البابور الموقع العربي

العقاب الجماعي في مصر .. عائلة المهندس عصام مخيمر نموذجا

791

لندن – البابور

دأبت أجهزة الأمن المصرية على التنكيل بأسر مصرية بعينها، فيما يشبه الانتقام أو العقاب الجماعي، بسبب نشاط ما أو شبهة معارضة سياسية صدرت عن أحد أفرادها، وهو ما يعتبره الأمن مسوغا لانتهاك جميع الحقوق المدنية التي كفلها الدستور والقانون للمواطنين، لتتحول الشرطة من وظيفتها في حفظ الأمن وتنفيذ القانون، فتضطلع بمهمة ترهيب المواطنين ومصادرة حرياتهم واستباحة ممتلكاتهم، في ظل ضوء أخضر أعطته السلطة الحالية للأجهزة الأمنية من أجل مزيد من البطش دون خوف من رقابة أو حساب.

وفي هذا الإطار، وثقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان استمرار السلطات المصرية في عمليات العقاب الجماعي للمعارضين السياسيين، وخلال السطور القليلة القادمة ستقدم الشبكة توثيقا كاملا لما حدث مع عائلة مخيمر كنموذج لسياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها السلطات المصرية بحق الأسر المصرية.

عائلة منكوبة

في واقعة ليست الأولى من نوعها، وثقت الشبكة المصرية العقاب الجماعي الذي تعرضت له عائلة المهندس عصام مخيمر من قرية ميت سهيل مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، عندما اقتحم عدد كبير من قوات الأمن -بملابس مدنية وبعضهم بملابس شرطية-المدججين بالأسلحة وبأعداد كبيرة من سيارات الشرطة والمدرعات منزل عائلة مخيمر، وذلك في الساعات الأولى من فجر الأربعاء 7 يوليو الماضي، لتقلب محتويات 7 شقق سكنية رأسا على عقب، وتروع الأطفال الصغار، مع التعدي البدني واللفظي على جميع المتواجدين خلال الواقعة.

اعتقال وتخريب

تعمدت قوات الأمن تكسير اثاث الشقق السكنية السبع بالكامل، ومحتويات الدور الأرضي يستخدم كجراج للسيارات ومكتبين، واعتقلت ثلاثة من أفراد العائلة، واستولت على أجهزة الهواتف المحمولة، وعدد من المشغولات الذهبية الخاصة بالعائلة، وبطاقات الرقم القومي لجميع المتواجدين كذلك تم الاستيلاء على معظم الأوراق الثبوتية التي تخص افراد العائلة، ومبلغ 5000 جنية كانت في أحد الشقق، وجهاز كمبيوتر محمول “لابتوب” خاص بالعائلة، إضافة إلى جهاز قياس السكر، وجهازي تسجيل كاميرات المراقبة.

وقائع متكررة

واقعة التعدي واقتحام منازل عائلة مخيمر فجر يوم الأربعاء الماضي لم تكن الأولى التي تقوم بها قوات الأمن بحق أفراد العائلة، فقد سبق ذلك عشرات الاقتحامات والاعتقالات، التي شملت التنكيل بالمتواجدين في الشقق السكنية وترويعهم، في انتهاك صارخ لمواد الدستور، والأعراف والمواثيق الدولية، وفى ظل غياب تام للقانون.

خلال السطور التالية تستعرض الشبكة المصرية بالأسماء والتواريخ كيف قامت السلطات الامنية المصرية باستخدام العنف والقوة الغاشمة بالمخالفة لمواد الدستور والقانون والتي لم يسلم منها اثاث المنازل وجدرانها.

خلال السطور التالية نستعرض كيف حولت السلطات الامنية حياة عائلة بأكملها من حياة هادئة مستقرة الى حياة المطاردين والسجون

شمل العقاب الجماعي والانتهاكات بحق عائلة كل اشكال التنكيل من قتل لاحد افرادها وباعتقال اخريين وسجنهم ولإخفاء بعضهم وتعذيبهم هذا بالإضافة لعشرات المرات من الاقتحامات للمنازل وترويع الاطفال وتهديد النساء بالتحرش الجنسي واللفظي وتكسير المنازل والتي لم يسلم منها شقة شهيد فض رابعة رغم خلوها من ساكنيها لسنوات

شهيد بمذبحة رابعة

الشهيد وجيه مخيمر، رجل أعمال، قتل في مذبحة فض رابعة على يد قوات الأمن المصرية. ورغم مرور قرابة 8 سنوات على وفاته، إلا أن قوات الأمن اقتحمت شقته السكنية يوم 7/7/2021 وحطمت محتوياتها برغم خلوها من السكان منذ سنوات وهو بمثابة انتقام من الموتى.

