نظام السيسي يتآمرعلى حماس والمقاومة الفلسطينية في غزة.. إلى أين وصل هذا التآمر؟
البابور العربي – خاص
لم يكن موقف نظام عبد الفتاح السيسي من حركة المقاومة الإسلامية حماس يومًا موقفًا حياديًا أو داعمًا فعليًا للمقاومة، رغم الشعارات الإعلامية والمواقف المعلنة التي توحي بالوساطة والرعاية. بل إن المتتبع لمسار العلاقة بين القاهرة وحماس منذ الانقلاب في 2013 وحتى اليوم، يلاحظ بوضوح تزايد مؤشرات التآمر السياسي والأمني واللوجستي على المقاومة في قطاع غزة، وهو تآمر تصاعد مؤخرًا بشكل غير مسبوق في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 7 أكتوبر 2023.
أولًا: الخلفية الأيديولوجية والسياسية
يعود جوهر التوتر إلى أن نظام السيسي يُعادي حركة الإخوان المسلمين التي يعتبرها “عدوًا وجوديًا”، وحماس – باعتبارها فرعًا أصيلًا من الجماعة الأم – تُوضع في دائرة هذا العداء تلقائيًا، بغض النظر عن دورها الوطني المقاوم في فلسطين.
بالنسبة للسيسي، نجاح حماس كنموذج إسلامي مقاوم شعبي يشكّل تهديدًا لصورة النظام المصري، الذي ارتبط اسمه منذ 2013 بالقمع والانقلابات وفشل التحولات الديمقراطية. وبالتالي، فكلما ازدادت قوة حماس، زاد القلق في القاهرة من امتداد التأثير إلى الداخل المصري.
ثانيًا: البعد الأمني وسيناء
منذ سنوات، تتهم أجهزة الأمن المصرية حماس بالتورط في دعم مجموعات مسلحة في شمال سيناء – وهي اتهامات لم يُقدَّم عليها دليل قاطع – لكنها شكّلت المبرر الأمني الرئيسي لتشديد الحصار على غزة وإغلاق معبر رفح وتهديم الأنفاق، بل وحتى تصنيف حماس ضمن “الكيانات الإرهابية” داخليًا في فترة سابقة.
العداء الأمني تحوّل إلى عقيدة رسمية داخل المؤسسة العسكرية المصرية، ترى في غزة المحاصرة مصدر تهديد دائم يجب مراقبته وخنقه وليس دعمه أو رفع الحصار عنه.
ثالثًا: التواطؤ الإقليمي والدور الوظيفي
منذ وصول السيسي إلى الحكم، أصبح النظام المصري أحد الأعمدة الإقليمية للمشروع الأمريكيالإسرائيليالخليجي لتصفية القضية الفلسطينية، عبر “خنق المقاومة”، وتمرير صفقات “السلام الاقتصادي”، وتفريغ غزة من أي تهديد فعلي للاحتلال.
في هذا السياق، يلعب النظام المصري دور الحارس على معبر رفح، ليس لخدمة الفلسطينيين، بل للتحكم في دخول وخروج المرضى والجرحى والمساعدات وحتى جثث الشهداء، ضمن ما يشبه “العقاب الجماعي” السياسي والأخلاقي لسكان القطاع.
العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة كشف ذلك بوضوح، حيث رفضت القاهرة فتح المعبر في الأسابيع الأولى للعدوان، ورفضت إدخال مساعدات كافية، وضيّقت على قوافل الإغاثة، وسربت معلومات أمنية حساسة عن حماس للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية حسب تقارير دولية.
رابعًا: التآمر يصل إلى التحريض العلني
لم يكتفِ النظام المصري بالدور الخفي، بل وصل الأمر إلى حدّ التحريض العلني ضد حماس في الإعلام الرسمي والخاص، وتصويرها على أنها “المسؤولة عن خراب غزة”، و”سبب المجازر التي ارتكبها الاحتلال”، في محاولة لشيطنة المقاومة وقلب المعادلة الأخلاقية.
الأخطر، أن تقارير إسرائيلية قالت إن القاهرة اشترطت نزع سلاح حماس كشرط لأي ترتيبات لما بعد الحرب، وهو ما أكده وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف كاتس، ما يشير إلى مستوى عالٍ من التنسيق السياسي مع الاحتلال ضد أحد أهم مكونات المقاومة الفلسطينية.
خامسًا: إلى أين وصل هذا التآمر؟
التآمر بلغ اليوم مراحل متقدمة:
1- تنسيق أمني غير مسبوق بين المخابرات المصرية والإسرائيلية والأمريكية بشأن خارطة السيطرة في غزة.
2- دعم سيناريو إقصاء حماس من أي دور سياسي في “اليوم التالي”.
3- منع دخول مواد حيوية ومساعدات إنسانية عبر معبر رفح، كأداة ضغط على حماس.
4- ترويج إعلامي ممنهج ضد المقاومة لتبرير الموقف المصري المتخاذل.
لكن ورغم كل ذلك، فشلت القاهرة في كسر حماس أو فرض الشروط عليها. فالحركة لا تزال صامدة، والمقاومة لم تُهزم، بل تستمد من صمود شعبها ودماء شهدائها مزيدًا من الشرعية.
وبناء على ذلك فإن نظام السيسي لا يتعامل مع حماس كحركة مقاومة تقاتل عدوًا مشتركًا، بل كخصم سياسي وأمني يجب تحجيمه أو التخلص منه.
والتآمر الحالي مع الاحتلال الصهيوني لتصفية المقاومة ليس مجرد موقف سياسي، بل هو ارتهان وظيفي للمشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة.
لكن السيسي، مهما تآمر، لن يستطيع أن يطمس حقيقة أن غزة تُقاتل نيابة عن الأمة كلها، وأن المقاومة ليست بندقية بيد حماس فقط، بل روح شعب لا يُهزم، وجذوة كرامة لا تنطفئ.