بينما يُحَقِّق الإسلام السياسي المُمَثَّل في “حركة طالبان” الأفغانيّة انتِصارًا كبيرًا، ويُلحِق هزيمةً كُبرى بالولايات المتحدة، القُوّة الأعظم في العالم، يتلقّى آخِر أحزاب الإسلام السياسي في السّلطة في المنطقة العربيّة، والمملكة المغربيّة على وجه التّحديد، هزيمةً كُبرى مُهينة في الانتِخابات البرلمانيّة الأخيرة، لم تقتصر على إخراجه من الحُكم فقط، وإنّما نقلته أيضًا من المرتبة الأُولى إلى المرتبة الثّامنة (13 مقعدًا فقط) في ذيل خريطة الأحزاب السياسيّة.
لن نبحث في هذه الافتتاحيّة في الأسباب المحليّة والتنظيميّة التي تَقِف خلف هذه الهزيمة، فهذا نَترُكه للمُحلّلين المغاربة، وسنُرَكِّز فقط على العناوين الرئيسيّة، وأبرزها انجِرار الحزب وقِيادته المُمثَّلة بالسيّد سعد الدين العثماني إلى مِصيَدة التّطبيع التي نصَبتها له بذَكاءٍ كبير الدّولة المغربيّة العميقة، لتَدمير شعبيّته وحَرفِه عن ثوابته الإسلاميّة، وتراجعه عن كُل وعوده للقاعدة الشعبيّة الواسعة والغالبيّة المسحوقة فيها، وهو مفتوح العينين.
التّطبيع مع دولة الاحتِلال، وتوقيع السيّد العثماني شخصيًّا بصفته رئيسًا للحُكومة، ورئيسًا لحزب العدالة والتنمية، على اتّفاق “سلام أبراهام”، كان انقِلابًا على ثوابت الحزب وهُويّته الوطنيّة، وإرثه السّياسي العميق، وتخلّيه عن قاعدته الشعبيّة المسحوقة ومطالبها العادلة في المُساواة والعدالة الاجتماعيّة، ولُقمَة العيش المغموسة بالكرامة، فجاء العِقاب صاعِقًا، والصّفعة قويّة مُؤلمة.
كان من المُفترض أن تستوعب قيادة الحزب رسالة الدّولة العميقة (المخزن) التي تمثّلت بما يُسَمَّى “البلوكاج” بعد انتِخابات عام 2016، وتنسحب من السّلطة، تضامُنًا مع زعيمها عبد الإله بن كيران، الذي نختلف معه في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” في العديد من طُروحاته، تقليصًا للخسائر، ولكنّها لم تفعل، واختارت السيّد العثماني “المُهادِن” الطّامح للكرسي للبقاء في الحُكم على أمل مُضاعفة المكاسب، وتقليص الخسائر، ولكنّها مُنِيَت بفَشلٍ كبير على الصُّعُد كافّة، وعرّضت الحزب ومُؤسَّساته لضربةٍ قاضية قد لا يَخرُج من آثارها الصّادمة لعُقودٍ طويلة.
الدّولة المغربيّة العميقة استَطاعت بدهائها، وغباء خُصومها، أن تُضعِف أكبر حزبين في المغرب، الأوّل هو الاتّحاد الاشتراكي (يساري)، والثّاني حزب العدالة والتنمية (إسلامي)، والطُّعم هو كُرسي الحُكومة، وغباء بعض القِيادات وقِصَرِ نظرها.
المزيد من المشاركات