البابور الموقع العربي

العدو الإسرائيلي يقتل غزة جوعًا تحت بصر العالم وصمته

104

تقرير إخباري – متابعات

بدأ شبح الجوع ينهش أجساد أبناء غزة، وبدت آثار النحول والضعف ترتسم على وجوههم التي أكلها التعب، بعدما غرس الجوع أنيابه في أرواحهم قبل أجسادهم، لم تكتف آلة الحرب الإسرائيلية بما خلفته من دمار وقتل وتشريد، بل أمعنت في تجويع من تبقى على قيد الحياة، ليُضاف ألم البطون الخاوية إلى جراح القلوب المثقلة بالحزن والخوف.

وازدادت المعاناة مرارة منذ شهرين، حين أُغلقت المعابر بشكل كامل، وقُطع شريان الحياة عن غزة المحاصَرة، حُرم الأطفال من الحليب، والمرضى من الدواء، والعائلات من أبسط ما يُعينها على الصمود في وجه الكارثة.

كما تُحارب غزة اليوم بسلاحين قاتلين سلاح النار، وسلاح الجوع، وكأن الاحتلال يصر على اقتلاع كل ما ينبض بالحياة في هذه البقعة الجريحة، وسط تجاهل وصمت مطبق من العالم الغربي والعربي والمؤسسات الدولية الإغاثية.

ومنذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تعيش غزة أيامًا حالكة لم يشهدها التاريخ الحديث، أيامًا يُكتب فيها الصبر بحروف الدم، ويُقاوِم فيها الإنسان بقوة الإرادة، رغم الجوع والحصار والموت الذي يتربص بكل زاوية.

 

“المجاعة تكشر عن أنيابها”

وتتعد أوجه المجاعة في قطاع غزة، حيث فقد محمد عبد العال، أحد سكان قطاع غزة، أكثر من نصف وزنه خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة، نتيجة النقص الحاد في المواد الغذائية الأساسية والمجاعة التي تجتاح القطاع، فبعد أن منعت سلطات الاحتلال إدخال السلع الضرورية، وعلى رأسها الدقيق، أصبح الجوع واقعًا يوميًا لا يفارق آلاف العائلات المنهكة.

وتعيش عائلة عبد العال، المكوّنة من زوجته وأربعة أطفال، على وجبة واحدة فقط يوميًا، وجبة بالكاد تسد رمق الحياة، فقد اختفت من الأسواق معظم المواد الغذائية، من اللحوم والأسماك إلى الخضروات والفواكه والبيض، ليعتمدوا على بعض المعلبات التي شحت من الأسواق، بالإضافة إلى نباتات برية تنمو في مناطق محدودة وتُروى بمياه الأمطار، في مشهد يعكس قسوة الحصار وقلة الحيلة.

ويقول عبد العال، بصوت تخنقه المرارة: “لم أعد أتعرف على جسدي.. أصبحت أعدّ عظامي واحدة تلو الأخرى.. أطفالي يسألون عن الطعام وأنا لا أملك سوى الدموع.. أصعب شيء أن تكون أبا في غزة، ولا تملك ما تطعمه لصغيرك”.

ويشير إلى أن ما يتوفر في الأسواق اليوم لا يصلح لتغذية الإنسان، بل هو مجرد منتجات تملأ الرفوف دون فائدة غذائية حقيقية، بينما تمنع دخول الأغذية الغنية بالبروتينات والفيتامينات، ما فاقم من معاناة السكان، وترك آلاف الأجساد تتآكل ببطء، وسط صمت العالم.

 

“جريمة حرب متعمدة”

الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي، عضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، أكد أن استمرار المجاعة في قطاع غزة وتفاقمها بشكل غير مسبوق خلال الشهرين الأخيرين يمثل جريمة حرب متعمدة ترتكبها “إسرائيل” بحق السكان المدنيين، وتتحمل المسؤولية القانونية الكاملة عنها.

وقال الدكتور مهران في تصريح خاص بوكالة “شهاب” للأنباء، إن ما يحدث في غزة اليوم هو تجويع منهجي لأكثر من مليوني فلسطيني، في انتهاك صارخ للمادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف التي تحظر بشكل قاطع استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب ضد المدنيين.

وأضاف أن الحصار المطبق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على القطاع منذ شهرين، ومنعه المتعمد لدخول المساعدات الإنسانية، يرقى إلى مستوى جريمة الإبادة الجماعية، خاصة مع توفر عنصر القصد الجنائي المتمثل في تصريحات مسؤولين “إسرائيليين” تهدد صراحة بتجويع سكان غزة.

وشدد أستاذ القانون الدولي على أن صمت المجتمع الدولي يجعله شريكاً في هذه الجريمة، “فالدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة ملزمة بالتدخل الفوري لضمان احترام الاتفاقية وإنهاء الحصار وفتح المعابر”.

ولفت إلى أن التقارير الميدانية تؤكد أن غزة تواجه أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث، حيث بات الموت جوعاً مصير الآلاف من الأطفال والنساء والمسنين، في وقت تمنع فيه إسرائيل دخول الغذاء والدواء في انتهاك للقرارات الدولية الملزمة والقانون الدولي الإنساني.

 

“كارثة إنسانية غير مسبوقة”

وبدوره، حذر عزام الشوا، رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، من أن قطاع غزة يمر بأسوأ الظروف الإنسانية منذ بدء العدوان، مشيرًا إلى تفاقم كارثي في أوضاع الغذاء والمياه.

وقال الشوا في تصريح صحفي خاص لوكالة “شهاب” للأنباء، إن الدقيق المخصص للمخابز قد نفد منذ نهاية شهر آذار الماضي، ما أدى إلى توقف إنتاج الخبز بشكل شبه كامل، وتراجع حصة الفرد اليومية إلى أقل من رغيف واحد.

وأوضح أن المواد الغذائية التي كانت متوفرة لدى المؤسسات والمطابخ المجتمعية قد استُنفدت، مما يهدد بتوقف معظم “التكيات” التي تقدم وجبة واحدة في اليوم خلال الأيام القليلة القادمة، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على نحو 40% من أسر القطاع.

وأشار الشوا إلى أن عشرات الأطفال باتوا يعانون من حالات سوء تغذية حادة، في وقت يعجز فيه الجهاز الصحي عن التعامل مع هذه الحالات نتيجة النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية والمكملات الغذائية.

 وأضاف أن كميات المياه المتوفرة للاستخدام والشرب تشهد تناقصًا خطيرًا، مبيِّنًا أن التهديد بنفاد الوقود قد يؤدي إلى انهيار منظومة المياه والخدمات الحيوية.

وتطرق الشوا إلى أنباء توسيع العمليات العسكرية في غزة، يجعل الأمور تتجه نحو مزيد من التدهور، مبينًا أن ما يقرب من 69% من مساحة القطاع أصبحت مناطق لا يمكن الوصول إليها، في ظل استمرار القصف والتهجير القسري.

واعتبر الشوا أن “استخدام سياسة التجويع ضد السكان المدنيين هو جريمة حرب مكتملة الأركان، تندرج في إطار سياسة تطهير عرقي ينفذها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني”، مؤكدًا أن هذه المرحلة هي الأخطر على الإطلاق التي يشهدها الشعب الفلسطيني.

 

“الكارثة تتعمق”

ومن جانبه، قال رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد” الدكتور صلاح عبد العاطي، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بحق سكان قطاع غزة للشهر الثامن عشر على التوالي، في ظل صمت دولي مخزٍ وعجز متواصل عن وقف المجازر والانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب بشكل ممنهج.

وأكد عبد العاطي في تصريح خاص لوكالة “شهاب” للأنباء، أن الاحتلال ومنذ خرقه لاتفاق التهدئة في 18 مارس 2025، وسّع من عملياته العسكرية بشكل غير مسبوق، ما أدى إلى استشهاد قرابة 2000 فلسطيني خلال الفترة الماضية، وإصابة أكثر من 5000 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال.

وأضاف: “بذلك يرتفع إجمالي ضحايا العدوان المستمر إلى أكثر من 65 ألف شهيد ومفقود، و17 ألف جريح، في ظل استخدام ممنهج للأسلحة المحرمة واستهداف مباشر للمراكز الصحية ومراكز الإيواء وخيام النازحين”.

وتابع رئيس الهيئة: “منذ أكثر من 50 يومًا تواصل قوات الاحتلال إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية والمواد التموينية، ما أدى إلى تفشي المجاعة ونفاد الإمدادات الأساسية، وعمّق الكارثة الإنسانية طويلة الأمد، التي تهدد حياة أكثر من 2.3 مليون فلسطيني، نصفهم من الأطفال”.

وأوضح عبد العاطي أن الاحتلال لا يكتفي بالقصف والقتل بل يعمد أيضًا إلى تدمير ممنهج للبنية التحتية، حيث تم تدمير أكثر من 88% من مباني القطاع، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ومحطات المياه والصرف الصحي، مضيفًا: “حتى خيام النزوح لم تسلم من القصف، والناس يعيشون في ظروف مأساوية غير إنسانية داخل خيام متهالكة دون مياه أو كهرباء أو خدمات طبية”.

وأشار إلى أن سلطات الاحتلال أصدرت خلال شهر أبريل فقط نحو 31 أمر إخلاء قسري في مناطق مختلفة من القطاع، ما تسبب في نزوح أكثر من نصف مليون شخص جديد، ليرتفع عدد النازحين لأكثر من مليوني شخص، يعيش معظمهم في مناطق مكتظة وغير آمنة تفتقر لأبسط مقومات الحياة.

وأكد عبد العاطي أن قوات الاحتلال استهدفت خلال الأسبوع الأخير عربات الدفاع المدني وسيارات الإسعاف والجرافات التي تستخدم في انتشال الجثث وإخلاء الجرحى، ما أدى إلى تدمير 36 آلة ومركبة ثقيلة.

وقال: “هذا الاستهداف الممنهج لجهود الإنقاذ والبلديات يؤكد نية الاحتلال عرقلة أي جهد إنساني وإبقاء سكان غزة في دائرة الموت والدمار”.

وحذر من أن انهيار المنظومة الصحية بشكل كامل وغياب الأدوية والمياه النظيفة وانتشار القمامة والقوارض ينذر بعودة أمراض وأوبئة خطيرة كشلل الأطفال والكبد الوبائي، في وقت يُمنع فيه إخراج نحو 24 ألف مريض وجريح لتلقي العلاج خارج القطاع.

كما شدد بالقول: “إن المجتمع الدولي بصمته وتقاعسه، يوفر غطاءً للاحتلال لمواصلة حربه الإجرامية على الفلسطينيين، لتحقيق أهدافه الاستعمارية بتهجير السكان، وتصفية القضية الفلسطينية، وضمان بقاء حكومة نتنياهو الفاشية”، مطالبًا كافة المستويات السياسية والدبلوماسية والقانونية لفرض العقوبات على دولة الاحتلال، ومحاسبة قادتها كمجرمي حرب، ووقف تصدير السلاح لها، وفتح ممرات إنسانية آمنة، وإدخال المساعدات، وتوفير الحماية الدولية العاجلة لشعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس”.

المصدر : شهاب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار