البابور الموقع العربي

كيف أثرت المنظمات الأجنبية غير السياسية في سياسات السلطة الفلسطينية؟

392

ناصر دمج

لو سألتني، هل الفقير هو المدين الذي يملك المال في الوقت نفسه ؟ لقلت لك نعم، سواء كان مواطناً أو دولة أو مؤسسة لكنه مقترض من البنوك المحلية أو الدولية، لأن الغني هو الذي يعيش على حواف الكفاف، لكن بلا ديون، والفقير هو المديون حتى لو كان في جيبه نقود، سواء كان دولة أو فرد أو شركة أو جمعية.

يمكن القول: بأن هذه الحقيقة شكلت المكون الأول للفكر النيوليبرالي للرأسمالية المتجددة، التي انتزعت سيادة الدول وفككت الاقتصادات القومية وفتتت تجمعات الثوريين واليسارين؛ ووظفت طاقاتهم الكامنة لمحاربة الاشتراكية وهم يعتقدون العكس، لأنهم استبدلوا سعيهم للحصول على الأسلحة بسعيهم للفوز بالرواتب، وتحوّل الفنانين والمثقفين إلى مجرد ساعين للفوز بجائزة نوبل، وصانعي الأفلام إلى مجرد لاهثين وراء جوائز الأوسكار .

كيف أثرت المنظمات الأجنبية غير السياسية في سياسات السلطة الفلسطينية؟

تلك المنظمات جعلت من فلسطين ميدان عملها المفضل، فتكاد لا تخلو مؤسسة أهلية أو حكومية أو حتى مشروع صغير أو متوسط من وجودها، ورويداً رويدا أستحوذت على جزء من دور الحكومة الفلسطينة في إدارة وتوجيه المشاريع، وأضحت جهات مقررة ومتحكمة بمصير آلاف الموظفين وعائلاتهم من العالمين في NGOS نظرًا لقوتها المالية الجبارة، بعد أن رسخت وجودها في المجتمع تحت شعارات نشر الديمقراطية، والخير الاجتماعي وحقوق الإنسان والبيئة، وتحقيق المساوة والعدالة الاجتماعية ونصرة المستضعفين، لكنها عمليًا لم تحقق شيئًا أهدافها.

من هي وما غاياتها ؟

ظهر هذا النمط من أنماط التمويل مطلع القرن العشرين، وبدء دور الشركات وأذرعها التمويلية يحل محل دور الجمعيات التبشيريّة التي كانت ممولة من تبرعات الكنائس، وهي خطوة أسهمت في تدشين النظام (الرأسمالي – الإمبريالية) في عام 1717م.

بعد الحرب العالميّة الثانية، شكّل الشيوعيون وحركات التحرر في دول الجنوب، الخطر الأوّل على النظام الرأسمالي في العالم، فنشأت حاجة لابتكار أو تطوير أدوات مواجهة وإحتواء الخطر، ومنها تحديث دور المنظمات غير الحكومية، وجميعها تابعة لشركات رأسمالية كبرى في أوروبا والولايات المتّحدة، ومنها “مؤسسة كارنيغي – Carnegie” التي تأسست في عام 1911م و”مؤسسة روكفلر” التي تأسّست في عام 1914م، وشركة “ستاندرد أويل-Standard Oil” وشركة (وكالة التنميةICON ) الألمانية، و(أدم سميثAdam Smith International )البريطانية، (شمونيكس – Chemonics) الأمريكية، و(CHFInternational) ومؤسسة فورد الأمريكية للإنشاءات التي تأسست في عام 1936م، وهي إحدى أشهر المؤسسات المموّلة لمنظمات المجتمع المدني الأمريكي، وتعمل بشكلٍ وثيق مع وزارة الخارجية الأمريكية، وكل ما يخدم أهداف وخطط تلك الوزارة، سيما مشروع “تعميق الديمقراطية والحوكمة الرشيدة” هو جزء كبير من مخطط “بريتون وودز” لتعزيز الكفاءة في السوق الحرة.

كما موّلت فورد مشاريع (مؤسسة RAND للأبحاث والتطوير)، وهي مؤسسة فكرية عسكرية أنجزت بحوث حول الأسلحة الدفاعية، استخدمت لمنع الجهود الشيوعية من إختراق الدول الغربية خلال فترة الحرب الباردة.

وتموّل مؤسسة فورد، بملايين الدولارات الفنانين وصانعي الأفلام والناشطين، وتقدم هبات سخية للمنح الجامعية والدراسية؛ وتشمل أهدافها مستقبل البشرية، عبر التدخل في الحركات السياسية الشعبية المحلية والدولية وتغيير إتجاهاتها.

كما قدمت مؤسسة فورد في الولايات المتحدة، ملايين الدولارات على شكل منح وقروض لدعم العمال؛ فحوّلت الطبقة العاملة الأمريكية إلى أشخاص مدينين بشكل دائم، يعملون جاهدين لسد قروضهم واللحاق بحياتهم، وكانت تلك القروض لعنة دفعت بجزء عظيم من المقترضين إلى الإنتحار.

دور المنظات غير الحكومية في رسم سياسات الحكومات، وتغير أنماط تفكير الشعوب

تزامن ظهور دور تلك المنظات مع تشكيل هيئة الأمم المتحدة، التي شيدت فوق قطعة أرض تبرع بها ورثة الثري اليهودي “جون دافيسون روكفلر” مؤسس ومحتكر صناعة النفط في الولايات المتحدة، في عام 1945م، وهم الذين يمولون المنظمات غير الحكومية الأمريكية كافة، بما فيها الهيئات والكيانات التابعة للأمم المتحدة على كثرتها وتنوعها.

وقد يكون من غير المعروف؛ لجمهور القراء وخاصة العربي، بأن مؤسسة روكفلر تمول العديد من المؤسسات السيادية الأمريكية وفي مقدمتها وكالة المخابرات المركزية (CIA) ومجلس العلاقات الخارجية، ومتحف الفن الحديث في نيويورك، ومركز روكفلر في نيويورك، كما أن عائلة روكفلر اليهودية، هي التي قدمت قطعة الأرض التي شيد فوقها مبنى الأمم المتحدة وساهمت في بناءها وتجهيزها بالكامل؛ كما أن عائلتي روتشيلد وروكفلر تمتلكان بنك الإحتياط الفدرالي الذي يقوم مقام البنك المركزي في الولايات المتحدة الأمريكية ويتحكم بحركة الدولار المريكية وحركة النقد في كافة بنوك العالم تقريباً.

ربع قرن من التضليل الإنمائي في فلسطين

عند تتبع أي أثر لبرامج الدعم والتمويل الأجنبي في فلسطين، فلن تجد أي أثر مستدام لهن، باستثناء بعض المشاريع غير المساهمة في بناء إقتصاد فلسطيني حر ومستقل، وهي من قبيل تعبيد الشوارع أو حفر بعض آبار المياه غير المؤثرة على تزويد المستعمرات بالمياه.

وهذا لا يعني أن تلك البرامج كانت مضلله فحسب، بل تسببت بهدر ربع قرن من الانتظار والتأمل، علقها المنتظرون لمردود تلك المشاريع، التي لم تسهم في تشغيل العمالة والخريجين الفلسطينيين، ولا في تخفيض معدلات البطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي تجاوزت في الضفة الغربية وفقاً لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) لعام 2019م، حد الــ (37%) وإلى (50%) في قطاع غزة، وصل مؤشر الفقر بين الفلسطينيين إلى (48%)، حيث يعيش (37%) من سكان الضفة الغربية تحت خط الفقر، و (80%) تحت الخط نفسه في قطاع غزة !

لماذا ؟

لأن خطط التنمية ومشروعاتها المتعثرة في مناطق السلطة الفلسطينية، الممولة من البنك الدولي والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وغيرهم، لم تقم ببناء مشاريع اقتصادية ملائمة للمجتمع الفلسطيني، تساعده في تعزيز الإنتاج المحلي وتطويره كمفاعل أساسي من مفاعيل التنمية المستدامة، لأن المانحين لم يكن في واردهم الاهتمام بهذه المحاور بمقدار اهتمامهم بالمعايير الصارمة التي يفرضونها على متلق المساعدات الفلسطيني، سواء كان السلطة الرسمية أو مؤسسات المجتمع المدني، وهي معايير تستهدف وعلى المدى البعيد خلق الظروف والبيئة السياسة والاجتماعية والاقتصادية المناسبة لتحقيق هدف قبول التعايش مع الاحتلال، وإدامته فوق التراب الفلسطيني، أي جعله احتلال مستدام، وهذا بديل موضوعي للتنمية المستدامة.

ومن أغرب شروط المانحين الفظة والمنافية لأهداف التنمية الحقيقية في فلسطين، إنها تمتنع عن دعم المشاريع الفلسطينية في مناطق (B) و (C)، إلا بشروط إسرائيلية مسبقة، وتحول هذا القيد إلى شرط مقدس لا يمكن تجاوزه بالنسبة لهم، وانحصر دعمهم للمشاريع المنفذة داخل حدود الولاية الفلسطينية (مناطق A)، أما الموافقة من قبلهم على تمويل أي مشروع خارج هذه المنطقة فإنه يحتاج إلى دراسة إسرائيلية معمقة، ومن ثم موافقة مكبلة بالشروط والقيود، وهو أمر يتم بعد تأكد إسرائيل من أن هذا المشروع أو ذاك لا يتعارض مع أهدافها وخططها المستقبلية، إن لم يكن خادماً لها!.

تأهيل الفلسطيني للتكيف مع وجود الاحتلال الإسرائيلي

كان يمكن ملاحظة وجود هذه الغاية، في العديد من مشاريع الدعم الغربية المقدمة للشعب الفلسطيني، ومنها على سبيل المثال، المقترح الذي قدمه (توني بلير) منسق اللجنة الرباعية المقيم في القدس منذ عام 2007م، والذي طالب فيه بإنشاء حواجز تفتيش عسكرية خاصة بالسياح والأجانب في الضفة الغربية، تكون أقل قسوة من تلك التي يمر عبرها الفلسطينيون، وهو اقتراح لا ينطوي على محاولات تكيف المانحين مع شروط الاحتلال الأمنية والعسكرية، بل وأضاف إليها مسحة عنصرية سافرة في تمييزها بين البشر، وهو أمر مناقض لمبادئ وأهداف تلك الدول المعلنة بهذا الخصوص، ويمثل قمة الاندماج بين رؤية وأموال المانحين وشروط إسرائيل الأمنية المقدسة، التي كرست تقطيع الضفة الغربية، واعتنقها المانحون كبديل للإطلاق الحر لمشروعات التنمية المستدامة، وحفر أساسات صلبة لها داخل التراب الفلسطيني، للبناء عليها من قبلهم فيما لو كانوا صادقين في دعمهم للشعب الفلسطيني، ونقله من مرحلة الاحتلال إلى مرحلة الدولة. 

بعد مرور 25 عاماً على تأسيس السلطة الفلسطينية، لم يحصل الشعب الفلسطيني على أي نتيجة ملموسة في مضمار التنمية ذات الأثر التراكمي الناتج عن تدفق أموال المانحين فحسب، بل حصل على نتيجة لم تكن واردة في حساباته، وهي احتلال مؤسساته المدنية من قبل جيوش الخبراء والمستشارين الغربيين المرتبطين بمؤسسات استخبارية إسرائيلية، وأخرى تخص بلدانهم، حدث ذلك كنتيجة مباشرة للتدخل الوظيفي اليومي المفرط، من قبل المانحين في هذه المؤسسات خلال الخمس والعشرين عاماً الأخيرة، والتي تمكن خلالها المانحون من صناعة وصياغة مفاهيم وقيم جديدة داخل هذه المؤسسات، أصبح مجموعها يشكل ظاهرة جديدة داخل المجتمع الفلسطيني له نظرته الخاصة والجديدة للحياة، من أبرز تجلياتها تحول (موظفيها الفلسطينيين) إلى مخبرين وعابثين بمستقبل شعبهم بعلمهم وبدونه، ومقاولين لأفكار المانحين الجديدة المزينة برداء الليبرالية الجديدة، والديمقراطية والحوكمة والشفافية، ومحاربة الفساد والحكم الرشيد، وخلق المناخ الملائم لتنمية القطاع الخاص، وإصلاح القطاع الحكومي، وخلق ظروف الاستقرار كبيئة مناسبة لتوفير المناخ اللازم لنجاح المشاريع، وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا بعد نبذ العنف (المقاومة) وازدرائه، وتحولت المساعدات الدولية إلى آلة ضخمة لنزع الصفة الوطنية عن هذه المؤسسات، وتوظيفها في إطار تهيئة الظروف السياسية والنفسية والاجتماعية للتعايش الدائم مع الاحتلال.

من أجل ذلك وغيره، علينا أن نعلم بأن المبالغ المالية الغربية المقدمة للشعب الفلسطيني من خلال مؤسسات المجتمع المدني فقط، منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994م إلى نهاية عام 2020م  تجاوزت (25مليار) دولار أمريكي وفقاً لأرقام (البنك الدولي World Bank)، ومن المرجح أن تكون الأرقام أعلى من ذلك بكثير بسبب تعدد وتنوع قنوات التمويل الخارجية للداخل الفلسطيني، “وعدم إشراف السلطة الفلسطينية، على ما يتدفق من أموال إلى هذه المؤسسات المعروفة وغير المعروفة، يعني ذلك بأن الدول المانحة حولت ما قدره (550مليون) دولار في السنة، حصة المواطن المفترضة منها تعادل (150) دولار، وهذه الأرقام لا تشمل المساعدات التي تقدمها (الأونروا) للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

بعد عام 2000م، زادت هذه المساعدات لتصبح مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل (308) دولار للمواطن سنوياً، وبقي الدعم حول هذا المعدل إلى نهاية عام 2002م، ويعتبر هذا المستوى من الدعم الخارجي هو الأعلى على مستوى العالم، إذا ما قورن مثلاً بالمساعدات الخارجية المدفوعة للبوسنيين في تسعينيات القرن الماضي، سنعلم بأنها لم تكن تتجاوز (215) دولار للفرد البوسني”. (المصدر- آن لومور، المساعدات الدولية للفلسطينيين بعد أوسلو، عقدة ذنب سياسية ومال مهدور، راوتلادج أندن ونيويورك، 2008م  ص 179)

وفي أعوام 2007م و2008م و 2009م 2015م، ارتفع مستوى الدعم الخارجي ليصل إلى (6 مليارات) دولار سنوياً، بمعدل (1500) دولار للمواطن سنوياً، وذلك “وفقاً لتقديرات البنك الدولي أيضاً، الذي اعتبر هذه الأرقام أكبر منحة عرفها التاريخ”. (المصدر- بانجمين بارت، حلم رام الله رحلة في قلب السراب الفلسطيني ص 123)

أما بالنسبة للدعم المالي الخارجي المقدم للسلطة الفلسطينية، فإن القسم الأكبر منه يدخل خزينة وزارة المالية لتغطية فاتورة الرواتب الشهرية، ومساعدة الموازنة العامة، والإنفاق على بند المساعدات الإنسانية والاجتماعية العامة، ودعم خطط (مشاريع التنمية) التي شبهها بانجمين بارت بأنها تأخذ لنفسها شكل لائحة المشتريات، أكثر منها خطة مقنعة للآخرين، وسلسلة من المشاريع التي تنشد التمويل، ويشوبها نقص الرؤية الاستراتيجية، وتفشل في معظم الأحيان في التصدي لمشاريع مضادة يعدها المانحون أنفسهم بخبرات ومشورات إسرائيلية ثاقبة، أما تلك التي كانت تحظى بدعم المانحين فإنها كانت تذهب ضحية تعثر التنفيذ بسبب الهزات القوية والأحداث الطارئة في المنطقة، كما كان مصير (خطة التنمية الحكومية عام 1999م) بسبب إندلاع انتفاضة الأقصى، ومصير خطة التنمية عام 2005م.

واستخلاصاً للعبر من كل ما تقدم، أشرف د. سلام فياض على إعداد خطة شاملة للإصلاح والتنمية بعنوان (الخطة الفلسطينية للإصلاح والتنمية PRDP) وكانت تطمح هذه الخطة إلى برمجة عمل السلطة الفلسطينية، “من عام 2008م إلى عام 2010م، وراعت للمرة الأولى في تاريخ السلطة الفلسطينية ربط محاور الموازنة بأهداف التنمية الإنسانية المأمولة في الضفة الغربية وقطاع غزة، لأن سلام فياض كان يتطلع إلى تهيئة المناخ الجيوسياسي في مناطق السلطة الفلسطينية، لإعلان الدولة في نهاية عام 2011م، وقدم فياض هذه الخطة لمؤتمر باريس المنعقد في 17 كانون الأول 2008م، فحصد فياض وعوداً موثوقة بـ (7.7 مليار) دولار للسنوات الثلاث التالية، وهو رقم أكبر من المبلغ الذي طلبه والمبين في خطته وهو (5.7 مليار) دولار، وهو أمر نادر الحدوث في مضمار المساعدة الخارجية، لكن ما حدث بعد ذلك هو أن المانحين دفعوا لخزينة السلطة بين عامي 2008 – 2010م، (4.4 مليار) دولار،  ودفعوا  (2.2مليار) كمساعدات إنسانية بما فيها الدعم المقدم للانروا، ودفعوا (1.2 مليار) دولار لمؤسسات المجتمع المدني”. (المصدر- بانجمين بارت، حلم رام الله، رحلة في قلب السراب الفلسطيني ص 126)

بعد ذلك أعلن د. سلام فياض، عن عدم تمكن حكومته من دفع رواتب الموظفين العموميين في الربع الأخير من عام 2011م، بدلاً من الإعلان عن الدولة التي أمضى ثلاث سنوات من عمره يتحدث عن اكتمال بناء مؤسساتها، وهو إعلان عبر ليس عن فشله في تقدير الموقف السياسي المحيط به، بل وعن قصوره في تقدير الموقف الاقتصادي بكل مكوناته وخصائصه الفريدة، والمانعة لإنفاذ حُلمه على الأرض، وبسبب وجود إسرائيل كعائق عنيد في وجه تطلعاته المشروعة، وبسبب التوظيف المدمر للأموال المتدفقة من الخارج إلى الداخل الفلسطيني.

الأمر الذي تسببت بتحميل الشعب الفلسطيني دين عام مقداره (4.3مليار)دولار وذلك وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي حول الحالة الاقتصادية للسلطة الفلسطينية الصادر في شهر تشرين الأول 2013م، وجاء فيه: “زاد الدين العام للضفة الغربية وغزة من نحو ( 2.3 مليار) دولار أميركي إلى مبلغ يقدر بنحو (4.3 مليار) دولار في منتصف العام 2013، أو من (26 %) إلى (38 %) من إجمالي الناتج المحلي”. واستدرك: “رغم أن الدين العام لا يزال أقل بصورة هامشية من الحد البالغ (40%) من إجمالي الناتج المحلي المنصوص عليه في قانون الدين العام، فإن زيادة المتأخرات تشير إلى أن مستوى الدين الحالي مرتفع للضفة الغربية وغزة”.

ويتكون الدين العام للسلطة الفلسطينية من دين محلي ومعظمه دين قصير الأجل، ويشكل (7.6%) من الدين العام، مقدم من البنوك المحلية والأردنية، بأسعار فائدة تتراوح من (4%) على القروض إلى (7.8%) على السحب على المكشوف، ودين خارجي طويل الأجل، مقدم من أطراف دولية في مقدمتها صندوق الأقصى والبنك الدولي. (المصدر –  ناصر دمج، معضلات إستراتيجية، الفصل الخامس، معضلة برامج التنمية في فلسطين (أموال المانحين وفشل برامج التنمية) ص 173 –  185)

وهذا وضع يتطلب إطلاق أكبر ورشة نقاش على المستوى الوطني، لوقف هذا العبث الذي سيضع الشعب الفلسطيني في مقدمة الشعوب المديونة وهي تحت الاحتلال، ويقودنا إلى الاستفسار عن مصير مشاريع التنمية، التي دفع بالآلاف منها للمانحين، ولم نرى لها أي ناتج على الأرض.

مما لا شك فيه أن الوضع كان من الممكن أن يكون مختلفاً بالكلية، فيما لو وظفت تلك الأموال ضمن خطة تنمية وطنية جامعة لبناء مشاريع إنتاجية معززة للنمو، ومساهمة في لجم غائلة البطالة ومعضلة الفقر، ولكانت النتيجة أفضل مما كانت عليه في نهاية عام 2013م، دون ذلك لن يتمكن الشعب الفلسطيني من حل مشاكله الأساسية المعيقة لتقدمه والمتمحورة حول البطالة والفقر، وهو أمر لن يتحقق إلا بنجاح مشاريع التنمية المستدامة التي تحتاج إلى تظافر الكل الوطني كما يحتاج جهد تحرير فلسطين للتظافر ذاته.

وما يزيد من قتامة المشهد التنموي في فلسطين، هو فشل السلطة الفلسطينية، وفقاً لمؤشر مؤسسة (جيني النرويجية) المتخصصة برصد سياسات الحكومات على مستوى العالم، المتعلقة بتوزيع الدخل القومي على الشرائح السكانية المختلفة، وذلك من خلال منظومة مقاييس ومؤشرات اجتماعية واقتصادية خاصة بها، منها مستوى دخل الفرد السنوي، ومعدلات الفقر البطالة، والتأمين الصحي والعمل اللائق والأمن التشغيلي، وتوفير السكن، والمواصلات والاتصالات، والتعليم والعيش الكريم، فتبين لهذه المؤسسة بأن السلطة الفلسطينية، هي ثاني أسوء نظام سياسي بعد دولة كينا، في إدارة وتوزيع عائدات الدخل القومي على شرائح السكان.

حدث ذلك بالتزامن مع نشر دائرة الإحصاءات المركزية الإسرائيلية، في تشرين الأول 2013م، لاستخلاصاتها حول نفس مجالات الحياة بالنسبة للمواطن الإسرائيلي خلال العشرة أعوام الأخيرة (2003- 2013م)، فتبين لها بأن المواطن الإسرائيلي العادي جنى ثمار تسارع النمو الاقتصادي الإسرائيلي خلال هذه الفترة، وهو بطبيعة الحال نمو تراكمي مبني على ما سبقه من نمو الأعوام الماضية، وساهم في تحسن الوضع الاجتماعي والاقتصادي لسكان إسرائيل، بعد تمكن السياسات الإسرائيلية من حل مشكلات السكان المتصلة بالبطالة والتأمين الصحي والعمل اللائق والأمن التشغيلي، وتوفير السكن، والمواصلات والاتصالات، والتعليم والعيش الكريم، يعني ذلك بأن الإسرائيليين في العقد الأخير أصبحوا أكثر ثراءً وأكثر أمناً ويتمتعون بصحة أفضل، بينما الفلسطينيون أصبحوا أكثر فقراً ومرضاً وشقاءً، وأقل ثقة بالمستقبل.

استنتاج

ألحقت المساعدات الدولية أضراراً ملموسة وأخرى كامنة في حاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني، وذلك بفضل مجموعة كبيرة من الخطط والأخطاء المدروسة التي تسببت فيها طرق تصميم، وأساليب تنفيذ برامج المعونات الدولية، ومن أبرز هذه الأضرار:

1-  تحول وكالات التنمية، ومكاتب المتعهدين الغربيين الخاصة، التي تدير أموال الأسرة الدولية، والتي تتقاضى أجرها من خلال الموارد الإنسانية، أي من القيمة المالية الأصلية المقيدة على اسم الشعب الفلسطيني، إلى أبرز معيق في وجه التنمية، ويتجلى هذا الأمر في العديد من المسائل منها رواتب الموظفين والمستشارين الدوليين، وهي لا تقل عن (1000) دولار يومياً لكل منهم، أي ما يوازي رواتب ثلاثة موظفين فلسطينيين – صغار – شهرياً، ومصاريف إدارية لا حصر لها، علماً أن تلك الوكالات تقوم بحسم (10%) من قيمة رواتب مستشاريها وموظفيها، وهذا ما يفسر لنا سبب التعرفة المرتفعة لرواتبهم، وهذه الوكالات على اختلاف مسمياتها تفضل استقدام خبراء أجانب على أن توظف خبراء محليين عملاً بقاعدة الـ (USAID) التي تقول: “بأن الأموال الأمريكية يجب أن تستفيد منها الشركات الأمريكية قبل الآخرين”.

2- غض البصر الذي تمارسه السلطة الفلسطينية على عمل هذه الوكالات، سهل مهام تخريبها للمجتمع الفلسطيني، وهو قصور قانوني وسيادي غير مسبوق، لأن السلطة الفلسطينية لا تملك حق مراقبتها ومتابعتها، كما تفعل مع منظمات وجمعيات المجتمع المدني الفلسطيني، ووكالة التنمية الأمريكية (USAID) تجسد أمامنا هذه الحقيقة تماماً، ويعود ذلك إلى قرار الرئيس عرفات بإعفاء هذه الوكالة من الحصول على الإذن اللازم للعمل من وزارة الداخلية الفلسطينية أو غيرها من جهات الاختصاص الفلسطينية، عندما باشرت عملها في مناطق السلطة عام 1994م، وذلك لسببين:

الأول، لأنها تعمل في مناطق السلطة منذ بداية تسعينيات القرن العشرين، والثاني، لفته كريمة من عرفات نحوها، لكنها لم تكن أبداً مع من يستحقها.

فمنح هذا الأمر الوكالة الأمريكية وبناتها، الحصانة التي تلزمهم في التصدي لأي محاولة فلسطينية لمعرفة ما يقمن به، علماً أن هناك ضرورة ملحة وبمعايير وطنية خالصة لمعرفة عمل هذه الوكالة وغيرها، التي يديرها كما هو معروف ضباط سابقون من السي أي أيه أو الجيش الأمريكي أو وزارة الخارجية الأمريكية، ممن أنهوا خدماتهم في المؤسسات السيادية في بلادهم، وواصلوها في الضفة الغربية، ولعل خلفية مدراء هذه المؤسسة وغيرها تشير إلى ماهية الدور الكامن لوظائفهم.

3-  التدخل في شؤون المؤسسات السيادية الفلسطينية، لأنه لا يوجد ما يمنع ذلك فإنه يتواصل بشكل فظ ومضر بالمصلحة الوطنية العليا، تحت مظلة إدارة المشاريع التي تمولها الدول الغربية، ولكثرتها فإن وجودهم داخل العديد من الوزارات أصبح موازياً لوجود الموظفين الأساسين فيها، وخاصة قطاعات القضاء والتربية والتعليم والصحة والأمن العام، يحدث ذلك دون أي قدرة فلسطينية على اعتراضهم، دون أي قدرة على سؤالهم أو محاسبتهم في حال ارتكابهم لأي أخطاء، ما يعطي انطباع بأنهم يعملون في إدارة موازية للإدارة القائمة التي جاؤوا لدعمها، لكنهم في الحقيقة يقومون ببناء نظام بديل لها، سيكون قابلاً للتجسيد في لحظة ما، من أجل ذلك فإن صلاتهم واحتكاكهم بكوادر القطاع الذي يتواجدون داخله تحت عنوان (إصلاحه) فأنها تهدف إلى الاستفادة من خبراتهم لإتمام بناء (نظامهم البديل) فقط لا غير، وهذا أمر من الأمور الكثيرة والغامضة تماماً بالنسبة للشعب الفلسطيني، وحتى بالنسبة للفلسطينيين الذي يعملون معهم، وهو أمر لا ينطوي على خرق فاضح لأسس العلاقة السليمة بين الدول، بل يشكل نوعاً من أنواع الاستلاب والاستباحة الفظة لمؤسسات السلطة، المفترض أن لها سيادة داخل حدود مقراتها، ويضر بفعالية وإنتاجية المساعدات الدولية المقدمة للفلسطينيين.

وللاستدلال على وجود هذه المعضلة من معضلات فشل برامج التنمية، يمكننا التوقف عند نتائج مشروع (Flagship) الممول من وكالة التنمية الأمريكية USAID)) والمخصص لتطوير قطاع الصحة الفلسطينية، الذي أطلق عليه مصمموه اسم (Flagship) أي بارجة القيادة بسبب ميزانيته الكبيرة التي تبلغ 80)مليون( دولار، وهي أكبر ميزانية للأسطول الأمريكي الذي يسير فوق اليابسة في مناطق السلطة الفلسطينية، وتديره وكالة(Chemonics) وهي شركة متخصصة في إنفاذ مشاريع التنمية في أمريكيا الشمالية، ويتألف المشروع من أربعة أقسام، الأول: إعادة صياغة طرق وقواعد العمل داخل الوزارة، الثاني: وضع نظام تدريب متواصل للأطباء، الثالث: إنشاء شبكة إعلام صحية، الرابع: تدريب موظفي المستشفيات وتوفير المعدات اللازمة للعمل. (المصدر – بانجمين بارت، حلم رام الله، رحلة في قلب السراب الفلسطيني، ص 139و 140و 141)

لكن الشركة المنفذة، أسوة بوكالات التنمية، كانت تحسم )10%( من رواتب الموظفين الأمريكيين والعرب العاملين في هذا المشروع، فذهب الجزء الأكبر من ميزانيته (80 مليون( دولار للمعاشات، ومصاريف أدارية أخرى لا حصر لها، وعند اقتراب المشروع من نهايتة حظي بتقييم )30%( في إنجاز العمل المطلوب منه.

يقودنا هذا مباشرة إلى التوقف أمام الجانب الآخر لمشاريع الدعم الخارجي وهو (الجانب الربحي)، لأن مشاريع دعم التنمية الغربية على اختلاف جنسياتها هي مشاريع مربحة لوكالات التنمية المصممة لها، وللشركات المنفذة، مثل: شركة (وكالة التنميةICON ) الألمانية، و(أدم سميث (Adam Smith International البريطانية، و(شمونيكسChemonics) الأمريكية، و(CHFInternational) وغيرهن كثر، مضاف إليهن الاقتصاد الإسرائيلي كرابح أكبر من مجموع المساعدات الدولية المخصصة لدعم التنمية في مناطق السلطة الفلسطينية، من خلال طرق ووسائل عديدة، منها التحويلات المالية الكبيرة التي تمر عبر البنوك الإسرائيلية، والعمولات المصرفية الناتجة عنها، وتخزين البضائع والسلع المرسلة إلى قطاع غزة، بسبب الحصار المفروض عليها، حيث يتم احتجاز المساعدات لأشهر طويلة في مخازن مملوكة لشركات إسرائيلية في موانئ إسرائيلية، مما يدر أرباحاً كبيرة عليها.

بالإضافة إلى جيش الخبراء والمستشارين العاملين في هذه الوكالات والشركات، الذين تصل معاشات بعضهم إلى (1000) يورو أو دولار يومياً، تقتطع منها الوكالات المشغلة (30%)، لصالح أرباحها، علماً أن مشروعاتهم غالباً ما تنتهي بالفشل المروع، أو بلا أي فائدة تذكر، وقبل ذلك يتم تقديم هؤلاء الخبراء كعلماء في مجالات إصلاح قطاع الأمن وإرساء أسس الحوكمة السليمة وإعادة الأعمار، ومعظمهم ممن عملوا في باكستان وأفغانستان والبوسنة والعراق، بسبب ذلك فهم يحملون في حقائبهم مشاريع وقوالب لخطط جاهزة نفذت في تلك البلدان، وحاولوا تنفيذها في فلسطين، فلاقت الفشل الذريع بسبب الفوارق الهائلة بين تلك البلدان وفلسطين، لكن النتيجة وفقاً لـ “بانجمين بارت” كانت في فلسطين مربحة أكثر بالنسبة لهم، بسبب قلة المخاطر التي تهدد أعمالهم ووجودهم وإقامتهم الدائمة في القدس الشرقية ورام الله.

وقد كان لهذا الجهد الغربي ثلاث نتائج مدمرة داخل المجتمع الفلسطيني، هي: إبطاء عملية التنمية وإفشال أسسها، لأن المشاريع التي صممت كانت تتوقف في نفس اليوم الذي يتوقف فيه دعمه الخارجي، وتهميش الخبرة الفلسطينية المحلية لصالح خبرات وافدة وبمعاشات ساهمت في تأكل موازنات المشاريع ذاتها، التي كانت تتوقف في النهاية بسبب نقص الأموال، يضاف إلى ذلك إصرار جزء من المانحين على إنجاز مشاريع باهظة الثمن وهي بدون أي جدوى تذكر، إلى ذلك قدم لنا بنجامين بارت مثال صارخ على هذا الأمر، وهو على النحو الآتي:

“قامت وكالة التنمية الألمانية (ICON)، التي كانت تشرف على إنفاذ الجزء الأول من برنامج )سيادة( المكرس لإصلاح النظام القضائي في السلطة الفلسطينية، بتكليف القاضي العسكري الألماني )كورنليس بلوك (Cornelis Blokغير الملم بالواقع الفلسطيني بإعداد تقرير عن)أخلاق القضاة الفلسطينيين(، في نهاية عمله أنجز تقرير مكون من سبعة عشر صفحة لم يقرأها أحد، لكن إقامته لمدة شهرين في فندق يقع في مدينة القدس الشرقية، وصلت إلى )100000 يورو( مضافاً إليها راتبه الخرافي الذي تجاوز)30ألف( يورو في الشهر، وبدل تذاكر سفره وتنقله داخل مناطق السلطة الفلسطينية”.

خلاصة

يمكن القول: بأن الأثر الأبرز، لتدخل المنظمات غير الحكومية الأجنبية في عمل المؤسسات الفلسطينية (الحكومية والأهلية)، أدى بادىء ذي بدء، لتحييد دور السلطة الوطنية في الإشراف الجوهري – بمعناه الوطني – على عمل تلك المؤسسات، وهو متغيير أدى إلى إستبدال عقيدتها الوظيفية، وأتاح المجال لصناعة مفاهيم وقيم جديدة داخل تلك المؤسسات، أصبح مجموعها يشكل ظاهرة جديدة داخل المجتمع الفلسطيني له نظرته الخاصة والجديدة للحياة، فحولها من مؤسسات وطنية تسهر على رخاء البلد وإزدهارها إلى عابثه بحاضره وبمستقبله.

وتحول العديد من الموظفين، ومدراء بعض المؤسسات لمخبرين ووشاة بأبناء شعبهم، وتدوين الملاحظات وكتابة التقارير حول تجاوزات السلطة كما يتم وصفها من قبلهم، طمعاً وحباً باستمرار التمويل الأجنبي واستولاد المزيد منه، سيما المؤسسات التي قبلت بالتوقيع على شروط الدول المانحة التي تضمنت نبذ الإرهاب وإدانة المقاومة الوطنية، وتنظيم الأسرة بهدف تخفيض معدلات الإنجاب لتسببها مستقبلاً بالتفوق الديمغرافي الفلسطيني المتوقع؛ على عديد المستوطنين اليهود في فلسطين؛ والتسامح مع المثليين وتشريع حقوقهم في الزواج والإنجاب.

ومن أبرز تجليات تأثير المنظمات الأجنبية غير السياسية في سياسات السلطة الفلسطينية، تمكنها من توسيع الجيوب الفلسطينية المعتنقة لليبرالية الجديدة، من مقاولي مشاريع المانحين المزينة برداء الديمقراطية والحوكمة والشفافية، ومحاربة الفساد والحكم الرشيد، والدعوة لخلق مناخ ملائم لتنمية القطاع الخاص، وإصلاح القطاع الحكومي، وتعزيز عوامل الاستقرار كبيئة مناسبة لنجاح المشاريع، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بنبذ العنف (المقاومة) وازدرائها.

تم ذلك بعد أن تحولت المساعدات الدولية إلى آلة تدخل جباره لنزع الصفة الوطنية عن هذه المؤسسات، لتقوية شوكتها للمساهمة مستقبلاً في ترسيم السياسات الكلية للوطن، وتمرير التشريعات المتماهية مع أهداف الوحش الرأسمالي، وتهيئة الظروف السياسية والنفسية والاجتماعية للتعايش الدائم مع الاحتلال.
أجلاً أو عاجلاً، ستتم مطالبة الشعب الفلسطيني برد الأموال التي تلقتها مؤسساته، وأنفقتها على المجالات الخطأ، وهذا يعني إخضاع حكوماته الحالية والمستقبلية لمزيد من الإبتزاز السياسي، الذي يصب في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي، وإلا واجهة خطر وقف التمويل والمطالبة بالمبالغ التي تم دفعها على مدار 25 عاماً الماضية، وجميعها مقيدة ومعالجة قانونياً، عند ذلك ما الذي يتوجب القيام به فلسطينياً للفرار من تراكم الديون على الخزينة العامة، التي يجب عليها أن تدفع دينها.

ناصر دمج: باحث ومؤرخ فلسطيني

المصدر: وكالة وطن للانباء

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار