غازي الذيبة
اتركوا السوريين في حالهم، اتركوا ملايين الشهداء والمفقودين والمضطهدين واللاجئين والنازحين والخارجين من سجون الطاغية يعودون إلى سورياهم، ليقرروا ما يريدونه في حبها وبنائها وزراعتها والحفاظ عليها، فهم أقدر منكم (هكذا يتكلم التاريخ وتتحدث الجغرافيا) على معرفة ما يريدون، فهم قلب الحضارة الإنسانية كما تعرفون، مر عليهم من أشكالكم أكثر مما تتخيلون.
لا ترتدوا قناع الحرص على سورياهم التي قضت نصف قرن، وأنتم تستمعون بلعق بسطار القائد (الخالد) ومن بعد فنائه، ببسطار الابن (الخالد) وبراميل وكيماوي عصاباتهم (الخالدة)، وأسألوا السجون وسجلات الجرائم عن عائلة الخالدين الجلادين.
دعوا السوريين يتفقدون أحلامهم وترابهم ومقابرهم الجماعية وسجونهم، ودستورهم الذي التهمه حمار القائد (الخالد)، وتاريخهم الذي سُرق وزُور، ليعلقوا صور أبنائهم الذين أكلهم البحر والبرد والبراميل المتفجرة والقصف الروسي واللطم الإيراني والتشبيح، وحتى لو لم تصدقوا كل هذا، اتركوهم ليعيشوا لحظة تحررهم من (قائد أب)، عُدل دستوره في برهة بعد فنائه، ليوافق ترسيم ابنه قائدا بعد، تحت شعارات تتمسك بالأسرة الخالدة، وعبقرية أبنائها الخالدين.
اصمتوا حتى يسمع السوري صوت ألمه الذي عاشه في كابوس القائد الفاني وابنه الفار وعائلته المخدراتية، دعوهم يفكفكوا 54 عاما، لاحقتهم فيها فصيلة الخالدين الوحشية.
اتركوهم، لا تعربدوا عليهم بهجائياتكم ونصائحكم وخوفكم على بلد، ثاروا لتحريره من طغيان، جلب لهم أقذر كائنات الأرض، ليتفننوا في قتلهم وقمعهم، وتشويه مدنهم وقراهم ومساجدهم وكنائسهم وجامعاتهم ومدارسهم وأرضهم وبيوتهم، وسرقوا ثرواتهم وأحلامهم وحياتهم.
امنحوهم الفرصة لجمع عظام شهدائهم من المقابر الجماعية، وتنظيف مدارس أبنائهم من الكبتاغون، وغسل أرواحهم من سنوات العار التي لن تزول قتامتها حتى بعد أجيال، امنحوهم الوقت لتنظيف شوارعهم، وبرداهم الذي لوثه القائد الأب والقائد الأم والقائد الجد والقائد الميت والقائد الفار والقائد الزوجة والقائد الأخت وعائلة القائد وبنات عم القائد وخالته وأخواله.. يا الله، ما أطول سلالة القائد، وما أجمل انقراضها في بضعة أيام.
لا تطلبوا منهم الإصغاء لنصائحكم التافهة (أنتم تعرفون حجم تفاهتها)، لم يعد لديهم وقت للاصغاء لكم، ولن يسمعوا توسلكم لهم لاستعادة القائد وسلالته المنقرضة، فأنتم لم تعيشوا ألمهم، لتشعروا بما يشعرون به من لعنة القائد، ولو عشتم برهة في ظلال لعنته، فستلعنون اليوم الذي ولدتم فيه، فاتركوهم حتى لا يلعنوكم.
لا تطلبوا ممن يبتسم لابتسامتهم ويفرح لفرحهم، أن يكون مثلكم، يكره حرية الآخرين، أنتم أحرار، لكن لا تُخرجوا الفيلسوف المزعوم والمفكر السطحي والوطني الشعاراتي والبطل الجبان من دواخلكم، عنعنوا وتأتئوا وتلعثموا وتخبطوا بخطابات القائد ونظرياته عن الأمة والوطن والالتزام ومحور المقاومة. لكن أرجوكم استحوا قليلا، وزِنوا كتل الشحم في جماجمكم، لتتأكدوا إن كان شيء من الشحم فيها أم لا، وانأوا بفلسطين عن وسخ رؤاكم، ومكب أوساخ مقاومة القائد.
دعكم من السوريون، فهم يحتاجون لوقت كي يدركوا بأنهم تحرروا من كابوسهم، لم يعد أحد يصدق مزاعمكم بأن سوريا وقعت في فخ المؤامرة، وأن قادمها كارثي، وتأكدوا أنه بعد هذا الزمن الملوث بصدعكم لرؤوسنا بالقادة الملهمين والزعماء الخالدين، تقبر الأمم وتدمر الشعوب وتحتل الأوطان، وأسألوا التاريخ الذي كانت لكم يد سوداء في رقن سطوره، لتعرفوا هذه الحقيقة.
فشلكم في فهم مشروع الحرية، مشكلتكم أنتم، لا مشكلة السوريين ولا مشكلة أحد سواكم، لأنكم تعيشون في سجون الهراء والثرثرة والضغينة وكراهية الحرية والفرح والجمال، تقيدكم بلاهتكم بنظريات المثقف الكنبنجي والمقملجي والكفرجي. وتراك ما لا تستجطيعو فهمه لمن فهم وصنع ما يريد كثير من الأشياء عن الحرية لن تستطيعوا شراءها، فقد هربت كلها من قلوبكم المريضة بادعاء الحرص على سورية والأمة.
هرب معنى الحرية منكم عندما صنمتم فكرة أنكم سدنة مشروع التحرير، لا شريك لكم ولا صديق وسواكم خارج عن القومية والتحرر والقائمة طويلة من أفلامكم التي ما تزال خارج فهم الملايين من شعوبنا العربية.
فيا أنتم..
سوريا متعبة، اتركوها لترتاح فوق تلة قاسيون لتنظف صدرها من دخان البراميل المتفجرة. إنها تحتاج لمراجعة نصف قرن هُدرت من عمرها عبثا وهباء. وتحتاج الآن لأن تصمتوا كي تصغي لصوت عصافيرها وأوراق أشجارها وشغب أطفالها، وأناشيد أبنائها المدرسية، ونداءات باعتها على بضائعهم في الأسواق، فقد ضجرت من نعيقكم.
وسوريا التي علمتكم الكتابة والقراءة، لن تقبل بسماع عاطل عن الحب والجمال والحياة، ليعلمها كيف تقرأ كف المستقبل. يكفي أن نصف قرن مزقتها إربا، ولم تخافوا عليها من التقسيم، وحرمت شعبها من الحرية، ولم تخافوا عليها من السجون، هي لا تحتاج لكم، فقط تحتاج لوقت أنتم لا تعرفونه.
اتركوها تضمد جراحها، وتغني في ساحة الأمويين وترقص وتبكي وتبتهج بالقبض على عصابات الخالد والخالدين، وتدوسهم وتبصق في وجوههم، فقد خرجت أخيرا من الرمادة، وهزمت الألم والبكاء والتمزق والسجون والمقابر الجماعية والمكابس البشرية والتعذيب والاغتصاب والكبتاغون والشتائم والرشى والفساد وحروب الرد في الوقت والزمان المناسبين.
من العار، أن تطلب من شريد وغريب في وطنه وبيته، وسجين من دون تهمة، سوى تهمة حبه لسورياه، أن يترك الحرية ليصغي لنصائحكم باستعادة غرائز الخالدين لتدمير سوريا مرة أخرى.
انتهى عصر الطاغوت، وعصر الفاشلين، افهموا لقد فشلتم وفشل حلمكم الأسود، فاذهبوا لأعمالكم إذا لم تكونوا عاطلين عن العمل، أو اقضوا ما تبقى من أعماركم في البكاء على مشروعكم الذي تولى؟
وحتى تبقى الحياة.. حياتنا؛ معقولة ومحتملة، أتمنى منكم السكوت.. شدة حرصكم المزيفة على سورية ومشروع وحدة الأمة، تجعلنا نتقيأ من هرائكم. يكفي، دعونا نحب بلادنا كما نريد، افعلوا مثلنا، جربوا أن تبتسموا لأنفسكم في المرآة، لتحسوا بنبض الحياة. اضحكوا مع ابنائكم، وعيشوا حياتكم بهدوء بعيدجا عن خلعنا بنظريات الحرص على الامة. قرن من التجريب فينا: بدءا من القوميةحتى اصبح اليسار يقف على باب السفارة الاميركية للحصول على فيزا، أو دعوة الى مؤتمر في نيويورك. خلص، تمزق القميص البالي الذي لبستمونا اياه.
وبالطبع لن تتمكنوا من الجلوسي مع انفسكم، فأنتم معتادون على تلبيس العباءات للطغاة واللطم في مراقدهم، والهتاف في مسيرات تأبيدهم، لكن الجميل أننا رأينا انقراض عصركم، والمثير للجمال اكثر، أن انقراضة كان أسرع من انقراض الديناصورات، لذلك أدعوكم للتعرف على جدنا السوري حنا بعل، حين تحدث عن دهاء التاريخ، وكيف يصحو الحق في لحظة لا يتوقعها حتى الجزار جنكيز خانز
اتركوا يمورلنك تاجر بالكبتاغون، وماركس الذي بصق على عروبتكم وتعامل مع امتنا كوباء- اقرأوا ماذا كتب عنكم في رحلته الى الجزائر ابنا استعمار فرنسا لها.
دعونا نحب الحرية وسوريا وكل بلادنا كحب العجائز لأحفادهن، دون نظريات عن الحب، أو مؤامرات أو مواعظ سخيفة، أو أسئلة، وفلسفات سمجة، أو حرص بليد، ونشيد نشاز عن الوحدة والأمة، فقد تركنا اليسار لكم وبعناكم اليمين ونأينا بأنفسنا عن علمانيتكم وليبراليتكم.. فاتركوا رؤوسنا ترتاح من هذركم وزيفكم.
إننا على يقين من أنه في حال سكتم، ستتحرر الأمة وفلسطين.. وسنهزم العالم كله.
فقط جربوا أن تخرسوا ولو مرة واحدة عن اتهام الباحث عن حريته بالإمبريالي والاطلسي والبطيخي، ارتاحوا على كنباتكم، ودعوا السوريين يركضون بأحلامهم الجديدة.، بعيدا عن هرائكم.
غ. ذ