته الشخص الذي نراه طوال كل هذه السنوات، يتفنن في تعذيب نفس هذا الشعب وينكل به، ويجلد ظهره يوميا بكرابيج الأسعار المرتفعة، حتى بات الشعب الذي لم يجد من يحنو عليه، في حاجة لمن ينقذه من تحت يديه!!
فالغلاء في عصر السيسي وصل إلى خطه الأحمر وربما الأخير، بعد أن عرف طريق رغيف الخبز ( أخر حائط أمان للمواطن المصري ) فالرغيف الذي ظن الناس أن السيسي سيتركه على حاله الذي كان عليه قبل 36 سنة، عندما تم رفعه من قرشين صاغ إلى خمسة قروش، دون أن يؤثر ذلك على قيمة الدعم الذي تقدمه الدولة لتكلفته الحقيقية، ها هو يفعل به ما فعله مع كل السلع الأخرى التي قرر رفع الدعم عنها، وبات المصريون يصرخون منها دون مغيث، فالسيسي فيما يتعلق بالفلوس، لا يعرف الرحمة أو الرأفة أو الرهبانية، فشعاره الدائم هو الفلووووووووووس ( هكذا نطقها) ومبدأه في الحكم هو ( ها تدفع يعني هتدفع )
وإذا كانت حكومة السيسي قد تغولت على كل السلع المدعّمة حكوميا منذ عشرات السنين، مثل المواد البترولية والكهرباء والغاز وتذاكر المواصلات وخلافه، إلا أن غالبية المصريين لم يظنوا أن يصل الأمر إلى حرقهم في أفران الغلاء بكل هذه الوحشية، بدعوة تخفيف عبء الدعم عن كاهل الدولة، وكأن الدولة هي المسؤولة من الشعب وليس العكس، فقرار الحكومة، بالتعدي على سعر رغيف العيش، بالرغم من كونه الكلأ الوحيد المتاح الآن أمام البسطاء من المصريين ( وهم الغالبية العظمى الآن ) كان بمثابة الضربة في قلب الفقراء، خاصة المطحونين منهم الذين حرمهم الغلاء من رفاهية ( التغميس ) فأصبح العيش ( الحاف ) بمثابة الوجبة اليومية لكثير من المصريين، بل لا مبالغة في القول بإن هناك من لم يعد قادرا على توفير ثمن ( العيش الحاف ) فأصبح يبحث عن بقاياه بأكوام القمامة!!
لكن بالرغم من ذلك فقد كان من الممكن أن يمر قرار زيادة سعر الرغيف، دون التوقف أمامه والتحذير من مخاطره، لولا أن الزيادة جاءت ضخمة وغير معقولة قياسا بالسعر الأصلي للرغيف، ومقارنة بظروف المعيشة في مصر الآن، حيث تم رفع السعر أربعة أضعاف السعر الأصلي، ليقفز من خمسة قروش للرغيف إلى 20 قرشا، أي أن نسبة الزيادة 400 %، وهي بلا شك نسبة جنونية، خاصة وأن دخول المواطنين المصريين لم تتغير، كما لم يطرأ على الشعب غنى مفاجئ، يجعل الحكومة تطمع فيه لهذا الحد، وتُقدم على خطوة كارثية كهذه، يُتوقع أن يكون لها ما بعدها!!
واقع الحال يقول إن المصريين بصدد سلطة لا يشغلها بقاء المواطن على قيد الحياة من عدمه، فالقوانين والقرارات التي تصدرها منذ عام 2014 وحتى الآن، كلها تتصادم مع مصلحة المواطن بطبقتيه الفقيرة والمتوسطة، وهي قوانين وقرارات أقرب للعقوبات التأديبية منها إلى تحسين حياة الفرد، وإذا كان الغلاء والزيادة اليومية لأسعار السلع، والسطو على حق المواطن في الدعم، هو أخطر ما يؤذي ويؤلم هذا المواطن، إلا أن ما يحدث في بقية المجالات الأخرى، لا يقل إجراما وخطرا في حقه، وحق البلد أيضا، خصوصا عندما تعلم أن هذه السلطة كانت قد قامت بالسطو على معظم الأنشطة التي تعمل فيها الدولة، مثل الصناعة والسياحة والزراعة والصحة والإعلام والرياضة، وراحت تمنحها لشركات الجيش، فأصبح للدولة منافس قوي وكبير هو الجيش، وبدلا من أن يكون للدولة المصرية جيشا، أصبح الجيش هو الذي لديه دولة، فأصبحت عوائد وأرباح معظم هذه الأنشطة تذهب لشركات الجيش، ويتمتع بها قيادات المؤسسة العسكرية ومن حولهم، فيما كانت في السابق تذهب لخزينة الدولة ويستفيد منها المواطن، وليتها اكتفت بكل هذا، وبسلب الشعب حقوقه المادية، إنما حرمته من حقوقه الأدبية والمعنوية، فهي تقهره بقوانينها وقرارتها في نفس الوقت تمنعه من الشكوى والأنين والتعبير عن رأيه، هذا فضلا عن احتكارها للخطاب الإعلامي، فلا يٌقال إلا ما يطربها، ولا يٌسمع إلا ما يحرق دم الشعب!!
وإذا كان قرار رفع سعر الرغيف والذي يبدأ تنفيذه اعتبارا من اليوم أول يونيو 2024، قد مر بدون احتجاجات شعبية أو مظاهرات سياسية، تندد به أو ترفضه، كما حدث في ( انتفاضة الخبز 1977 ) والتي أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات ( انتفاضة الحرامية )، وهي الانتفاضة التي حدثت عندما أصدر السادات قرارا بخفض الدعم على الرغيف، فثارت الجماهير ضده وأرغمته على التراجع، فإن هذا لا يعني أن قرار حكومة السيسي هذا، سيمر مرور الكرام، دون انتفاضة أو غضب شعبي، حتى وإن أوحت الأوضاع بغير ذلك، أو بدا المصريون غير مستعدين للاحتجاج، خوفا من بطش الأجهزة الأمنية، ومعاونيها من القوات غير النظامية المتمثلة في ميليشيات العرجاني، فكل هذا لا يمنع من التوقع بأن الغضب الشعبي قادم، وأن الثورة على الأوضاع المعيشية قائمة، ربما تتأخر لحظة انفجارها، لكن أسبابها ودوافعها ومقوماتها متوافرة، وثورة الغضب المحتملة لن يكون دافعها فقط هو تخطي السلطة للخط الأحمر والأخير بالعبث بسعر رغيف العيش، ولا لتعديها على قوت الغلابة وهو الرغيف، والمثل يقول ( يا واخد قوتي يا ناوي على موتي ) وإنما الغضب سيكون سببه كراهية الشعب لهذه السلطة، فضلا عن عدم ثقة الناس في أن هذه الزيادة على سعر الرغيف ستكون الأولى والأخيرة كما وعد أحد أعضاء البرلمان، إنما سيتبعها زيادة ثانية وثالثة ورابعة وعاشرة، إلى أن يتم رفع الدعم بالكامل عن الرغيف، فيصبح سعره 125 قرشا، وهي التكلفة الفعلية للرغيف، طبقا لتصريحات رئيس الحكومة الأخيرة، والمصريون يدركون في هذه اللحظة ما لم يدركونه من قبل، بأنهم أمام سلطة كاذبة لا عهد لها، وهي سلطة نهمة للمال، متوحشة في جمعه، سلطة أثبتت الأيام والتجربة، أنه لا يهمها سوى سحق المواطن وعصره، طمعا في انتزاع أخر قروش ( فكة ) في جيبه، فتحرمه حتى من الرغيف!!