البابور الموقع العربي

إسقاط السيسي بدون مخاطرة

899

أحمد سعد

يحلو لكثير من الظرفاء، ثقيلي الظل، الاستخفاف والاستهزاء بمقولة أطلقها أحد المناهضين للانقلاب العسكري على الثورة المصرية وعلى الرئيس الراحل محمد مرسي، وهي ” الانقلاب يترنح ” فهؤلاء الظرفاء الذين يقّيمون الأمور بقدر اللحظة التي يعيشونها، لا بماضيها وحاضرها ومستقبلها، يرون أن الانقلاب العسكري الذي جرى في الثالث من يوليو 2013، أصبح راسخا في الأرض لا تذروه الرياح، وأن مدبره وقائده الجنرال عبد الفتاح السيسي، نجح في فرض هيمنته على الحكم من اللحظة الأولى للانقلاب، وأنه قادر على حكم مصر إلى أن يتوفاه الموت، أو يجعل الله له سبيلا، وأن ما قيل بإن ” الانقلاب يترنح ” لا يعدو أكثر من خيالات وأوهام، يهون بها خصوم السيسي وكارهيه على أنفسهم، المآسي التي جرت لهم بعد الانقلاب!!

وحقيقة الأمر أن أصحاب الخيالات والأوهام الحقيقيين، هم أولئك الذين يسخرون من المقولة ومن مردديها، سخر الله منهم، لأنهم لو دققوا النظر، وأمعنوا التفكير في المشهد السياسي المصري، لوجدوا أن الانقلاب بالفعل يترنح، بل إنه يعيش كما يقول المصريون ” مثل الفرخة الدايخة ” حتى وإن بدا السيسي متغلبا، وبدا في نظر القوم قادرا على الاستمرار بموقعه للأبد..

ولولا كان الانقلاب يترنح، ولا يشعر لحظة بالثبات، والاستقرار، واطمئنان القلب والعقل، لما ظل كل هذه السنوات – 11 سنة كاملة – فارضا نفسه على الحكم بقوة السلاح والدبابة، ولا ظل طوال الوقت محتكرا ومحاصرا ومراقبا لكل وسائل الإعلام، خوفا من كلمة تقال ضده هنا أو هناك، ولو أنه مستقر كما يزعمون، لما كمم الأفواه ومنع الناس من التعبير عن آرائهم في أي قضية، حتى وإن كانت قضية وفاة لاعب كرة، ولو أنه راسخ حقا، وأصله ثابت في الأرض وفرعه في السماء، كما يظن السفاء، لما اعتقل  معظم السياسيين، وأقعد البقية في بيوتهم، ومنعهم من أي ممارسة سياسية حتى وإن كانت تخّدم عليه، ولو أنه واثق الخطوة يمشي ملكا، لما ملأ السجون المصرية على كثرة أعدادها وكبر مساحاتها، بآلاف المعتقلين، ولو أنه يثق من نفسه وفيمن حوله، لما استعان بإبراهيم العرجاني ونخنوخ، ليحمياه من غدر وخيانة من حوله!! فإذ لم تكن كل هذه الإجراءات والمحاذير، دالة ودامغة على أن الانقلاب في حالة خوف وترنح دائمة، وأن صاحبه يعيش كل لحظة من عمره، في حالة قلق وذعر وترقب، فما الذي يدل إذن، على خوفه وعدم استقراره من وجهة نظر ظرفاء الدم؟!!

وإذا كانت كل الحوادث التي وقعت أثناء حكم الانقلاب، ورأينا رد فعل السلطة عليها، جاءت كاشفة وفاضحة، لحالة الهلع التي تسيطر على قادتها، إلا أني رأيت رد فعلها على الحادثة الأخيرة، الخاصة باختراق شاشة إعلانية بشارع فيصل، وبث فيديو من خلالها للهجوم على السيسي، هي الأكثر فضحا لتلك الحالة، فالفكرة لأنها جاءت مباغتة، وخارج صندوق توقعات سلطة تراقب أنفاس الناس، وتتجسس على أحلامهم، فقد أصابتهم بصدمة عنيفة، صدمة أوصلتهم لحالة من التوهان وعدم الاتزان – أظنها مستمرة إلى الآن – حتى أنهم ومن فرط الهلع من تكرارها، على لوحة أخرى بنفس الشارع، قاموا في نفس الليلة بقطع الكهرباء عن شارع فيصل بأكمله، بل إن حالة الهذيان التي أصابتهم، جعلتهم يتوهمون، أن جماعة الإخوان المسلمين هي التي تقف وراء الحادث، بل راحوا يعيدون ترديد أسطوانة مشروخة سئم المصريون من كثرة ترديدها، فيما كان المدهش هو قيامهم برد الهجوم بهجوم مماثل، بأن وضعوا على شاشات الإعلان بمعظم أنحاء القاهرة، عبارات لسب الإخوان والهجوم عليهم، وكأن المعركة معركة شاشات، وليست معركة شعب، يريد الخلاص من سلطة، تعمل على قتله بالبطيء!!

كل هذا وغيره يبرهن على أن الانقلاب لازال يترنح، حتى وإن سخر الساخرون، بل إن الجديد الذي أضافته حادثة شارع فيصل، هو أنها كشفت عن أن هذا النظام لا يترنح فحسب، بل إنه هش ووهن، أوهن من بيت العنكبوت، وأن إمكانية إسقاطه تبدو سهلة، يمكن تحقيقها ببعض الأفكار الإبداعية، التي تترك أثرا قويا وبعيدا، دون أن تشكل مخاطرة على حياة أصحابها!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار