البابور الموقع العربي

نذر انتفاضة جديدة في تونس.. احتقان وتردٍ وغضب شعبي

231

وسط أزمة اقتصادية خانقة واحتقان سياسي، شهدت الانتخابات البرلمانية في تونس نسبة إقبال منخفضة للغاية. التونسيون محبطون، بينما تنجرف البلاد أكثر فأكثر نحو الاستبداد. ما القادم؟ وهل ستستطيع المعارضة المشتتة إزاحة سعيّد؟

خلال آخر عطلة نهاية أسبوع في يناير/كانون الثاني، خطت تونس خطوة أخرى مبتعدة بها عن المسار الديمقراطي الذي كانت قد بدأت تخطوه، ومقتربة أكثر من الاستبداد.

شهدت تونس مظاهرات ضد الرئيس قيس سعيّد وقر اراته ورفع متظاهرون لافتات تطالب برحيله

غالبا ما يُنظر إلى البلد المغاربي الصغير على أنه قصة النجاح الحقيقية الوحيدة التي أفرزتها اضطرابات الثورات في بعض دول العالم العربي منذ عام 2011، المعروفة باسم ” الربيع العربي “. حينها تمت الإطاحة في تونس بالديكتاتور زين العابدين بن علي، بعد احتجاجات شعبية واسعة، وكان الأمل كبيرا في أن تتحول البلاد إلى ديمقراطية حقيقية.

ولكن النكوص عن المسار الديمقراطي صار واضحا. وفي يوم الأحد (29 يناير/كانون الثاني 2023)، شارك 11.3 بالمئة فقط من الناخبين، البالغ عددهم حوالي 8 ملايين، في الانتخابات البرلمانية. كانت هذه على الأرجح  أقل نسبة مشاركة في أي انتخابات برلمانية في العالم،  بحسب المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية. ومن المتوقع إعلان النتائج الرسمية للتصويت منتصف الأسبوع.

مقاطعة وانتقادات شديدة

قاطع حزب  حركة النهضة الإسلامية ، أحد أكثر الأحزاب السياسية شعبية في البلاد، الانتخابات. هذا الحزب هو الأكبر تمثيلا في البرلمان التونسي الذي علّق الرئيس قيس سعيد  أعماله. كما قاطعتها أحزاب المعارضة الأخرى ومجموعات المجتمع المدني. لقد قاطعت هذه الجهات الانتخابات لعدة اسباب، منها تقليص صلاحيات البرلمان، نتيجة للتغييرات التي أجراها الرئيس الحالي قيس سعيد.

المتحدث باسم حركة النهضة عماد الخميري قال لـDW: “نحن نعتبر هذه العملية السياسية، بهذا الشكل الذي أطلقها سعيد فيه، غير شرعية، بسبب ضعف المشاركة”. وأضاف الخميري: “هذا الأمر فاقم الوضع المعقد أصلا. لذلك من الواضح أن أغلب التونسيين رفضوا هذا المسار”.

يحتكر سعيد السلطات في تونس منذ عام 2021، فيما يصفه البعض بأنه “انقلاب دستوري” زاحف. ومنذ ذلك الحين، يحكم سعيد (64 عاما) تونس بمرسوم رئاسي من طرف واحد.

ولذلك نُظر إلى هذه الانتخابات البرلمانية على أنها اختبار مهم آخر لشرعية سعيد. ويبدو أن الإقبال المتدني للغاية، بالإضافة إلى التجاوزات التي أبلغ عنها مراقبو الانتخابات، قد دقت مسمارا آخر في نعش الديمقراطية الوليدة في تونس.

يرى خبراء أن الإقبال الضعيف عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة يمثل استفتاء على شعبية الرئيس قيس سعيد الحالية في البلاد

ما القادم الآن؟

سؤال يوجهه كثيرون. تقول مونيكا ماركس، أستاذة سياسات الشرق الأوسط في جامعة نيويورك أبو ظبي والخبيرة في الشؤون التونسية، إن “ما يمكننا قوله على نحو شبه مؤكد هو أن التكهنات على المدى القصير تشير إلى أن الوضع في تونس سيكون قاتما للغاية – سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية”. وترى أنه من المرجح أن يظل سعيد في السلطة، على المدى القصير على الأقل. وأن الاقتصاد التونسي  الذي يعاني من متاعب منذ فترة، سيستمر في المعاناة.

لكن إيناس الجعيبي، المحامية التونسية والناشطة المؤيدة للديمقراطية، تبدو أكثر تفاؤلا قليلا. وتعتقد أن التطورات الأخيرة، كمقاطعة الانتخابات، تقرب جماعات المعارضة التونسية من بعضها. وتشير الجعيبي مثلا إلى  مبادرة ناشئة تحاول إقامة علاقات أوثق بين الاتحاد العام التونسي للشغل  ذي النفوذ الواسع، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، ونقابة المحامين، وعدة أحزاب سياسية.

وتؤكد الجعيبي أن “المعارضة الديمقراطية (لسعيد) ما زالت لديها خلافات كثيرة في الرأي… ولكن في ظل  الوضع الاقتصادي المتدهور،  هناك ديناميات جديدة أيضا”. وتضيف: “لدينا هدف واحد الآن، وهو التخلص من حكم سعيد المتفرد بالسلطة. إن المعارضة لم تمت. بل إنها، في الواقع، تزداد قوة”.

نسبة مشاركة متدنية للغاية في الانتخابات البرلمانية التونسية – والجميع يتساءل عن كيفية الخروج من الأزمة

اضمحلال شعبية سعيد

تم انتخاب سعيد رئيسا في عام 2019. حينها بلغت نسبة التصويت في الجولة الثانية والحاسمة من الانتخابات الرئاسية 55 بالمئة. ولكن في صيف عام 2021، علق سعيد أعمال البرلمان التونسي، بحجة أن الصراع الداخلي بين البرلمانيين، والجمود السياسي، والفساد، والأزمة الاقتصادية، إلى جانب تبعات جائحة كوفيد-19. كل ذلك يتطلب إعادة صياغة، وفق سعيد.

ومنذ حينها يتولى سعيد السيطرة أيضا على السلطتين القضائية والانتخابية وسلطات مكافحة الفساد في البلاد.  كما قام بشكل متزايد بسجن خصومه والتضييق عليهم.

عندما بدأ أستاذ القانون الدستوري هذا الإجراء، هتف له في البداية العديد من الناخبين، كانوا يظنون أن سعيد يمكنه حل بعض أكثر مشاكل البلاد إلحاحا، حتى أن قسما من المعارضة السياسية وكذلك  الاتحاد العام للشغل  بدوا مترددين في انتقاد إجراءاته بشكل علني.

وبالمحصلة، لم ينجح الرئيس التونسي في الوفاء بوعوده. ونتيجة لذلك تراجعت شعبيته. وهذا ما أكدته نسبة المشاركة المتدنية جدا في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وقبلها نسبة المشاركة المنخفضة أيضا في الانتخابات البلدية في مارس/آذار 2022. وكذلك في الاستفتاء الدستوري المهم في أوائل عام 2022.

وهذا ما يمنح النشطاء مثل إيناس الجعيبي بعض الثقة. وتعلق بالقول: “وعد (سعيد) بإصلاحات جادة لكننا لم نر شيئا”. وتضيف: “لقد أخذ الناس تلك الوعود على محمل الجد. ولهذا السبب قاطعوا الانتخابات الأخيرة مرتين. إنهم لا يعتقدون أن هذا النظام سيجد إجابة لمشاكلهم؛ خصوصا مشاكلهم الاقتصادية”.

وتأمل الآن في أن يقدم المواطنون التونسيون العاديون مزيدا من الدعم لمعارضي سعيد في المستقبل: خصوصا إذا توافقت أحزاب المعارضة على ترشيح شخص واحد فقط لخوض السباق ضد قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، المقرر إجراؤها في عام 2024. وترى الجعيبي أن “القيام بذلك سيكون خطوة هامة”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار