تاريخ ديون مصر.. متى بدأت الاقتراض؟ وكيف تؤثر التزاماتها الكبيرة على الاقتصاد؟

تقرير إخباري
تاريخ مصر طويل مع الاقتراض – الخارجي على وجه التحديد – وحتى على الرغم من الضغوط غير المسبوقة التي شهدتها في السنوات الماضية بالتزامن مع طفرة الاقتراض، كانت دائما قدرة على تخطي الأزمات دون تعثر.
تاريخ الاقتراض (الخارجي) في مصر
بدأ تاريخ مصر في عهد الخديو سعيد باشا (1854- 1863) والذي ترك البلاد غارقة في ديون قدرها 11 مليون جنيه إسترليني، بحسب تقرير لموقع “إندبندنت”.
نما الدين أضعافا مضاعفة في عهد خلفه إسماعيل لتبلغ 126 مليون جنيه إسترليني.
أفلست مصر وأعلنت عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها نهاية عام 1876، وبدأ التدخل الأجنبي في شؤون البلاد من خلال المراقبين الماليين الأجانب في الحكومة.
حققت القاهرة مكاسب قوية من تعطل إمدادات القطن الأمريكي خلال الحربين العالميتين وزادت من صادرتها، وخفضت ديونها المتراكمة إلى 26 مليون جنيه إسترليني.
عند مرحلة ما، أصبحت بريطانيا المحتلة لمصر، مدينة للقاهرة بمبلغ 430 مليون جنيه إسترليني، ونجحت مصر في تحويل ديونها الخارجية إلى أخرى داخلية عن طريق سندات اشتراها المصريون، لتنتهي بذلك رحلة الديون الخارجية لمصر.
مع قيام الجمهورية، عادت البلاد مرة أخرى للاقتراض الخارجي، والذي لجأ إليه الرئيس جمال عبد الناصر لبناء جيش متطور، ووصلت ديون البلاد في نهاية عهده عام 1970 إلى 1.7 مليار دولار، بحسب التقرير
وارتفعت ديون البلاد بسبب حرب أكتوبر عام 1973 إلى 2.6 مليار دولار، وتضاعفت بعد نهاية الحرب لتبلغ 22 مليارا مقتل الرئيس محمد أنور السادات عام 1981.
في عهد الرئيس حسني مبارك، سلكت ديون مصر مسارا متعرجا، وبلغت ذروتها عند 52 مليار دولار، ما أجبر القاهرة على التوقف عن سداد الالتزامات الدولي مع بدء التسعينيات.
لكن مشاركة مصر الفعالة في تحرير الكويت في حرب الخليج الأولى، قوبل بإسقاط نادي باريس لنحو نصف هذه الديون عن البلاد، لتواصل القاهرة مسارها المتقلب في الاقتراض، حتى غادر المبارك الحكم في يناير 2011 تاركا ديونا خارجية تقترب من 35 مليار دولار.
استقرت الديون الخارجية لمصر خلال الفترة الانتقالية التالية، لكنها قفزت إلى 43.2 مليار دولار بنهاية حكم الرئيس الراحل محمد مرسي في منتصف عام 2013. والذي اطاح به انقلاب عسكري.
في الفترة الانتقالية التي أعقبت الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي، والتي استمرت نحو عام، زادت ديون مصر إلى 46.1 مليار دولار.
توجهت مصر لاحقا إلى الأسواق الخارجية والشركاء الدوليين لطلب الديون بالعملة الصعبة من أجل تمويل إنفاقها المتزايد على المشروعات القومية. يبلغ الدين الخارجي الآن نحو 155 مليار دولار.
الدين الداخلي
الدين الداخلي، الذي يصدر بالعملة المحلية وعادة ما يكون في حيازة مستثمرين ومؤسسات محلية، هو قصة أخرى، لكنها أقل شهرة عن الدين الخارجي، نظرا لعدم ارتباطها بنفس القدر من المخاطر.
بلغ الدين الداخلي لمصر نحو تريليون جنيه في عام 2011.
قفز بنسبة 150% إلى 2.6 تريليون جنيه بحلول عام 2016.
واصل النمو ليبلغ 3.89 تريليون جنيه في عام 2019.
وقفز إلى 4.7 تريليون جنيه بحلول منتصف عام الجائحة 2020، وفقا لبيانات البنك المركزي.
طفرة الاستدانة
كانت المشروعات الكبرى وخطط التنمية التي تبناها زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي، دافعا رئيسيا للاستدانة من الخارج، كما كانت محفزا للجهات المقرضة، والتي دعمت برامج السيسي وعملت جنبا إلى جنب مع الحكومة المصرية في ذلك.
ويرى صندوق النقد أن البرامج التي عملت القاهرة عليها خلال السنوات الماضية وتمتد إلى الآن، تجعل اقتصاد البلاد أكثر مرونة، ويشمل ذلك تحرير المزيد من التمويل للحكومة وخفض عجز الموازنة وحتى نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب الحد من الفساد وتوجيه الدعم إلى الفئات الأكثر احتياجا، وإجمالا، التحول نحو نموذج اقتصادي أكثر ذكاء وفعالية.
وتعهدت حكومة السيسي بخفض الدين الحكومى العام لنحو 78% من إجمالى الناتج المحلى بنهاية البرنامج المدعوم من الصندوق فى السنة المالية 2026/ 2027، وفقا لتقرير الصندوق.
هل يشكل ذلك خطرا؟
في الحقيقة، ارتفعت رسوم التأمين ضد تخلف مصر عن سداد التزاماتها إلى أعلى مستوى في العام الماضي، لكن ذلك، كان بمثابة رد فعل للأسواق تجاه الأزمة الحاصلة في البلاد.
وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي الصادرة العام الماضي، سيرتفع الدين الخارجي لمصر إلى 172.1 مليار دولار، لكنه يتوقع انخفاضها إلى 163.5 مليار دولار في العام الجاري، وهو ما يبدو متسقا مع توقعاته لانخفاض الدين العام إلى ما يعادل 78% من حجم الناتج المحلي الإجمالي بنهاية عام 2026/ 2027.
الصندوق عندما اتفق مع القاهرة على برنامج التمويل الأخير البالغة قيمته 3 مليارات دولار تحصل عليها مصر من الصندوق مباشرة، قدر الفجوة التمويلية التي تواجه البلاد بنحو 17 مليار دولار حتى نهاية البرنامج. إلى جانب حزمة التمويل المباشرة، ستحصل مصر على تمويلات إضافية من شركاء إقليميين ودوليين آخرين تقدر بنحو 15 مليار دولار، وهذا يعني أنها لن تواجه أزمة في سد التزاماتها.
يضاف إلى ذلك خطط الدولة لبيع بعض الشركات والأصول وتحصيل عائدا دولاريا من جراء ذلك.
خلصت دراسة أجراها البنك الدولي، إلى أن البلاد التي تحافظ على نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي فوق 77% لفترات طويلة من الزمن تعاني من التباطؤ الاقتصادي.
فيما يعتقد خبراء على نطاق واسع أن تجاوز هذا المعدل لنسبة 100%، ينذر بخطر اقتصادي ويزيد من احتمالات التخلف عن سداد الديون، رغم أن بعض الدول المتقدمة تتجاوز هذا المعدل بالفعل منذ سنوات.
وكالة سبوتنيك الروسية