غازي الذيبة
انتهت المرحلة الثانية من الجريمة، كما يتبجح المهزومون في “الكريا” و”الكبينيت”. والآن يفكرون بذهول منقطع النظير، في إطلاق المرحلة الثالثة.

لم يكتفوا بخروج ألوية وفرق عسكرية مدججة بالقتل من الخدمة. لم يكتفوا بتساقط الصواريخ على رؤوسهم في المستعمرات. لم يكتفوا بصورتهم الدراكولية في العالم. لم يكتفوا باكتشاف جيل جديد من الفلسطينيين لذواتهم في #المقاومة. لم يكتفوا بجر مشروع الاستعمار الأميركي وذيوله إلى الهاوية. لم يكتفوا بتفكيك منظومات المتلطين بهم من أنظمة الكاز والخذلان، حتى لشعوبهم.
ويصرون على أن هناك مرحلة ثالثة، يريدون فيها أن يخرجوا من #غزة بنصر بات من سابع المستحيلات تحقيقه، حتى لو قتل الصهاينة نتنياهو وبقراته.
ما قدمته المقاومة، لم يكن مجرد درس للبلاء المذهل في حرب الثوار، اختزلت فيه تجارب سنوات نضال حركات التحرر الوطني في العالم، وتجربتها العملياتية على امتداد نحو 30 عاما، لتمنطقها وفق مقتضيات حاجتها النضالية، في قطاع مساحته لا تتعدى الـ364 كلم2.
هذا التكتيك الفريد تجلت فيه: صناعة عسكرية، متوسطة، لا تستطيع دول عربية صوتها أعلى منها، أن تفعلها. تدريبات قتالية رأينا أثرها في المعارك. تكتيكات هجومية، تحتاج دول كبرى لتمكن قادتها ومقاتليها من تنفيذها. وعلاقة فريدة مع المكان، ما يمنح المقاتل أن يعتبر الأرض أو البنايات أو الأشجار في وطنه، قطعة من جسده. وشبكة أنفاق مَتاهية، متعددة الاستخدامات، معرفة أسرارها سيتطلب سنوات ضوئية لأجهزة المخابرات السبعة التي كانت ترصد أنفاس كل غزاوي في العقود الماضية.
لكن أهم التكتيكات، تبلورت في صياغة إنسان، يمتلك كل المفردات التي تؤهله لأن يكون مقاتلا استثنائيا، بسلاح فردي إذا شاء، وهي الإيمان.
أنتجت المقاومة مشروعها في ظروف، من لا يعرفها، عليه مراجعة أدبيات النضال في قطاع غزة، وتعقيدات الحالة الغزاوية، منذ آلاف السنين وحتى اليوم. ورسمته في نطاق لا ينبتُّ عن التاريخ والدين الإسلاميين، وهذا أسُّ فهمها للتاريخ والإيمان. صاغت فكرتها من هنا، وحمتها بدمها، بعيدا عن أي هواجس أو ترددات.
يقول خبراء مجربون في العلوم العسكرية والحروب: إن القرن العشرين وربع الحادي والعشرين، لم يشهد عملية عسكرية ببراعة عملية “طوفان الاقصى”. هذا وحده كاف، لأن يبدد أي شكوك في أن عمل المقاومة، لا يمكنه أن يقبل القسمة على تمرحل العدو في محاولة الحصول على نصر، ولو تلفزيوني، لأنه في نزعه الأخير، ولن يحصل على أكثر من الجلوس على طاولة مفاوضات، والقبول بكل ما تريده المقاومة.
ثمة مباغتات تحدث دائما في الحروب، لكن المقاومة، استطاعت أن ترسم خطا واضحا لتلقي أي مباغتة بهدوء، وتقلبها لصالحها.
لذا، لا مرحلة ثالثة، ولا رابعة، ستنهي مشروعا، تحصن بالإيمان والصلابة والعناد، قبل أن تختبئ قوات جيش الحفاظات في قلاعها الفولاذية، لتدمرها قذيفة حملت اسم مؤسس حركة المقاومة القائد الشهيد الشيخ أحمد ياسين. وتلك إلماحة، يجب على بقية المناضلين في المجموعات الفلسطينية، إدراك عمق انغرازها في رؤوس أفراد هذه المقاومة، وأن يقتدوا بأن اليقين بالنصر لا يتزحزح تحت أي قصف أو اغتيال أو دمار.
صحفي وشاعر فلسطيني