البابور الموقع العربي

“الدبلوماسية وثقافة العمل الانساني” للسفير علي الحمادي.. كتاب يتخزل تجربة 40 عاما من العمل الدبلوماسي والإنساني

809

كتب: سمير الحجاوي

صدر  في العاصمة القطرية الدوحة كتاب “الدبلوماسية وثقافة العمل الإنساني” للسفير علي بن حسن الحمادي، الأمين العام للهلال الاحمر القطري. وهو كتاب يستحق القراءة لأنه إضافة نوعية للمكتبة العربية في المجالين الدبلوماسي والإنساني.

يختزل هذا الكتاب تجربة 40 عاما من العمل الدبلوماسي والانساني من حياة السفير الحمادي، وهو ليس سيرة ذاتية، بل خلاصة تجربة شخصية  عملية امتدت على مدى 4 عقود حاول فيه تقريب وجهات النظر بين العاملين في الحقل الدبلوماسي والعاملين في الحقل الإنساني باعتبار أن كل فريق يكمل دور الفريق الأخر،

يتابع بقوله “يكون ذلك التكامل في أوقات لا تستطيع الدبلوماسية تجاوز الحدود التي يمكن أن تتخطاها الراية البيضاء لتقدم العون والمساعدة لمن يحتاجها، كما تقوم الدبلوماسية بعمل وجهد تمكن من خلاله العاملين في الحقل الإنساني من أداء مهامهم بالصورة المطلوبة، لذا تتكامل الجهود وتصب جميعها في مصلحة الإنسان والعمل الإنساني”.

يضيف: “لعل عملي كدبلوماسي لفترة تقارب الأربعين عام بوزارة الخارجية القطرية، ثم تكليفي بالإدارة التنفيذية لجمعية الهلال الأحمر القطري منذ العام 2016م، دفعني لكتابة هذا الكتاب الذي بين يديكم لتمتزج خبرة الدبلوماسي بالعمل الإنساني ويكون نتاج ذلك هذا الكتاب الذي أرجو أن يجد القبول عند الله تعالى ويبقى مرجعاً للباحثين وطلاب العلم إن شاء الله”.

جاء الكتاب في ستة فصول تناول الفصل الأول منها “مفهوم الدبلوماسية في معناها العام والمفاهيم والقواعد والإجراءات والمراسم والمؤسسات والأعراف الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والممثلين الدبلوماسيين ورسالة الدبلوماسية، وتطرق بالحديث عن التحديات التي تواجه الدبلوماسية التقليدية ومقدرتها على التواصل بين الشعوب كما أشار للسبق التاريخي للمسلمين في تأصيل قواعد العلاقات الدولية. وأوضح مستقبل العلاقات الدولية في ظل الدبلوماسية الحديثة وماهية المعايير الدولية للعمل الإنساني التي تنشأ من الممارسة الدبلوماسية الراشدة.

واختُتِم الباب الأول بالأهداف التي يمكن تحققها الدبلوماسية الإنسانية الفعالة من مكاسب للمستضعفين يقدمها لهم صانعي القرارات وأصحاب الآراء بتلبية احتياجاتهم عبر الأدوات والتدابير الدبلوماسية الملائمة في الوقت المناسب.

أما الفصل الثاني فتضمن كل أوجه العمل الإنساني في الديانات السماوية (الإسلام – المسيحية – اليهودية)، ويقوم المبدأ الإسلامي حسب التشريع على نقطتان أساسيتان كانتا محور الدستور الأخلاقي للحرب في الإسلام وهما، الحياة والكرامة الإنسانية، فحياة الأنسان مصانة وكريمة وهي فوق كل اعتبار. لقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على صيانة النفس الإنسانية لجنوده ولأعدائه على حد سواء، وتجلى ذلك في التعامل مع الجرحى والقتلى والأسرى، وكذلك قام بالعناية بالأسرى وتزويدهم بالماء والغذاء ومعالجة الجرحى منهم ومنع تعذيبهم أو التنكيل بهم.

تطوع بعض الصحابيات لتقديم الخدمات الطبية والتمريضية يعتبر البذرة الأولى لفكرة “الهلال الأحمر الإسلامي”، فقد أطلق عليهن اسم ” الآسيات أو الأواسي”، ومعناها المشاركة الوجدانية والمواساة، وهي أقرب المعاني إلى عبارة ” ملائكة الرحمة”.

تواصل العمل الإنساني في عهد الخلفاء الراشدين والتابعين، كما تطرق الكاتب للعمل الإنساني في العصر الأموي عامة في بلاد الشام والأندلس بصورة خاصة، كما شهد الدولة العباسية والعصر الأيوبي اهتماما بتوفير الخدمات الطبية، وشهد عصر الدولة العثمانية التي استمر ستة قرون التوسع في العمل الإنساني الطبي، وفي هذا العصر تم تأسيس الهلال الأحمر الإسلامي. العمل التطوعي من وجهة النظر المسيحية البحتة، يمكن أن يحفز الجميع للعمل التطوعي ما يدل على أن الدين المسيحي يمكن أن يكون وسيلة من وسائل استنهاض الهمم.  ورغم حالة الحرب التي يعيشها اليهود، إلا أن عدد المنظمات التطوعية عندهم لا يقل عن 40 ألف منظمة.

وتناول الفصل الثالث الدبلوماسية الإنسانية وآليات العمل الإنساني كأحد آليات العمل الدبلوماسي حيث تعد (الدبلوماسية الإنسانية) إحدى الأدوات المكملة للدبلوماسية التقليدية، إذ يمكن النظر إليها باعتبارها إحدى أدوات القوة الناعمة، واعتبر أن العمل الإنساني هو البديل في غياب الدبلوماسية التقليدية وتستخدم الدبلوماسية الإنسانية عدة أدوات وطرق للقيام بدورها منها، المناصرة والمفاوضات والإقناع إضافة إلى الاتصال والاتفاقات الرسمية والمعاهدات، وغيرها من الأدوات المتاحة، بشرط ضمان حيادية وعدم تحيز العاملين في مجال العمل الإنساني وتطرق الكتاب إلى الحياد الذي طبقته بعض الدول، إضافةً إلى دراسة وتحليل أنشطة التعاون الفني التي تقدمها المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية في مجال الخبرات والاستشارات والتأهيل والتدريب، والمعلومات والندوات والمؤتمرات، والمطبوعات والنشرات والتقارير والإحصائيات، والدراسات والبحوث، ونظم وبرامج المعلومات، وتعزيز التعاون وبناء الشراكات في العمل الإنساني.

تطرق الفصل الرابع إلى الهياكل والممارسات الدبلوماسية إضافة للتطور التاريخي للدبلوماسية القطرية الأمر الذي جعلها تلعب دورا مهما على المستويين الإقليمي والدولي، والأسس التي تقوم عليها تلك الدبلوماسية، مع تناول موضوعي للعمل الإنساني، والدور الذي تقوم به، وموضحا السياسة التي تتبعها إدارة التعاون الدولي بوزارة الخارجية القطرية التي تنطلق جهودها من خلال إيمان عميق بأن الحوار والطرق السلمية هي السبيل لحل النزاعات، لذا تبذل الجهود وتقدم المساعدات للبلدان الشقيقة المنكوبة متحملة مسؤولياتها والقيام بدورها كشريك فاعل في المجتمع الدولي. وتناول هذا الفصل أهداف التنمية المستدامة الجديدة لتشجيع وجود المجتمعات السلمية الشاملة للجميع تحقيقا للتنمية المستدامة، التي يتبناها صندوق قطر للتنمية المكلّف بتنسيق وتنفيذ مشاريع مساعدات التنمية الخارجية لدولة قطر، والذي يقوم بتقديم المساعدات الخارجية عبر محفظة واسعة من الأدوات المالية، التي يتم تنفيذها من خلال اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف، ووفقاً لأفضل معايير الممارسة والمهنية. تطرقت في نهاية هذا الفصل إلى الدبلوماسية الإنسانية في وقت يفرض فيه الحصار على دولة قطر من أربع دول عربية شقيقة، كل ذلك لم يغير من   فلسفة الدولة الأخلاقية لمفهوم الإنسانية، كما أن لقطر كغيرها من المجتمع الدولي، قناعتها الرّاسخة في إعلاء كرامة الإنسان، باعتباره نواة المجتمع ولبنته الأساسية في مسيرة البناء، لم تتخلَّ قطر عن التزاماتها الإنسانية رغم كل الظروف التي مرّت بها، حيث لا تعترف بالحدود الجغرافية بقدر اعترافها بكرامة الإنسان أينما وجد.

ناقش الفصل الخامس دور المنظمات العاملة على تعزيز ودعم الدبلوماسية الإنسانية على المستوى الدولي والإقليمي، ووقف على تجربة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، واللجنة الإسلامية للهلال الدولي، والمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر، والعمل الإنساني في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إضافة للهلال الأحمر القطري كنموذج للمنظمات التطوعية العاملة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

في الفصل السادس تناول القانون الدولي الإنساني، الذي يُعتبر قسماً رئيسياً من القانون الدولي العام، يتشكل القانون الدولي الإنساني من مجموعة قواعد واتفاقيات قانونية دولية، تسري أثناء النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، حيث تهدف إلى حظر وتقييد وسائل وأساليب القتال لأغراض إنسانية، مع توفير الحماية والمساعدة لضحايا النزاعات المسلحة من المدنيين وسواهم من غير المقاتلين أو العاجزين عن القتال، فالقانون الدولي الإنساني يتنازعه مبدآن متقابلان، أولهما مبدأ الضرورة الحربية، والذي يسعى إلى تحقيق أهداف الحرب بإضعاف العدو والانتصار عليه، وثانيهما مبدأ الإنسانية الذي يهدف إلى وقف كل ما يتجاوز الضرورة الحربية من أفعال محظورة بكفالة حماية من لا يشارك في القتال أو أصبح عاجزاً عنه.

وقال السفير علي الحمادي في كتابه: “إن الفهم العميق لدور منظمات المجتمع المدني يعين العاملين في الحقل الدبلوماسي على فهم السبل الكفيلة بتقديم العون والمساعدة للمجتمع الإنساني، في وقت الكوارث كما يجعل الثقة متوفرة بين الأطراف المتنافرة باعتبار المنظمات الطوعية الإنسانية دائماً يفترض فيها الحياد والعمل من أجل الإنسان بغض النظر عن جنسه وجنسيته ودون تمييز بدين أو عرق أو لون. وهنا يأتي الدور الدبلوماسي لمنظمات المجتمع المدني في خدمة الإنسانية، في أحيان كثيرة يكون فشل الدبلوماسية في إيجاد حل مناسب لمعالجة القضايا التي تحصل في العالم هو الذي يؤدي إلى معاناة إنسانية لذلك لابد من إيجاد توازن بين الدبلوماسية السياسية والدبلوماسية الإنسانية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين”.

ويختتم بالقول: “في هذا الكتاب مواضيع لها علاقة بالدبلوماسية والإنسانية، وحاولت وضع بصمات دبلوماسية لتمتزج بتلك البصمات الإنسانية لتخرج لنا محصلة برامج عملية حافلة تعين العاملين في الحقل الإنساني، للتعامل بالطرق الدبلوماسية حسب ما تفرضه الظروف، التي يصعب فيها وجود البعثات الدبلوماسية، ويكون التواصل عبر المنظمات الإنسانية فقط.

الكتاب صادر عن دار كتارا للنشر في الدوحة ويقع في 377 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي على ملحق من الصور وفهرس بالاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان والعمل الانساني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار