البابور الموقع العربي

غذاء العالم العربي في مهب الحرب الروسية الأوكرانية

489

 لم تتوقف تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على ارتفاع أسعار الطاقة فحسب، وإنما امتدت لتشمل الغذاء وتحديداً الخبز المكون الرئيسي لمائدة الطعام.. وتعتمد عدد من الدول العربية بشكل رئيسي على روسيا وأوكرانيا بنسبة 82 بالمئة في استيراد القمح اللازم لسد احتياجاتها بواقع 42 بالمئة من القمح الروسي ونحو 40 بالمئة من القمح الأوكراني.

وبدأت تلوح في الأفق أزمة غذاء عالمية في أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا التي أربكت أسواق الحبوب والزيوت النباتية، فقد قفزت أسعار الغذاء العالمية إلى مستوى قياسي جديد بلغ 12.6 بالمئة في مارس الماضي على أساس شهري و34 بالمئة على أساس سنوي مقارنة بمارس من العام 2021 حسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو).

وشهد مؤشر أسعار السلع الغذائية الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، قفزة عملاقة إلى أعلى مستوى منذ بدء العمل به في عام 1990، ويعزى الارتفاع بشكل أساسي إلى زيادة أسعار الحبوب بواقع 17.1 بالمئة قياساً بشهر فبراير مدفوعًا بالزيادات الكبيرة في أسعار القمح وجميع الحبوب الخشنة.

وقال السيد ناصر أحمد الخلف الخبير الزراعي والمدير التنفيذي لمزرعة “أجريكو”، إن ثمة مؤشرات تنذر بأزمة غذاء في بعض الدول العربية مع تزايد تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على قطاع الأغذية، لافتاً إلى أن أسعار المواد الغذائية كانت تعاني أصلاً من اضطرابات في سلاسل الإمداد والتوريد الناجمة عن تفشي جائحة فيروس كورونا “كوفيد-19” والفجوة الناتجة عن العرض والطلب وارتفاع مستويات التضخم، فضلاً عن التقلبات المناخية (ارتفاع درجات الحرارة وشح الأمطار والجفاف والفيضانات).

وأضاف ناصر الخلف في تصريح لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، أن الحرب الروسية الأوكرانية ستلقي بمزيد من التداعيات على جميع القطاعات وخاصة قطاع الأغذية في الدول العربية، لافتاً إلى أنه ومنذ اندلاع الحرب وخلال أقل من شهرين قفزت أسعار الحبوب والزيوت بنسبة 30 بالمئة، كما ارتفعت أسعار الأسمدة المصنعة في أوكرانيا والمواد الخام المرتبطة بها بنسبة 30 بالمئة إلى 40 بالمئة، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الشحن والنقل، حيث قفز سعر شحن الحاوية النمطية من الصين إلى الدوحة وبعض موانئ المنطقة من 3 آلاف إلى 11 ألف دولار وهو ما أثر على تكلفة الإنتاج الكلية.

وأوضح أن سلسلة حلقات الإنتاج تأثرت بعدة عوامل مترابطة كارتفاع أسعار الطاقة والنقل وأسعار المواد الخام والأسمدة والأعلاف ما أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج التي بدورها انعكست في زيادة أسعار الزيوت والطحين واللحوم الحمراء والبيضاء وجميع المنتجات الزراعية الأخرى.

وشدد الخبير الزراعي على ضرورة تبني حلول استراتيجية للغذاء في الدول العربية تقوم على التكامل بين الدول التي تمتلك الموارد الزراعية (الأراضي الصالحة للزراعة والمياه) والدول التي تمتلك الإمكانيات المالية والتكنولوجيا الزراعية، عبر رؤية واضحة وتشريعات محفزة للجميع ما يسهم في تأمين الإمداد الغذائي للعالم العربي، وبناء شبكات أمان إقليمية شاملة تمثل حماية لتقلبات أزمات الغذاء التي تظهر بين الحين والآخر.

وكان السيد ديفيد بيسلي المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة قد قال في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي في روما لمناقشة مبادرة للأمن الغذائي كرد فعل على الحرب في أوكرانيا، إن العالم يواجه “مشكلة لسنوات عديدة” في إمدادات الغذاء، في الوقت الذي أدت فيه الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع الأسعار العالمية وتعطل إنتاج المحاصيل الأساسية.

وتأتي هذه المخاوف على الأمن الغذائي بعد أن حذَّر تقرير أصدره صندوق النقد الدولي قبل أيام من أن الصراع الدائر في أوكرانيا سيُعرّض الأمن الغذائي العالمي للخطر.وأوضح التقرير أن روسيا وأوكرانيا تستحوذان معًا على ثُلث التجارة العالمية لهذه الحبوب.. وبالإضافة إلى الخسائر البشرية والاقتصادية، فقد أعرب صندوق النقد الدولي عن القلق إزاء تداعيات الحرب على كل أنحاء العالم.

وفي سياق متصل، قال الصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة “إيفاد”: إن الحرب في أوكرانيا تسببت بالفعل في ارتفاع أسعار الغذاء، ونقص المحاصيل الأساسية في أجزاء من وسط آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مشيرًا إلى أن ذلك يؤثر على أسعار التجزئة للمواد الغذائية في بعض أفقر الدول في العالم، وسيكون أيضًا مأساة لأفقر شعوب العالم، الذين يعيشون في مناطق ريفية، ونشهد بالفعل ارتفاعًا في الأسعار.

بدورة، قال السيد ناصر علي خميس الكواري مالك مزرعة “الصفوة”: إن أسواق السلع الغذائية العالمية بدأت تتكيَّف مع اضطرابات الإنتاج، كما أن العديد من الدول العربية وعلى مستوى العالم اتخذت تدابير للحد من تأثير تداعيات الحرب على مخزوناتها الغذائية، حيث قامت بإجراءات لتعزيز المخزون الغذائي، والبحث عن خيارات بديلة لاستيراد احتياجاتها الغذائية.

وأضاف ناصر علي خميس الكواري، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، أن ما رشح من أنباء بتقليص روسيا لصادراتها من القمح وتوقف أوكرانيا عن التصدير بغرض تلبية احتياجاتها المحلية، وتأثر الدول العربية بذلك، يكشف حجم الاعتماد الخارجي في القطاع الغذائي العربي، مشيرًا إلى أن الوقت قد مضى لتفادي الصدمة، ويجب التعامل بواقعية مع مستجدات الأحداث والتقليل من آثارها، وهو ما يتطلب من البلدان العربية التحرُّكَ في عدة اتجاهات بهدف تأمين المخزون والبحث عن مصادر إمداد جديدة، ووضع حلول محلية للتوسع الزراعي عبر التكنولوجيا الجديدة، واستزراع مساحات واسعة من المحاصيل الغذائية الرئيسية عبر خطط طويلة المدى.

واحتلت دولة قطر المرتبة الأولى على مستوى الدول العربية، والـ 24 عالميًّا في مؤشر الأمن الغذائي العالمي للعام 2021، (GFSI)، وفقًا للتقرير الصادر عن وحدة /إيكونوميست إنتليجنس/ للأبحاث التابعة لمجلة /الإيكونوميست/ البريطانية، وقفزت دولة قطر 13 مركزًا على المستوى العالمي في نسخة 2021، حيث احتلت المرتبة 24 عالميًّا في القائمة التي تضم 113 دولة، بعد أن كانت في المرتبة 37 في نسخة العام 2020.

وقد أكدت الأمانة العامة لمنظمة التجارة العالمية في أحدث تقرير لها أن الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وانخفاض توافر السلع التي تصدرها روسيا وأوكرانيا، كما سيؤدي انخفاض شحنات الحبوب والمواد الغذائية الأخرى إلى تضخم أسعار السلع الزراعية.

وبحسب التقرير تُعَد روسيا وأوكرانيا من المصدرين المهمين للمنتجات الأساسية، لا سيما الغذاء والطاقة. وصدَّر البلدان عام 2019 حوالي 25 بالمئة من القمح العالمي، و15 بالمئة من الشعير، و45 بالمئة من عباد الشمس.

المصدر: قنا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار