ملك الأردن: “الأمن الغذائي، أولوية عالمية، فمئات الملايين في العالم ينامون جياعا، و الأعداد في تزايد مستمر“
45% من دخل المواطنين الأردنيين ذوي الدخل المحدود والمتوسط يُنفق على شراء الغذاء
الأردن يستورد 75% من الاغنام التي يستهلكها
البابور – متابعات
قال العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني إن “الأمن الغذائي، أولوية عالمية، فمئات الملايين في العالم ينامون جياعا، وهذه الأعداد في تزايد مستمر. كيف للآباء والأمهات أن يتمكنوا من تنشئة أطفال أصحاء؟ كيف للطلبة أن يتمكنوا من تلقي تعليمهم، وكيف للعمال إنجاز عملهم وهم يواجهون اليأس وانعدام الأمن الغذائي؟
وأضاف في كلمة القاها في الامم المتحدة: “منذ بداية الجائحة، والآن مع الأزمة في أوكرانيا، تعثرت سلاسل توريد الغذاء العالمية، وواجهت العديد من الدول الغنية نقصا حادا في الأطعمة الأساسية لأول مرة في التاريخ المعاصر. وفي هذه الظروف، تبين لهذه الدول حقيقة لطالما أدركها سكان الدول النامية منذ زمن طويل، وهي أنه لا يمكن لبلد أن يزدهر إذا لم يكن الغذاء متوفرا بكلفة مناسبة على مائدة كل أسرة. وعلى صعيد عالمي، يتطلب ذلك إجراءات مشتركة لضمان سهولة الوصول إلى الغذاء بكلف مناسبة، وتسريع وصول السلع الغذائية الأساسية للدول المحتاجة”.
ويعتبر الاردن دولة مستوردة للغذاء، قال رئيس غرفة تجارة العاصمة الأردنية عمّان، خليل الحاج توفيق: إنّ الأردن يستورد 85% من احتياجاته من الغذاء من الخارج. ويستورد الأردن غذاءً تناهز قيمته 4 مليارات دولار سنوياً، جزء منه مواد أولية للصناعة، والجزء الآخر جاهز للاستهلاك.
ويضم قطاع المواد الغذائية 14 ألف شركة تتوزع بين المستوردين وتجار الجملة ومحلات التجزئة في الأردن، نصفها في العاصمة عمّان.
وأشار الحاج توفيق، إلى أن 45% من دخل المواطنين ذوي الدخل المحدود والمتوسط يُنفق على شراء الغذاء، لذلك هم الفئة الأكثر تضرراً من ارتفاع الأسعار.
وأكد أن كل المؤشرات العالمية تدل على مواصلة أثمان المواد والسلع الغذائية الصعود، ما يتطلب التحوط وتدعيم المخزون الاستراتيجي للبلاد.
ونبّه إلى أن القطاع التجاري والخدمي يحتاج إلى قرارات جريئة واهتمام أكبر من الحكومة، بما يمكنه من مواصلة أعماله والتوسع في عمليات التشغيل، معرباً عن تفاؤله بمخرجات الورشة الاقتصادية الوطنية لإيجاد الحلول المناسبة للتحديات والصعوبات التي تواجه التجارة في المملكة.
ودعا إلى إعادة النظر في قانون المالكين والمستأجرين، وبعض الضرائب والرسوم المفروضة على العديد من السلع، وتوفير السيولة النقدية لضمان استمرار تدفق السلع، ولا سيما الغذائية للسوق المحلية وبما يسهم بتوفير مخزون آمن منها.
من جهته قال مساعد الأمين العام في وزارة الزراعة الاردنية لشؤون التسويق والجودة حازم الصمادي، الاثنين، إن توافر الغذاء يكون بتعزيز الإنتاجية والاستيراد حيث يوجد في الأردن نسب اكتفاء متفاوتة.
وأضاف في حديثه لبرنامج “صوت المملكة” أن الاكتفاء الذاتي في الأردن من مادة الخضروات 130% والفواكه 90% بينما اللحوم الحمراء لا يتجاوز الاكتفاء الذاتي 25%.
وتابع الصمادي: “استورد الأردن العام الحالي لغاية نهاية نيسان/أبريل 500 ألف رأس ضأن والعام الماضي استورد مليونا و400 ألف رأس غنم”.
وأضاف الصمادي أن الغذاء موجود في السوق بأسعار في متناول الجميع، مشيرا إلى الحكومة قامت بإجراءات عند ارتفاع الأسعار عالميا. وقال ان “أكثر من 25 تاجرا يستورد اللحوم الحمراء في الأردن” وفق الصمادي.
تمكن الأردن من تحقيق اكتفاء ذاتي في بعض السلع، كالزيتون وزيت الزيتون، البندورة والحليب الطازج، بالإضافة إلى البيض، لكن الفجوة الغذائية التي يعاني منها، تدفع بمادتي القمح واللحوم، إلى المرتبتين الأولى والثانية على قائمة السلع التي تستوردها المملكة من الخارج. فبينما تشكل نسبة ما يستورده من القمح نحو 98% من احتياجاته، يستورد نحو 60% تقريباً من حاجته إلى اللحوم الحمراء، لتقترب فاتورته الغذائية المستوردة إلى نحو 3 مليارات دينار سنوياً.
يعد المجتمع الأردني، وفق الخبير الاقتصادي فيصل جرادة، من المجتمعات التي يفوق فيها الاستهلاك الكلي ما تنتجه من سلع محلية. ويقول: “إن كمية القمح المنتجة لا تتجاوز 20 ألف طن، أي ما يعادل 5% من قيمة ما تحتاجه السوق المحلية، والبالغة نحو 900 ألف طن سنوياً”. ويرى جرادة أن الاكتفاء الذاتي من هذه السلعة الشعبية، شبه معدوم، بسبب تدهور أرقام إنتاجها خلال العقدين الأخيرين، حيث لم يعد يغطي الإنتاج أكثر من أسبوعين فقط من حاجة المستهلكين، التي تزداد باضطراد مع الارتفاع الذي طرأ على نسبة النمو السكاني، وتدفق نحو 1.5 مليون لاجئ سوري إلى البلاد.
تعاظم استيراد هاتين المادتين كبديل، بعدما عجزت المملكة عن إنتاج كميات كافية منهما، وافتقار القطاع الزراعي إلى وجود استراتيجية ملزمة، مدعومة حكومياً، تركز على زراعة المحاصيل الهامة وتنمية الثروة الحيوانية، بما يسد حاجة السوق، ويخفف من عبء الإنفاق الحكومي على الاستيراد، وارتفاع قيمته التي طالما تضخمت متأثرة بالسعر العالمي.
ويؤكد الخبير الزراعي أسعد منصور أن خسارة الأردن لقطاعه الزراعي، وانحسار إجمالي مساحة الأراضي في ظل التوسع الذي شهدته البلاد في المناطق الحضرية على حساب المناطق الريفية، رفع درجة المخاطر التي تهدد أمنه الغذائي، وتأزم الوضع، عندما تناقص حجم الملكيات الزراعية، ما أدى إلى تجزئة الأراضي لمساحات صغيرة غير صالحة للزراعات المطلوبة. ويقول لـ”العربي الجديد”: “مع خروج المساحات الزراعية الكبيرة، وتحويلها إلى مشاريع سكنية وتجارية، ظهرت مشكلة المياه، إذ إن تحويل مياه قناة الغور الشرقية إلى عمان، من أجل الشرب، جعل مياه سد الملك طلال الذي يزوّد المزارعين بمياه الري، غير كافية، ما وضع الحكومة أمام خيارين أحلاهما مرّ، إما أن تسد الاحتياجات المنزلية من المياه، أو تسد احتياجات الزراعة”.
وتشكل الأراضي الزراعية نسبة تقل عن 10% من مساحة المملكة الإجمالية، 3% منها فقط مستغلة زراعياً. فيما تبلغ حصة القطاع الزراعي من الناتج المحلي الإجمالي 4%، وهو انخفاض حاد مقارنة بفترة الخمسينات، حيث كانت حصته تشكل نحو 40%.
ومع أن مناخ الأردن، وبحسب البحوث والتجارب، يصلح لزراعة أنواع عديدة من المنتجات الغذائية التي تستوردها المملكة بأسعار مرتفعة، وإعفاء الحكومة مدخلات الإنتاج الزراعي من الضريبة، إلا أن الدعم للقطاع المقدّر بنحو 180 مليون دينار سنوياً، يقتصر فقط على المياه والقروض ودعم الرسوم الجمركية، وهو ما أدى إلى فشل السوق في توجيه الإنتاج نحو الطلب، وشجع الاستيراد.
وتستورد المملكة ما يزيد عن 85% من احتياجاتها الغذائية، بحيث تصنّف عالمياً على أنها دولة مستوردة صافية للغذاء. وبالرغم من وجود 3.2 ملايين رأس من الضأن والماعز، إلا أن استهلاك الأردنيين للحوم البلدية لا يزيد عن 17 ألف طن سنوياً، ويعود السبب، كما يقول الخبير التنموي فايز الدويري، إلى ارتفاع ثمنها، حيث يبلغ ثمن الكيلوغرام من لحم الضأن البلدي 20 ديناراً، بينما لا يتجاوز سعر نظيره المستورد 7 دنانير. ويقول لـ”العربي الجديد”: “تتجه معظم الأسر لاستهلاك اللحوم المجمدة والمبردة داخل أكياس مفرغة من الهواء، وقد وصل معدل استهلاكها الشهري نحو 3500 طن، أي ما يعادل 42 ألف طن سنوياً”.
ويضيف: “إن الأردن فقد في الأعوام الأخيرة أكثر من نصف ثروته الحيوانية بسبب مواسم الجفاف من جهة، وشح المياه وتراجع بيئات المراعي الطبيعية، وارتفاع أسعار الأعلاف ومستلزمات الإنتاج من جهة أخرى”، مؤكداً غياب الحوافز الخاصة بالإنتاج الزراعي والحيواني، باستثناء ما يتعلق بأسعار مياه الري والأعلاف. ويُقدّر دعم الحكومة للأعلاف بنحو 75 مليون دينار سنوياً.
ويرى الدويري أن غياب الخطط والاستراتيجيات الوطنية عن القطاع، يفاقم الفجوة الغذائية، ويهدد أمن الأردن الغذائي، ويزيد من أعباء المستوردات في ظل العجز التجاري الذي يتحمله الاقتصاد، والذي تنعكس آثاره بشكل سلبي على حياة الناس. ويشير إلى أن الزراعة تعاني من انخفاض كفاءة المؤسسات بسبب ضعف الموارد البشرية، وتخصيص التمويل غير المناسب، وعدم كفاءة التمديدات الزراعية، مثل التمويل، وإدارة المخاطر، وضمان الجودة، ومحدودية مشاركة القطاع الخاص، ومحدودية التزام الحكومة والجهات المانحة بدعم القطاع الزراعي، نظراً لانخفاض حصته في الاقتصاد الوطني وضعف دور الاتحاد العام للمزارعين في مراقبة السياسات المتعلقة بالإنتاج والضبط الموجّه للقطاع.
وسبق للحكومة أن سعت لخفض فاتورة مستورداتها من السلعتين، عبر تأجير آلاف الدونمات من سهول الديسي لشركات محلية، بهدف زراعتها بالقمح وبعض المحاصيل الأخرى، وإقامة استثمارات زراعية أخرى في السودان لزراعة القمح والشعير والأعلاف بعد تخصيص السودان نصف مليون دونم للغرض ذاته، لكنها فشلت، وبقي القمح واللحوم، إلى جانب السلع التي تسمى بسلع العجز، كالشعير والأعلاف، على لائحة المستوردات الأكثر إلحاحاً والأكثر إنفاقاً في آن معاً.
المصدر: المملكة + العربي الجديد +وكالة الانباء الاردنية