استوقفني مقطع البارحة و أنا أشاهد مقابلة للأمريكي نورمان فينكلستاين الذي ظهر لمدة ساعة و نصف على بودكاست ميكيلا بيترسون قبل أسبوع ليلخص الصراع الفلسطيني تاريخيا
نورمان مؤرخ و أكاديمي يهودي ابن لناجين من المحرقة.. و غطى القضية الفلسطينية لأكثر عن 40 عام.. خسر خلالها الكثير على الصعيد المهني و الشخصي بسبب مواقفه
يقول نورمان:
”مستعد المراهنة بكل أموالي، أن كل من خرج من غزة بتاريخ 7 أكتوبر كان يعلم أنه لن يعود لها، كانوا يعلمون أنه آخر يوم لهم في الدنيا. أتوقع أنه في ليلة الهجوم كان كل منهم قد ودع والده و والدته و هو بداخله عهد أن ينتقم.. ليس مجرد انتقام للحياة البائسة و العذاب الذي ذاقوه من يوم ولادتهم، بل تعهدوا بالانتقام لإخوتهم و أهلهم و كل من قُتل و حُرق بسبب العمليات الإسرائيلية”
”لا أستطيع القول أنني ذو حُكم أخلاقي عظيم. إمكانية الحكم الأخلاقي تتطلب دراسة و معرفة الفلسفة الأخلاقية. كيف يمكن للشخص أن يحدد موقفه أخلاقيا بعد ما حدث في 7 أكتوبر؟ كنت محتار جدا. يسألني الناس عن أحوالي.. أقول أنني مرهق جسديا لكنني مرهق أكثر بكثير أخلاقيا”
هنا الجزء الذي استوقفني:
”فقررت العودة إلى التاريخ لعله يسعفني في فهم هذه المعضلة الأخلاقية. عدت إلى تاريخ العبيد في أمريكا للنظر في ثوراتهم.. أكبرها كانت “ثورة نات تورنر” عام 1831 حيث اقتنع نات أن الله كان قد أعطاه الموافقة لأن يثور، فشن نات الثورة و أمر مساعديه بقتل كل البيض في طريقهم.. و بالتالي طبعا قُتل الكثير من البيض. قد يُطلق على هالضحايا اليوم مسمى “أبرياء”. فأردت معرفة الموقف الأخلاقي لدعاة إيقاف العبودية آنذاك من الذي حصل. أحد أفضل الدعاة وقتها كان يدعى ويليام جاريسون، و ما كتبه بعد الثورة كان بمثابة مواساة بالنسبة لي”
”أولا، قال جارسيون: لقد قلت لكم أن هذا سيحصل وحذرتكم منه مرارا و تكرارا. ثانيا، قام جاريسون بإستنكار جميع المنافقين المعتدين بنفسهم غير المبالين بآراء غيرهم. و رقم ثلاثة و هو الأهم و أود أن تسمعوني بعناية، بالرغم من أن جاريسون ذكر أن ما حصل خلال الثورة كان فظيع، إلا أنه لم يدين الثورة أبدا أبدا أبدا”
”اليوم تعتبر ثورة نات تورنر ذات مكانة مرموقة في التاريخ الأمريكي. و يعتبر جاريسون شخصية محترمة في حركة دعاة منع العبودية. بعد ذلك شعرت بأنني طبقت الحكم الأخلاقي الصحيح في هذا الموقف (يقصد عدم إدانة هجمات حماس) و تعرضت لهجوم نتيجة لذلك. لكن إن كان الحكم الأخلاقي صحيح فلن أتراجع عنه”
في نهاية المقابلة، سألته ميكيلا عن ما إذا كانت ردة فعل إسرائيل مفهومة بحكم قوة هجمات حماس، فرد نورمان:
”ما حصل في أكتوبر 7 كان بمثابة ثورة عبيد. هل تعرفين ما حصل بعد ثورة نات تورنر؟ جن جنون البيض. شعروا بغضب قاتل.. قتلوا السود يمينا و يسارا. اذهبي لرؤية ما حدث لجثة مات تورنر.. لا يمكنك تخيل ما حصل. لكن جاريسون كان منقرف من الذي كانوا يلومون تورنر عل ثورته و ما فعله”
للعلم، وثق نورمان الأحداث التاريخية و معاناة الفلسطينيين بشتى أنواعها في الحروب و بالأرقام و المعاهدات وسبب فشلها في كتابه.. علما أن قضى أوقات كثيرة في غزة بين أهلها وشهد الأحداث بعينه.. لم أقرء الكتاب شخصيا بعد
اسم الكتاب:
”غزة: التحقيق في استشهادها”
أو
”Gaza: An inquest into its Martyrd