البابور الموقع العربي

واقع الخدمات التعليمية فى مصر

416

د. خالد عبد الفتاح

واقع الخدمات التعليمية فى مصر وإمكانيات ومميزات تطبيق اللامركزية في قطاع التعليم

مقدمة

التعليم أحد أهـم النظم الاجتماعية فى أى مجتمع، يكاد يجمع كل المتخصصون فى العلوم الاجتماعية على هذه المسلمة، ويفترض فصيل منهـم أن استمرار المجتمع والحفاظ على كيانه يتوقف على نظام التعليم وصلاحه، له العديد من الوظائف التى يقوم بها لصالح المجتمع، فى مقدمتها نقل القيم الأساسية للمجتمع لأجياله الجديدة، وهو فى ذلك يقوم بوظيفة التنشئة الاجتماعية، ويكاد ينفرد وحده بهذه الوظيفة فى المجتمع الحديث. ومن بين الوظائف الاجتماعية الهامة للتعليم ما يسمى بوظيفة الفرز Sorting، وهى التى يقوم فيها التعليم بفرز المواطنين وفقا لمهاراتهـم وقدراتهـم على أساس من الجدارة والقدرة. ويساعد هذا الفرز المجتمع فى اختيار من يتولى مناصبه الهامة، وهو فى ذلك لابد أن ترتبط مخرجات التعليم بسوق العمل. هذه الرؤية النظرية الاجتماعية للتعليم تساعدنا فى السؤال حول وظائف التعليم فى المجتمع المصرى، وإلى أى مدى يقوم التعليم بوظيفته أو وظائفه الاجتماعية فى المجتمع. هذا التصور النظرى للتعليم يجعلنا ننظر للتعليم فى المجتمع المصرى بمزيد من الأسى، فكثير من هذه الوظائف يفشل التعليم فى مصر فى القيام بها، هذا فضلا عن الوظيفة المباشرة للتعليم المتعلقة بمهارة القراءة والكتابة واستخدام العقل.

 لقد شهد نظام التعليم فى مصر الكثير من التغيير والتعديلات التى أثرت بشكل سلبى على أداء مؤسساته ومستوى مخرجاته، بالإضافة إلى تأثره بشكل سلبى بمشكلات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية. وانتهى بانسحاب الدولة انسحابا تدريجيا مستترا من تقديم الخدمات الاجتماعية العامة عبر تقليل الإنفاق عليها، وتعمد تقديم خدمة تعليمية سيئة، مما يدفع قطاعا من المواطنين دفعا إجباريا نحو البحث عن خدمة تعليمية بديلة فى القطاع الخاص.

 مع تزايد حدة النقد الاجتماعى للنظام التعليمى وسوء الخدمة التعليمية، وتحمل المواطنين أعباء فوق طاقتهـم فى سبيل الحصول على الخدمة التعليمية، اضطرت الدولة للدعوة لإصلاح التعليم، وعقدت فى سبيل ذلك العديد من المؤتمرات بدأت عامى 1993 و1994، بمؤتمرين وطنيين لتحسين نوعية التعليم الابتدائى والإعدادى، ومؤتمرا ثالثا عام 1996 لوضع استراتيجيات ترمى الإعداد الأفضل لمعلمى المدارس، وكان آخرها عام 2004 بمؤتمر تطوير التعليم، الذى افتتحه رئيس الجمهورية وحدد فى كلمته احتياجات تطوير التعليم فى مصر فى تعزيز توجه التعليم نحو مجتمع المعرفة، ومضاعفة القدرة التنافسية للشباب، تعميق روح الانتماء، وترسيخ القيم الأصيلة للمجتمع، خلق حياة طلابية فاعلة فى المدارس والجامعات، الحد من مشكلة البطالة. وطرح رؤيته لتطوير التعليم والتى رأى أن تركز على تطوير المناهج وأساليب التدريس، تنمية مهارات المعلمين وأعضاء هيئة التدريس، التوسع فى تطبيق اللامركزية فى إدارة العملية التعليمية، تعميق النظرة لتطوير التعليم على أنها عملية مجتمعية، دعم ثقافة البحث العلمى، الاهتمام بذوى الاحتياجات الخاصة، توفير أماكن جديدة تستوعب تضاعف الأعداد بالمدارس والجامعات.

وأطلقت جمهورية مصر العربية القومية الاستراتيجية لإصلاح التعليم قبل الجامعى 2007-2012، واختص الفصل الرابع منها لبرنامج التأصيل المؤسسى للامركزية، وحدد هدفه فى دعم القدرة المؤسسية للمنظومة التعليمية بما يحقق فعالية وكفاءة النظم وتحقيق التأصيل المؤسسى للامركزية فى كافة مستويات المنظومة التعليمية من خلال التطوير الهيكلى والتنظيمى، وتطوير الأداء المالى والإدارى. وحددت الخطة التحديات التى تواجه نظام التعليم، ورؤية الوزارة للأبعاد التى سترتكز عليها نحو تحقيق اللامركزية.

لقد نجحت كل هذه الجهود فى تحسين بعض مؤشرات التعليم فى مصر مثل رفع معدلات القيد، وتخفيض فجوة النوع، وتخفيض معدلات التسرب إلى حد ما، ومع ذلك لم يزل نظام التعليم فى مصر يعانى من مشكلات أساسية جوهرية استمرت معه وتضخمت منذ ثمانينيات القرن العشرين وحتى اليوم، ومع وجود اهتمام وإرادة سياسية، وخطط قومية استراتيجية، وإنشاء هيئات للأبنية والجودة والاعتماد، وعقد المؤتمرات القومية، إلا أن كل ذلك لم يفلح فى إصلاح النظام التعليمى، وتدهورت مستويات تقديم الخدمة التعليمية.

واقع الخدمات التعليمية فى مصر

يتفق المراقبون على أن نظام التعليم قبل الجامعى فى مصر نظام ضخم يتكون من 4500 مدرسة، ونحو 17 مليون تلميذ، فضلا عن جهاز إدارى ضخم، يشكل فيه الموطفون الإداريون 47% من قوة العمل فى مجال التعليم. ولا توجد بيانات رسمية متاحة حول واقع الخدمة التعليمية فى مصر، وما تتيحه وزارة التربية والتعليم لا يتجاوز بيانات بأعداد المدارس والفصول والتلاميذ والمعلمين.

تشير الدراسات والبحوث المتعلقة بهذا المجال إلى تدنى مستوى الخدمة التعليمية فى مصر، فإلى جانب دراسة البيئة المدرسية فى مصر والتى أعدها مجلس السكان الدولى عام 2000، والتى اهتمت بتحليل حالة المدارس الإعدادية الحكومية، فقد قمنا بدراسة أخرى عام 2006 فى ثمانى محافظات حول أوضاع المدارس الحكومية الابتدائية والإعدادية. كشفت هذه الدراسات عن الكثير من النتائج حول حالة الخدمة التعليمية الحكومية فى التعليم قبل الجامعة فى مصر، وسوف نلخص هذه النتائج فى قضايا عريضة تتعلق بالمبانى المدرسية وحالة الفصول والموارد البشرية، فضلا عن تكلفة وجودة الخدمة التعليمية.

أولا: المبانى المدرسية

رغم إنشاء هيئة خاصة للأبنية التعليمية، وإنشاء العديد من المدارس تحت إشرافها، إلا أن حالة كثير من المبانى المدرسية فى مصر تتسم بالسوء، ففضلا عن وجود ما يزيد عن 2300 منطقة تعانى من الحرمان من المدارس حسب البيانات الصحفية. إلا أن هناك نسبة من المدارس الحكومية هى مدارس مؤجرة، يتصف المبنى المدرسى فيها بالسوء الشديد وعدم ملائمته للعملية التعليمية بالأساس. فضلا عن رفض هيئة الأبنية التعليمية إجراء أى عمليات صيانة لهذه المدارس بسبب كونها مؤجرة وليست ملك للوزارة، ولا تسطيع وفق قانونها الخاص إجراء صيانة لمبنى ليس ملكا للوزارة.

أما عن مواقع المدارس فكثير منها يتسم بالخطورة الشديدة التى قد تهدد حياة التلاميذ من جانب، وتؤثر بالسلب على سير العملية التعليمية بالمدرسة. فهناك عشوائية كبيرة فى تحديد أماكن أماكن المدارس، قد يبررها أحيانا ندرة الرض المتاحة للبناء عليها فى كثير من المناطق. وما قد يضاعف من عشوائية تحديد مواقع المدارس عدم مشاركة المستفيدين فى تحديد هذه المواقع، ولكن لم يستطع القائمون على إنشاء الأبنية المدرسية تطوير آليات تزيد من تنظيم توفير أرض للأبنية المدرسية تشارك فيه الأهالى والمجتمعات المحلية بما يلبى احتياجات هذه المجتمعات من الخدمة التعليمية ويقلل من المخاطر المترتبة على هذه المواقع. ففى جميع المدارس لا يشارك الأهالى أو المجتمعات المحلية فى تحديد مواقع المدارس إلا فيما ندر، وتتم فقط فى حالة وجود أراض متاحة ملكا للدولة حيث يتم أخذ رأى الوحدات المحلية كممثلين للمجتمع المحلى، وفى بعض الأحيان يتم تخصيص هذه الأرض للبناء عليها مباشرة، وفيما عدا ذلك لا يؤخذ رأى الأهالى. تنقسم أنواع المخاطر المترتبة على موقع المدرسة إلى نوعين: مخاطر متعلقة بالطريق أو وسيلة الوصول للمدرسة، ومخاطر محيطة بمبنى المدرسة.

*مخاطر الوصول للمدرسة، وتنحصر فى:

-قطع مسافة طويلة مشيا للوصول للمدرسة.

-المرور على الترع والمصارف للوصول للمدرسة.

-المرور على شريط السكك الحديدية للوصول للمدرسة.

-المرور على طريق عام سريع للوصول للمدرسة.

-السير وسط الزراعات ليلا للوصول للمدرسة.

-استقلال وسائل مواصلات غير آمنه للوصول للمدرسة.

*مخاطر محيطة بالمدرسة، وتتنوع إلى:

مخاطر متعلقة الاقتصادى المحيط (البيئة الزراعية، الورش والحرف والمصانع،)

مخاطر متعلقة بالبيئة الاجتماعية المحيطة (تجمع القمامة، المقاهى)

أما داخل المبانى المدرسية، فهناك ضعف شديد فى حالة المرافق الموجودة بها، وخاصة مرافق مياه الشرب ودورات المياة، وهناك بعض المدارس تمنع طلابها من استخدام دورات المياة، أو تغلقها لاستخدام المدرسين والإدارة المدرسية فقط، وربما يتعلق الأمر بعدم قدرة المدرسة على توظيف عمال خدمات بالقدر الكافى أو المتناسب مع عدد التلاميذ بالمدرسة.

أما مياة الشرب فهناك مدارس بها مشاكل فى إتاحة وجودة مياة الشرب بها، حتى المدارس التابعة لهيئة الأبنية التعليمية، فقد تم رصد بعض المؤسسات التى تفتقر لخزانات مياة شرب سليمة رغم حداثة هذه المدارس.

ومما يزيد المسألة تعقيدا أن صيانة المرافق داخل المدرسة يتم تصنيفه على أنها صيانة خفيفة تدخل فى اختصاصات مجالس الأمناء وليس من اختصاص هيئة البنية التعليمية، ويتوقف الأمر على القدرة المالية لمجالس الأمناء لتوفير المتطلبات المادية لصيانة المرافق داخل المدرسة وإتاحتها للتلاميذ.

ومن الملامح الساسية لجودة المبانى المدرسية مدى وجود حديقة وأشجار داخل المدرسة، وفى هذا المؤشر تتراجع نسبة المدارس التى بها حدائق إلى ما يقارب ثلث المدارس فى مصر، فقد أولت الوزارة أهـمية إنشاء المبانى المدرسية على حساب المساحات المتاحة أو المخصصة للحدائق والأشجار.

ثانيا: الفصول

يتم تقييم حالة الفصول داخل المدارس وفقا لعدد التلاميذ، أو الكثافة الفصلية، ومدى جودة التجهيزات والمرافق، فرغم ما تم إنجازه من إنشاءات فى عدد الفصول، إلا أن الكثافة الفصلية الآن ترتفع إلى ما يتجاوز ستون تلميذا فى الفصل الواحد فى بعض المناطق، وعودة نظام الفترات الدراسية فى بعض المدارس، سواء لزيادة الكثافة، أو لعدم وجود مبانى مدرسية متاحة.

ومع التسليم بجودة الأثاث داخل المبانى الجديدة التابعة لهيئة الأبنية التعليمية، إلا أن الأثاث فى المدارس القديمة يرجع تاريخه فى بعض المدارس إلى ستينيات القرن الماضى، ويتصف بتهدور حالته، مما يضيف عبئا على الإدارة المدرسية كل عام لصيانة الأثاث قبل بدء العام الدراسى، ويتشارك فى هذه المهـمة مجلس الأمناء أيضا.

إلى جانب ذلك هناك بعض المدارس التى تفتقر إلى الإضاءة والتهوية الجيدة داخل الفصول، مما قد يعرض التلاميذ للإصابة بالأمراض خاصة فى فصل الشتاء.

ثالثا: الموارد البشرية

تتنوع الموارد البشرية داخل المدارس يأتى فى مقدمتها المعلمون ثم الأخصائيون الاجتماعيون والنفسيون، والخدمات الأخرى مثل الخدمات الطبية.

ففيما يتعلق بالمعلمين، هناك مشكلة فى كثير من المدارس تتعلق بعدم كفاية والعجز فى المعلمين مما يضطر المسئولين فى بعض المحافظات لقبول معلمين بالحصة، ويشكل ذلك وجود جانب من المعلمين داخل المدارس غير خاضع لشروط الوزارة فى الجودة وتأهيل المعلمين بحصولهـم على دورات تدريبية وخلافه. إلى جانب ذلك تراجع قيم الأداء المهنى وميثاق الشرف المهنى (إن وجد) لدى غالبية المعلمين فى المدارس الحكومية، فمع انخفاض المقابل المادى لمعلمى الحصة، إلا أن الإقبال عليها والتنافس من أجل الحصول بهذه الفرصة يتعلق بإتاحة الفرصة (عند غالبية المعلمين) للدخول للمدرسة وترويج أنفسهـم فى الدروس الخصوصية.

فليس خافيا على الجميع، أو صعبا على الإثبات، تراجع مستويات رضى المواطنين عم أداء المعلمين فى المدارس الحكومية من أجل إجبار الأهالى على اللجوء للدروس الخصوصية، وهى نفس الاسترايجية التى لجأت إليها الدولة عند تطبيق سياسة التثبيت والتكيف الهيكلى، لإجبار قطاع من المصريين إلى اللجوء للمدارس الخاصة من أجل الحصول على خدمة تعليمية جيدة. ومما يزيد من إجبار أولياء الأمور على الخنوع لضغط المعلمين للجوء للدروس الخصوصية نظام التعليم نفسه، وطريقته فى تقييم التلاميذ.

أما الأخصائيون الاجتماعيون والنفسيون، فوجودهـم فى المدارس الحكومية يتصف فى كثير من الأحيان بالوجود الشرفى، فليس هناك إمكانيات مادية متاحة لهـم، ولا أعداد التلاميذ تتناسب مع أعدادهـم، ومن ثم يقتصر دورهـم على أداء مجموعة من الأعمال الروتينية الورقية البعيدة عن الواقع، وغالبيتهـم يقومون بأعمال وأنشطة وفق خطة موضوعة من الإدارة أو المديرية التعليمية، وغالبيتها أنشطة روتينية معتادة كتنظيم الاحتفالات بالأعياد القومية، أو تشكيل الاتحادات الطلابية، أو تشكيل مجالس الأمناء.

وهناك الكثير من المدارس تفتقر لوجود مسئولين عن خدمات صحية بها من أطباء وممرضات، وترتفع نسبة هذه المدارس فى بعض الدراسات إلى اكثر من ثلث المدارس، مما يعرض حياة التلاميذ للخطر فى حالة الإصابة التى تتطلب إسعافات سريعة.

رابعا: تكلفة الخدمة التعليمية

هناك بعض الدراسات التى بحثت إنفاق الأسرة على التعليم، وأثبتت أنه رغم ادعاء الحكومات المتتالية بمجانية التعليم، إلا أن الأسرة المصرية تنفق على التعليم مليارات تذهب للدروس الخصوصية، فنتيجة للسياسات التعليمية المتتالية اضطرت الأسرة إلى البحث عن الحصول على خدمة تعليمية خارج أسوار المؤسسات التعليمية.

خامسا: جودة الخدمة التعليمية

تتفق المؤشرات الموضوعية والذاتية على تدهور جودة الخدمة التعليمية فى مصر، فعلى الرغم من إنشاء هيئة خاصة للجودة والاعتماد، وصياغة معايير قومية للتعليم، إلا أن هذه الجهود لم تفلح فى رفع جودة الخدمة التعليمية. فمستويات الخريجين لا تعكس مهارات عملية ولا فكرية، وأحيانا كثيرة لا تمكن الخدمة التعليمية المتعلمين من اتقان مهارات الكتابة والعمليات الحسابية.

لامركزية التعليم : تعريفها وأشكالها

تعرف اللامركزية على أنها عملية نقل صلاحيات اتخاذ القرار من المستوى المركزى إلى المستويات الطرفية. فاللامركزية هى درجة عدم تركيز السلطة، أى تشتت السلطة وتوزيعها بين الأشخاص والمستويات الإدارية المختلفة في المنظمة أو على مستوى الدولة. كما تعرف اللامركزية كمفهوم شامل بأنها: نقل السلطة، تشريعية كانت أو اقتصادية أو تنفيذية من المستويات الحكومية العامة الى المستويات الدنيا.

ويوجد أربعة أشكال من اللامركزية تترتب وفقا لدرجة انتقال الحق فى اتخاذ القرار، وهذه الأشكال هى عدم التركز أو توزيع السلطة Deconcentration ، التفويض  Delegation، انتقال الحق Devolution ، وأخيرا الخصخصة Privatization. وتبنت الخطة القومية الاستراتيجية لإصلاح التعليم تعريفا للامركزية يقوم على التفويض حيث تقول نصا

“يقصد باللامركزية عملية نقل الصلاحيات Devolution of Authorities من مستويات اتخاذ القرارات المركزية إلى مستويات تقديم الخدمة. من خلال منح المزيد من صلاحيات اتخاذ القرار على مستوى المدرسة والإدارة التعليمية. فى حين تظل المهام التنفيذية من متابعة وتخطيط وتطوير المنهج لكل من المديريات والوزارة. ولامركزية التعليم ليست هدفا فى حد ذاته، بل هى وسيلة للارتقاء بجودة العملية التعليمية.”

هذا هو التعريف الذى تتبناه وزارة التربية والتعليم، ورؤية الوزارة لتحقيقها، والهدف منها، فهل ينجح تطبيق اللامركزية فى تحقيق نقلة نوعية فى الخدمة التعليمية المقدمة؟ لعل الإجابة على هذا التساؤل تستلزم التعرف على الإمكانيات المتاحة لتطبيقها، وفحص خطوات تطبيق اللامركزية فى مجال التعليم فى مصر، ورصد المشكلات التى صاحبت تطبيق اللامركزية.

إمكانيات تطبيق اللامركزية فى مجال التعليم

يستلزم تطبيق اللامركزية بشكل أساسى، مجموعة من الإمكانيات التى تساعد على نجاح تطبيقها، وهى:

•    إرادة سياسية.

•    أطر تشريعية منظمة لنقل الصلاحيات.

•    موارد بشرية قادرة على تحمل المسئوليات والصلاحيات المنقولة إليها.

•    موارد بشرية ذات كفاءة مناسبة للقيام بالمسئوليات المنقولة إليها.

•    نمو ثقافة الشفافية والمحاسبة والمراقبة.

•    ثقافة مشاركة مجتمعية.

لقد أعربت الحكومة المصرية عن مستويات من الإرادة السياسية فى تطبيق اللامركزية خاصة فى مجال الخدمات العامة والإدارة المحلية، تشكلت هذه الإرادة فى صياغة أطر قانونية لتطبيق اللامركزية مثل تعديل قانون الإدارة المحلية، وقانون التعليم، وإصدار العديد من القرارات الوزاية المساعدة على تطبيق اللامركزية من أهـمها القرارات الوزارية المتعلقة بتشكيل مجالس الأمناء والآباء والمعلمين فى المدارس. واتخاذ قرارات أخرى هامة مثل نقل جزء من ميزانية التعليم من المستوى المركزى إلى مستوى المدرسة وهو الجزء المتعلق بالمشروعات الاستثمارية فى الميزانية.

وتتفاوت الإمكانيات المتاحة فى الموارد البشرية القادرة على تحمل مسئوليات اللامركزية، فهناك قطاع عريض من مديرى المدارس يتخوف من إصدار القرارات وتحمل تبعات هذه القرارات، كما تتفاوت المحافظات المختلفة حسب الموارد البشرية المتاحة لديها والتى قد لا تكون بنفس مستوى مهارة وفنية الموارد المتاحة على المستوى المركزى (الوزارة).

يستلزم تطبيق اللامركزية أيضا وجود ثقافة خاصة بالمراقبة والمحاسبة والمتابعة على مستوى المدرسة والإدارة التعليمية، ورغم أن نجاح تطبيق اللامركزية يتوقف على وجود هذه الثقافة، فقد افترض المخططون ومتخذو القرارات أن هناك مجتمعات محلية قادرة على متابعة ومحاسبة من تم نقل صلاحيات جديدة إليه على مستوى المدرسة، وهذا الافتراض خاطىء فى كثير من المناطق على مستوى الجمهورية، مما قد يهدد مستقبل تطبيق لامركزية التعليم.

تحتل قضية مشاركة المجتمع المحلى على جزء كبير من تطبيق اللامركزية فى مجال التعليم، فاللامركزية تفترض أيضا مشاركة من المجتمع وأولياء الأمور مع المدرسة فى تحمل بعض المسئوليات والصلاحيات من جانب، والقيام بدور المراقب من جانب آخر، وليس هناك من شك، فى أن هذه الصورة للمشاركة فى المجتمع المصرى تتسم بالضعف الشديد، وتأخذ أحيانا شكلا صوريا، لا يمتد إلى مستوى التنفيذ والمشاركة الفعلية.

معوقات وصعوبات تطبيق اللامركزية فى مجال التعليم

أمام تطبيق لامركزية التعليم فى مصر العديد من المشكلات التى يجب أن تأخذ على نحو جدى من جانب المسئولين ومتخذى القرار. ويمكن تصنيف هذه المشكلات والصعوبات فى العناصر التالية:

صعوبات فنية

تتعلق بقدرات ومهارات مديرى المستويات الطرفية فى النظام التعليمى، أو مستوى تقديم الخدمة (المدارس)، فهناك العديد من المديرين يتسمون بالجمود، والتخوف من تحمل المسئوليات، والتخوف من إصدار القرارات.

وهناك صعوبات فنية تتعلق بتضارب الصلاحيات فى تطبيق اللامركزية، فعلى الرغم من نقل صلاحيات من مستوى الوزارة إلى مستوى المدرسة إلا أن هناك تضارب مع هيئات أخرى تظل محتفظة بقراراتها على المستوى المركزى، ومثال ذلك صيانة المبنى المدرسى الذى يظل حكرا لهيئة الأبنية التعليمية على المستوى المركزى.

ومن الصعوبات الفنية أيضا ضعف القدرات والمهارات فى العديد من الموارد البشرية الأخرى مثل الموارد البشرية المتعلقة بالجوانب المالية مثلا، أو مهارات وقدرات الأخصائيين الاجتماعيين  ، والذين يتوقف عليهـم نجاح تطبيق اللامركزية لاسيما فى الجوانب المتعلقة بالمشاركة المجتمعية فى التعليم.

مشكلات اقتصادية

يرى البعض أن الاتجاه نحو تطبيق اللامركزية فى التعليم هو فى حقيقته نوعا من تخلى الدولة عن الإنفاق على التعليم فى المستقبل، وإلقاء عبء تدبير الموارد الاقتصادية على المجتمعات المحلية، وتنص القرارات الوزارية المتعلقة بتشكيل مجالس الأمناء والآباء والمعلمين على أن من أدوار المجلس تدبير الموارد وجمع التبرعات، ومع التسليم بأهـمية هذا الدور المجتمعى ومساهتمه فى التعليم إلا أن القدرات الاقتصادية تتفاوت من مجتمع محلى لآخر، مما قد يتسبب فى تفاوت فى مستوى تقديم الخدمة التعليمية على مستوى الجمهورية وربما داخل المحافظة الواحدة.

صعوبات اجتماعية

إن التطبيق المفاجىء للامركزية دون تمهيد على مراحل طويلة قد يؤدى إلى نقل المشكلات الاجتماعية من المجتمع المحيط إلى داخل المدرسة، فرغم أهـمية المشاركة المجتمعية فى التعليم، إلا أن هذه المشاركة سوف تتأثر بالتوترات الاجتماعية مثلا فى المجتمع المحلى، والعصبيات فى المجتمع المحلى، وسوف تستبعد المرأة مثلا من المشاركة فى مجالس الأمناء خاصة المناطق التى تتسم باستبعاها، وهو الأمر الذى قد يعيد إنتاج هذه المشكلات فى المجتمع مرة أخرى.

صعوبات ثقافية

تتمثل هذه الصعوبات فى ضعف الوعى المجتمعى بماهية اللامركزية، ليست على مستوى المجتمعات المحلية فقط، ولكن عند الكثير من أعضاء مجالس الأمناء أنفسهـم، إلى جانب ضعف ثقافة المشاركة المجتمعية، فقد شاهدنا فى مدارس عديدة تشكيل مجالس أمناء يضم شخصيات لا تعرف أنها عضوة، وأن هذا التشكيل يتم بشكل ورقى، واجتماعاته تتم بشكل ورقى، وحتى أنشطته.

توصيات

يتطلب نجاح تطبيق اللامركزية فى التعليم، وتحسين جودة الخدمة التعليمية العديد من التدخلات التى تعظم إمكانيات تطبيقها، وتذلل الصعوبات التى تواجهها، ويمكن صياغة ذلك فى التوصيات التالية:

-القضاء على التضارب فى الاختصاصات.

-تبنى طرق جديدة لاختيار مديرى المدارس.

-التعريف بالقوانين المنظمة للامركزية فى التعليم على مستوى المدرسة.

-تدريب الموارد البشرية المختلفة ورفع قدراتها.

-سد العجز فى الموارد البشرية، لاسيما المتعلقة بالأنشطة والخدمات.

-تبنى مبادرات المجتمع المدنى للتوعية بالمشاركة المجتمعية فى التعليم.

د. خالد عبد الفتاح

مدرس علم الاجتماع بآداب حلوان

ورقة مقدمة لورشة عمل

اللامركزية والخدمات العامة : التعليم ، الصحة ، الشباب

مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان

(19-20 أكتوبر 2012)

المصدر: موقع مؤسسة ماعت للسلام

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار