مصر تبكي بناتها.. 18 نعشًا لفتيات”كفر السنابسة” تغرق المصريين في الحزن
دم الضحايا يراق على طرق الموت.. وحكومة السيسي تُقدّم التعازي بدلًا من الإصلاح
والد إحدى الضحايا: “بناتنا خرجن في الصباح بحثًا عن 100 جنيه، فعُدن في صناديق”
القاهرة – المنوفية – البابور العربي
في مشهد أبكى مصر من أقصاها إلى أقصاها، تحولت رحلة رزق اعتيادية إلى مأساة وطنية، بعدما لقيت 18 فتاة مصرية مصرعهن دهسًا تحت عجلات شاحنة وقود، إثر اصطدام مروّع وقع على الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية.
الفتيات، وجميعهن من قرية واحدة هي كفر السنابسة التابعة لمركز منوف، لم تتجاوز أعمار معظمهن العشرين عامًا، وكان قدرهن أن يسلمن أرواحهن في طريقهن إلى إحدى مزارع العنب لجني الثمار.
الفتيات، خرجن فجرًا للعمل في مزارع العنب بحثًا عن لقمة العيش، فعُدن جثثًا داخل توابيت خشبية، بعد أن حوّلت شاحنة وقود حافلتهن إلى كومة حديد.
الحادث الذي وقع صباح الجمعة، أدى أيضًا إلى وفاة سائق الحافلة، وأسفر عن إصابة أخريات بجروح متفاوتة، وسط فوضى وصراخ ودماء على الأسفلت، كما أظهرت صور انتشرت بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، توثق الحافلة المحطمة ونعوش الفتيات مصطفة كأنها صف انتظار أخير للحياة.
العمالة الهشة فريسة للموت
ورغم التعازي الرسمية التي صدرت من وزيري العمل والتضامن الاجتماعي، فقد تفاقم الغضب الشعبي تجاه ما وصفه نشطاء ومواطنون بـ”الإهمال المزمن وغياب الرقابة على الطرق”. وقد تداول ناشطون على نطاق واسع وسم “بنات كفر السنابسة”، الذي تصدر مواقع التواصل، متهمين السلطات بـ”القتل غير المباشر” نتيجة ما وصفوه بـ”غياب البنية التحتية الآمنة، وترك العمالة الهشة فريسة للموت الرخيص”.
ردود حكومية وتعويضات لا تكفي
أعرب وزير العمل محمد جبران عن “عميق حزنه”، ووجّه بصرف تعويضات عاجلة تصل إلى 200 ألف جنيه لأسرة كل متوفاة، و20 ألف جنيه لكل مصابة من صندوق رعاية العمالة غير المنتظمة. في المقابل، رأت أسر الضحايا أن المأساة “لا تعالجها أرقام”، مطالبين بتحقيق جاد ومحاكمة المتسببين، لا سيما أن سائق الشاحنة فرّ من مكان الحادث قبل أن يتم القبض عليه لاحقًا.
من جهتها، وجهت وزيرة التضامن مايا مرسي فرق الهلال الأحمر بالتدخل العاجل، بالتنسيق مع الجهات المحلية والجمعيات الأهلية، لمتابعة الأبحاث الاجتماعية وصرف الدعم النفسي والمادي لأسر الضحايا.
الوجع أكبر من التعويض
المشهد في “كفر السنابسة” كان أقرب إلى مأتم جماعي. توابيت الفتيات نُقلت متجاورة في جنازة مهيبة خيّم عليها الصمت والدموع، فيما قال أحد الأهالي لقناة محلية: “بناتنا خرجن في الصباح بحثًا عن 100 جنيه، فعُدن في صناديق”.
دعوات لتحقيق عاجل
دعوات برلمانية وشعبية تزايدت لمحاسبة مسؤولي الطرق والنقل، وإعادة النظر في شروط نقل العمالة الزراعية، وظروف تشغيل الفتيات في سن صغيرة دون ضمانات أمان، حيث قال النائب هاني سرور: “لا يجوز أن يستمر هذا الاستهتار بأرواح البسطاء، الحافلات غير مرخّصة، والشاحنات تسير بلا رقابة، والدماء على الطرق لا تتوقف”.
حادث المنوفية ليس مجرد حادث سير. إنه مرآة مكسورة تعكس هشاشة أرواح الفقراء في بلدٍ يدفن شبابه قبل أن يشهدوا غدًا أفضل. ووسط صمت رسمي ثقيل، يبقى السؤال: كم حادثًا نحتاج بعد، لنمنح الإنسان حياة تليق به؟
هذه الحادثة تعد واحدة من أبشع المآسي التي تُضاف إلى سجل طويل من الإهمال الحكومي المزمن، حيث لقيت الفتيات حتفهن دهسًا تحت عجلات شاحنة وقود على الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية، دون أن تتحرك الدولة بخطوة واحدة جادة تمنع تكرار هذا النوع من الحوادث التي باتت سمةً من سمات الحياة اليومية في مصر.
حكومة السيسي التي تقود مصر نحو الهاوية، فشلت في تأمين أبسط حقوق مواطنيها في طرق آمنة ونقل إنساني، لم تخرج سوى ببيانات تعزية وتعويضات لا تُغني ولا تُعيد الحياة، بينما تتحول قرى كاملة إلى مقابر جماعية للفقراء.
فصور الحافلة المهشمة ونعوش الفتيات المتراصة انتشرت كالنار على وسائل التواصل، لتشعل موجة غضب شعبي ضد ما وصفه المواطنون بأنه “قتل بالإهمال”، وسط تساؤلات عن أسباب السماح بتسيير حافلات عشوائية تقل فتيات دون رقابة، وعلى طرق تفتقر لأبسط معايير السلامة.
الدولة تدفن فتيات القرى بصمت
وسم #بنات_كفر_السنابسة تصدر مواقع التواصل في مصر، حيث قال أحد النشطاء: “الدولة تحمي كبار رجال المال… وتدفن فتيات القرى في صمت”.
وطالب حقوقيون ونواب سابقون بإقالة وزير النقل ومحاسبة المتسببين، ووقف نظام المقاولات الرخيص الذي يستغل العاملات الريفيات في ظروف غير آدمية.
في جنازة جماعية مهيبة، ودّعت قرية “كفر السنابسة” فلذات أكبادها وسط بكاء لا ينقطع، وقالت والدة إحدى الفتيات: “أرسلتها لتحصد عنبًا… فعادوا لي بجسدها ملفوفًا بالكفن”.
من المسؤول؟
بينما تُغلق ملفات التحقيق في كل حادث مماثل خلال أيام، ويُترك الأهالي لحزنهم، يواصل الموت جولاته اليومية على طرق مصر، دون مساءلة حقيقية، أو خطة وطنية تنقذ الفقراء من “مذبحة العيش”. فإلى متى تدفع مصر ثمن الإهمال الحكومي… بدم بناتها؟