اعتقال تعسفي وإخفاء قسري

ظل المهندس عصام مخيمر، 61 سنة، مطاردا لسنوات، حتى اعتقلته قوات الأمن في 7/7/2021، ولا يزال رهن الاختفاء القسري حتى الآن، كما سبق اعتقاله مرات عديدة وقت حكم الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، وأخلي سبيله قبيل ثورة يناير 2011 بأشهر قليلة، وهو مريض بالسكر والضغط، ويحتاج إلى تناول جرعات الأنسولين بانتظام، إضافة إلى الرعاية الصحية الدائمة نظرا لمعاناته من مشاكل في الكبد، بما يحتم عليه تناول الادوية بانتظام.

كما اعتقلت قوات الأمن ابنه عبد الرحمن عصام مخيمر، 24 سنة، خريج كلية حاسبات ومعلومات، تعسفيا في نفس التاريخ ولا يزال رهن الاختفاء القسري.

كما تم اعتقال بن أخيه أحمد عادل مخيمر، 25 سنة، طالب بمعهد مساحة، ولا يزال رهن الاختفاء القسري أيضا، رغم أنه سبق اعتقاله في سبتمبر 2017 لمدة 6 أشهر قبل أن يتم اخلاء سبيله لاحقا.

وتتخوف الاسرة من تنكيل الامن المصري بهم وتعذيبهم لانتزاع اعترافات تحت التعذيب وتلفيق اتهامات باطلة لهم وادراجهم على ذمة قضايا ملفقة، وتطالب اسرة المعتقلين النائب العام بالتدخل للكشف عن مصيرهم وبإخلاء سبيلهم حيث انهم غير مدرجين على ذمة قضايا وكما لم يصدر بحقهم امر ضبط واحضار من النيابات المختصة  

الأستاذ عبد الحميد مخيمر رجل اعمال يبلغ من العمر 39 عاما، اعتقل من البيت في سبتمبر 2020، وحكم عليه بالسجن لمدة عامين، وتم إيداعه سجن جمصة،

وفي وقت سابق تم اعتقال محمد عصام مخيمر، 23 سنة، وهو طالب بكلية تربية رياضية -جامعة الازهر، حيث قامت قوات امن الشرقية باعتقاله من منزلة بتاريخ 10/4/2020، وحبس في قسم شرطة العاشر من رمضان، واختفى لفترة ثم ظهر في منيا القمح يوم 3/9/2020 وتم الحكم عليه بالسجن سنتين، لينتهي به المطاف في سجن جمصة، رغم أنه قد سبق اعتقاله لمدة 3 أشهر. هذا وقد مارست سلطات الامن المصرية عمليات تعذيب ممنهجة على جميع افراد الاسرة المعتقلين على فترات متقاربة.

عائلة مطاردة

لم تكتف الأجهزة الأمنية بما لديها من أفراد العائلة، حتى خلفت وراءها عددا من المطاردين، ومنهم وليد مخيمر شقيق أصغر للمهندس عصام مخيمر، يعمل دكتور صيدلي، يبلغ من العمر 51 عاما، وكان يشغل منصب أمين صندوق نقابة الصيادلة بالشرقية، واعتقل في سبتمبر 2017 وأفرج عنه في أغسطس 2020، وهو مطارد حاليا من الأمن.

لا يختلف الحال كثيرا مع المهندس مازن عصام مخيمر، 27 سنة، الذي تمكن من السفر الى خارج مصر منذ 3 سنوات بعد مطاردة مستمرة من أجهزة الأمن، ونفس الملابسات تقريبا حدثت مع الشاب سيف عادل مخيمر، 20 سنة، الذي تمكن من الخروج من مصر بعد مطاردة من الامن.

محمد عادل مخيمر، يبلغ من العمر 26 عاما، وكان ترتيبه الأول على دفعته بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر في الزقازيق قبل ان يتم اعتقاله اثناء وجوده بالكلية في أكتوبر 2016، وتم فصله تعسفيا من الكلية، فالتحق بمعهد المساحة أثناء فترة وجوده بالمعتقل، وأمضى داخل السجن 3 سنوات ثم أفرج عنه، ولايزال مطاردا خوفا من إعادة اعتقاله مرة أخرى.

تجريد من الملابس وسحب الجنسية

في واقعة مشينة، هدد أحد ضباط الأمن الذين اقتحموا منزل العائلة زوجة المهندس عصام مخيمر بتجريدها من ملابسها، وسجنها، وسحب الجنسية المصرية منها -كونها فلسطينية الأصل-، ولم يكتف بذلك، فاعتدى على جميع المتواجدين من النساء والأطفال لفظيا بوابل من السباب والألفاظ النابية، وروعهم بتهديده المستمر بتغييبهم خلف القضبان.

رأي الشبكة

تمارس السلطات المصرية سياسة العقاب الجماعي مع العديد من الأسر المصرية على نطاق واسع، رغم أن الدستور المصري، والقانون المحلي والدولي يجرم سياسة العقاب الجماعي، فيتم معاقبة الأسرة بأكملها لأن أحد أفرادها من المعارضين السياسيين للنظام المصري، أو بسبب كونه عضوا بارزا في جماعة الاخوان المسلمين، كما حدث مع عائلة الشاطر، بعد اعتقال المهندس خيرت الشاطر (الأب)، والابن، والابنة، وأزواج بناته جميعا.

نفس الأمر تكرر مع عائلة الدكتور محمد البلتاجي، بعد قتل ابنته الشابة أسماء البلتاجي بطلق ناري فى فض اعتصام رابعة، ثم اعتقاله شخصيا والحكم عليه بالإعدام ومئات السنوات من أحكام الحبس فى عشرات القضايا، والتنكيل بابنه الشاب أنس البلتاجي المعتقل للسنة السابعة على التوالي، رغم البراءات العديدة التي حصل عليها، واستمرار اعتقاله خارج نطاق القانون، كما تعرضت زوجته وابنه الآخر للاعتقال لفترة قبل إجبارهما على ترك البلاد والهجرة قسريا الى خارج مصر.

وقد وثقت الشبكة المصرية العقاب الجماعي بحق عائلة جمال الشويخ، بعدما اعتقلته قوات الأمن وزوجته، وابنته، إلى جانب اعتقال ابنه الأكبر عبد الرحمن الشويخ في سجن المنيا شديد الحراسة،

وابنه الأصغر عبد العزيز الشويخ بسجن العقرب شديد الحراسة، إضافة إلى إجبار ابنه عمر الشويخ على الفرار خارج مصر بعد مطاردته لفترة طويلة.

وتؤكد الشبكة خطورة سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها أجهزة الأمن المصرية حاليا، والمحظورة وفق بنود القانون الدولي، حيث نصّت المواد 31، 32، 33 من اتفاقيّة جنيف الرابعة لسنة 1949 صراحة على منع معاقبة أي شخص عن مخالفة أو جنحة أو جريمة لم يرتكبها.

وتدق الشبكة ناقوس الخطر من أجل الانتباه إلى تأثير تلك السياسة المدمرة على بنية المجتمع المصري ونسيجه الذي ظل متماسكا لسنوات، داعية إلى بذل الجهد المطلوب لإيقاف هذه الجرائم المتواصلة بحق الأسر المصرية، ورفع يد الظلم وكف يد البغي التي طالت آلاف المواطنين دون ذنب أو جريرة.

التوصيات:

  1. الاحتكام إلى قرارات القضاء والنيابة العامة وإيقاف سياسة معاقبة الأسر بجريرة أحد أفرادها.
  2. التحقيق العاجل في شكاوى المواطنين من تجاوزات أجهزة الأمن التي تشمل الترويع، والسرقة، والاعتداء اللفظي.
  3. محاسبة المتورطين في سياسة العقاب الجماعي للأسر المصرية حتى لا تتكرر تلك الجرائم.

تم اعداد التقرير بمعرفة وحدة التقارير بالشبكة المصرية لحقوق الانسان

لندن بتاريخ 10 يوليو 2021

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار