البابور الموقع العربي

الدولة العميقة تدير ممالك الفساد في العالم العربي

887

الشفافية الدولية: الفساد السياسي أصبح مستشريا في المنطقة العربية

الشفافية الدولية:”الفساد السياسي الممنهج يعيق التقدم في المنطقة، ويزيد من تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان”

يضطر واحد من بين كل 5 مواطنين في الدول العربية دفع رشى مقابل تلقي خدمات أساسية كالصحة والتعليم.

الشفافية الدولية: في العراق تتكدس أعداد كبيرة من الموظفين في المؤسسات الحكومية دون مؤهل سوى انتمائهم الطائفي

الشفافية الدولية: لبنان يتعرض لأزمات متتالية بسبب الفساد السياسي المؤسسي القائم على المحاصصة الطائفية.

الحكومات في العالم العربي تسيطر على السلطة التشريعية وتضغط وتتدخل في السلطة القضائية.. هنا يغيب طريق واضح للمسائلة ومكافحة الفساد،

الدول العربية مثلا لم تهتز من نشر وثائق مثل بنما وباندورا رغم صداها العالمي. لكن المنطقة العربية استلمت الفضائح كأنها خبر عابر.”

يقف الفساد خلف العديد من مآسي العراق حيث يوجد حاليا 16 ألف قضية فساد لكن دون حل

منظمة الشفافية الدولية: الفساد تمدد عربياً ودولياً في 2022

قالت كندة حتر، المستشارة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة، إن “الفساد السياسي أصبح مستشريًا في المنطقة العربية، بحيث تسعى الحكومات للاستحواذ على السلطة وتقييد الحقوق والحريات العامة، وإثارة الاضطرابات المدنية وتوجيه الموارد بعيدًا عن آليات مكافحة الفساد ُوأطر النزاهة السياسية، إلى أن يعزز القادة الجهود لحماية حقوق الناس واحترام صوتهم في جميع أنحاء المنطقة، فإن دوامة الفساد والعنف المميتة ستستمر في التصاعد”.

وأضافت المنظمة أن حركة الربيع العربي فشلت في تفكيك هياكل السلطة التي تسمح لمن هم في القمة بالاحتفاظ بالهيمنة، كما يتسبب الفساد السياسي المستشري في استمرار الاضطرابات المدنية والعنف.

ووفقا لتقرير “الشفافية الدولية” فإن الربيع العربي بدأ منذ أكثر من عقد من الزمان، بدأ عندما شعر محمد البوعزيزي بالإحباط الشديد من عدم المساواة والفساد في الحكومة التونسية لدرجة أنه أشعل النار في نفسه بشكل مأساوي.

الإمارات وقطر

تصدرت الإمارات قائمة الشفافية بالحصول على 67 درجة في المركز 27 عالميا، ثم قطر 58 درجة في المركز 40 والسعودية 51 درجة في المركز 54، والأردن 47 درجة في المركز 61 عالميا، والبحرين 44 درجة في المركز 69، وعُمان 44 درجة في المركز 69 والكويت 42 درجة في المركز 77 وتونس 40 درجة في المركز 85.

بينما حصل المغرب على 38 درجة في المركز 94 والجزائر 33 درجة في المركز 116 وجيبوتي ومصر وموريتانيا 30 درجة في المركز 130.

وجاء لبنان في المركز 150 بـ24 درجة، والعراق في المركز 157 بـ 23 درجة والسودان 22 درجة في المركز 162

وفي ذيل القائمة عربيا وعالميا تأتي سوريا بمعدل 13 نقطة، ليكون ترتيبها 179 عالميا. وتتقدم عنها قليلا اليمن لتحقق 16 درجة، وليبيا محققة 17 درجة.

وكانت منظمة الشفافية الدولية قد أصدرت تقريرها السنوي حول مؤشر مدركات الفساد في العالم، الذي يقيس درجة الفساد في القطاع العام والحكومي في 180 دولة حول العالم، وفق مؤشر درجات من مئة درجة.

ويضم التقرير فصلا خاصا عن العالم العربي، تبين منه أن إجمالي مؤشر الفساد في المنطقة ظل ثابتا عند 34 من أصل مئة درجة للعام الرابع على التوالي، ولم تحقق أي من دول المنطقة تقدما في أوضاع الفساد خلال العقد الماضي.

وتقول كندة حتّر، المستشارة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الشفافية الدولية، إن هذا الجمود على المؤشر وعدم التغير هو رسالة بحد ذاته. “فهناك مشكلة حقيقة في أنه مهما التزمت الدول سطحيا بسطر قوانين وقواعد، لن يحدث شيء طالما لا يوجد تغيير حقيقي في المنظومة والثقافة السائدة.”

ويقيس المؤشر كفاءة الدولة في التصدي للفساد في القطاع العام والحكومي، ولا يضم القطاع الخاص، بحيث تكون درجة صفر فاسد جدا، ودرجة مئة نظيف جدا.

وتضيف “الدول التي سقطت في حرب أهلية كانت قائمة على نظم هشة سمحت بالانهيار السريع. والحروب عموما تجلب التدخلات سواء الإقليمية أو الدولية. ولا يوجد نظام في العالم لا يستفيد من وجود نظام فاسد آخر بجانبه. وهذا ما رأيناه من سقوطهم كالدومينو في الربيع العربي. حتى جهود إعادة الإعمار بها فساد بسبب تداخل الاستثمارات في القرار السياسي، وغياب القرار الداخلي والقيادات الحقيقية الساعية لإنهاء الصراع.”

الفساد والديمقراطية

وتكمن خصوصية تقرير هذا العام في أنه يتتبع أوضاع الفساد في العالم خلال السنوات العشرة الماضية، وكذلك الرابط بين مؤشرات الفساد وبين ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وتقول حتّر إنه رغم مرور عقد كامل على الربيع العربي، لم يحدث تغيير فعلي في مكافحة الفساد، حتى في الدول التي قدمت وعودا بالتغيير. “وبالتالي لم يتحقق تقدم ملحوظ في المؤشر، حتى إذا حققت دولة تقدما في ناحية، يحدث تراجع أخرى.”

وأضافت حتّر أن الفساد السياسي هو الأوسع في المنطقة، “فالأمر لا يتعلق فقط بسجن الفاسدين، لكن هناك خوف من وجود كبش فداء في النهاية، بدلا من تغيير النظام الذي يسمح بوجود الفاسدين، والسلسلة التي تعيد إنتاج فاسدين جدد من الأساس.”

وذكر التقرير أن “الفساد السياسي الممنهج يعيق التقدم في المنطقة، ويزيد من تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان”، وأن الربيع العربي فشل في تحقيق أي من الوعود الطموحة بالتغيير، حتى في الدول التي نجحت في إقامة أنظمة جديدة، والتي يستمر تراجع الديمقراطية فيها كذلك.

وتؤثر بعض القضايا والمشاكل المشتركة على أداء الدول العربية بشكل عام، فمثلا تعد الوساطة والرشوة والتمييز بأشكاله المختلفة أحد أبرز المشاكل التي تؤسس لعدم العدالة في القطاع العام، سواء في فرص العمل أو الخدمات. ويضطر واحد من بين كل خمسة مواطنين في الدول العربية لدفع رشى مقابل تلقي خدمات أساسية كالصحة والتعليم.

العراق.. فساد طائفي

وفي العراق، الذي حصل على 21 نقطة، يزيد التجاذب الطائفي من غياب العدالة في التوظيف في القطاع العام، إذ تتكدس أعداد كبيرة من الموظفين في المؤسسات الحكومية دون مؤهل سوى انتمائهم الطائفي. وتتعسر معالجة هذه الأوضاع في ظل غياب محاسبة حقيقية بعيدة عن التقسيم الطائفي ذاته.

وتقول حتّر إن العراق تحديدا بحاجة لشوط كبير – ربما هو الأطول في المنطقة – نحو الإصلاح بسبب الحروب المتعاقبة التي قوضت مؤسسات الدولة.

لبنان .. فساد طائفي

وتمتد نفس هذه الأزمة إلى دول أخرى في المنطقة، على رأسها لبنان الذي حقق 24 نقطة، ويتعرض لأزمات متتالية بسبب الفساد السياسي المؤسسي القائم على المحاصصة الطائفية.

ويعيش لبنان حتى الآن تبعات أزمات متلاحقة خلال العامين الماضيين، منذ انفجار مرفأ بيروت، وعدم وجود حكومة لأكثر من عام، والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وتراجع سعر صرف الليرة بشكل كبير أمام الدولار، والاحتجاجات المتتالية المطالبة بتغيير النخب السياسية المسؤولة عن كل هذه الأزمات.

وترى حتّى أن لبنان هو المثال الأوضح الآن على تبعات تداخل السياسة والمال. “فنحن الآن نرى نتائج منظومة الفساد السياسي وتداخل عواملها. ولا يقدر اللبنانيون على بناء الدولة لوجود أسس صعب تجاوزها تعيق المسائلة وتعيد إنتاج النظام الموجود.”

ويعد تعامل قوات الأمن العنيف والقمعي مع هذه الاحتجاجات سببا وراء تراجع لبنان في مؤشر مدركات الفساد، ودليلا على الرابط بين مستويات الفساد والقمع السياسي والحقوقي.

“تونس مثال مؤسف”

وبالتوازي، كان هذا التراجع السياسي سببا في تراجع تونس، التي حققت 44 نقطة، إذ تسبب تجميد البرلمان وإقالة الحكومة وغيرها من الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في زيادة حالة عدم اليقين وعدم الاستقرار السياسي في البلاد.

ويشير التقرير إلى تونس على أنها “مثال مؤسف” لإمكانية فقد المكتسبات الديمقراطية، خاصة نبعد أن أضعفت الإجراءات السياسية الأخيرة من أنظمة الرقابة والمحاسبة، وزادت تباعا مخاوف الجمهور من التبليغ عن الفساد.

مصر .. مصادرة الحريات

ويضيف تراجع الحريات الشخصية والمدنية بشكل عام إلى أزمة الفساد في المنطقة. فمثلا في مصر (التي حصلت على 33 نقطة)، يستمر اعتقال الصحفيين والمعارضين السياسيين والنشطاء، ويستمر كذلك منع أي تجمعات وحجت منصات حرية التعبير.

المغرب..استهداف المعارضين السياسيين

وفي المغرب كذلك (الذي حصل على 39 نقطة)، صدر قانون الطوارئ الصحية الذي يمنع الناس من التجمع والتعبير عن الرأي بحجة مواجهة جائجة كورونا، والذي يعتبره المعارضون غطاء قانوني لاستهداف المعارضين السياسيين ومنع الناس من انتقاد إدارة الدولة في مواجهة الأزمة الصحية.

الاستثمار في المجتمع المدني

ووفقا لحتّر، يجب الاستثمار في المجتمع المدني كونه “الشعلة التي تدفع بفكرة المسائلة”. وأضافت: “هناك نشطاء ومؤسسات مجتمع مدني وأشخاص يريدون التغيير، حتى وإن كانوا أصحاب الصوت الأضعف أو الأغلبية الصامتة. هذا موجود في بلادنا ويجب أن نبني عليه. ويجب أن تكون هناك جهود ليبقى هذا الصوت.”

الاردن .. استهداف المعارضين والحد من الحرية للوصول الى المعلومات

وتتشابه هذه الأوضاع إلى حد كبير في الأدرن الذي حصل على 49 نقطة، وترى الشفافية الدولية أنه استغل جائحة كورونا كذلك لفرض إجراءات من شأنها استهداف المعارضين.

وواجه الأردن حالة من عدم الاستقرار السياسي تمثلت في أربعة تعديلات وزارية في عام 2021 وحده، وكذلك التضييق على منظمات المجتمع المدني، وعدم تحقيق فصل مناسب للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وإقرار قانون الأمن السيبراني (الإلكتروني) الذي يحد من حرية المواطنين في الوصول إلى المعلومات.

عوامل متشابهة لانتشار الفساد

وتتشابه الكثير من العوامل التي تؤدي إلى تراجع الدول العربية في مواجهة الفساد، لعل أبرزها غياب الفصل بين السلطات بشكل يضمن المحاسبة والشفافية.

فالسلطة التنفيذية تسيطر على التشريعية وتضغط وتتدخل في القضائية. هنا يغيب طريق واضح للمسائلة ومكافحة الفساد، فالسلطة التشريعية غير قادرة على محاسبة السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية غير مستقلة بشكل كافٍ لتحاسب الفاسدين،” وفقا لحتّر.

وهذه الهيمنة الحكومية وغياب الشفافية كان عائقا أمام مواجهة الفساد في بعض الملفات، لعل من بينها ملف الأموال المنهوبة في الخارج بعد الربيع العربي. “فحتى إذا ردت الأموال، هناك أسئلة حول أين ستذهب؟ هل يعاد نهبها؟ في غياب المراقبة والشفافية. الشعب لا يستطيع المسائلة عن الصرف والموازنة العاملة في ظل تقييد الحصول على المعلومات. هناك الكثير من القوانين الرائعة الخاصة بالحصول على المعلومات، لكن كلها مقيدة ببند أسرار الدولة والأمن العالم.”

ويلعب ضعف قوانين حماية المبلغين دورا كبيرا في تراجع مكافحة الفساد، إذ يضعف المشاركة المجتمعية ويدحر الأفراد عن المقاومة والتبليغ.

وهذه الثقافة المجتمعية رسخت قبولا شعبيا لأشكال من الفساد، كالوساطة والرشوة، وتحول دون إجراء انتخابات تعددية حقيقية بعيدا عن شراء الأصوات والعشائرية والطائفية وغيرها من الأمور التي تعيق المشاركة السياسية الحقيقية القادرة على مسائلة السلطة التنفيذية.

ما الحل؟

وهناك عدد من الحلول التي أشارت إليها الشفافية الدولية لتحسين جهود مكافحة الفساد في المنطقة، أبرزها الفصل الحقيقي بين السلطات في النظم السياسية في المنطقة بشكل يضمن المحاسبة والشفافية. ووجود مؤسسات مستقلة لمكافحة الفساد، إداريا وماليا وسياسيا، بحيث تقوم بالدور الرقابي الفعلي لمحاسبة الأشخاص دون التعدي على صلاحياتها.

كما يجب إرساء احترام سيادة القانون، وبالتالي احترام الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدول العربية ومنها الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وتتضمن حماية المبلغين وإرساء النزاهة والشفافية وحرية الإعلام والمجتمع المدني، وضمان استقلال القضاء كالجهة الفاصلة في قضايا الفساد.

وأضافت حتّر أنه يجب إحداث ثورة في التربية والتعليم لتغيير القبول الشعبي للفساد، بحيث نرى أثره في الأجيال القادمة. “فاستمرار الثقافة الحالية يولد شعوبا غير قادرة على إدارة عملية سياسية لاحقا. وهو دليل على أن الخلل في الديمقراطية وحقوق الإنسان يمكن أن يهدم كل شيء في لحظة.”

وأضافت: “الدول العربية مثلا لم تهتز من نشر وثائق مثل بنما وباندورا رغم صداها العالمي. لكن المنطقة العربية استلمت الفضائح كأنها خبر عابر.”

وبشكل عام، لعبت وثائق باندورا دورا كبيرا في تراجع المنطقة على مؤشر مدركات الفساد، إذ طالت شخصيات سياسية بارزة في العالم العربي

وأصدرت منظمة الشفافية الدولية مؤشر مدركات الفساد لأول مرة عام 1995، ويعتمد على 13 مصدرا خارجيا للبيانات. ويدرس مؤشرات الفساد الحكومي في 180 دولة. وحققت 70 في المئة من الدول العربية أقل من 50 نقطة على المؤشر هذا العام.

للتذكير

قضت محكمة جنح القاهرة الجديدة في مصر، 28 يوليو تموز 2016 ، بحبس المستشار هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات (أكبر جهاز رقابي في مصر) سنة وتغريمه 20 ألف جنيه بتهمة نشر أخبار كاذبة عن الفساد وكفالة 10 آلاف جنيه لوقف التنفيذ.

وكان محامي جنينة قد طلب ضم تقارير الجهاز المركزي عن الأعوام السابقة، والتي تثبت أن حجم الفساد تجاوز أكثر من 600 مليار. (100 مليار دولار)

وتبقى الأسئلة المهمة هي:

لم تتعسر مواجهة الفساد في العالم العربي؟

ما الرابط بين فساد القطاع العام والحريات والديمقراطية؟

هل يمكن القضاء على الفساد في ظل استمرار السياسات القمعية؟

ما حدود قدرة المواطن على مواجهة الفساد؟

كيف يمكن تحسين أداء الدول والحكومات العربية في مواجهة الفساد؟

المصدر: الشفافية الدولية + بي بي سي + العربي الجديد + تويتر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار