البابور الموقع العربي

خلطة كنتاكي الإماراتية.. هل تطيح بثورة تونس؟

337

ياسر عبد العزيز

استطاع الكولونيل ساندرز، مؤسس إمبراطورية مطاعم كنتاكي، أن يحافظ على سر الوصفة السرية والسحرية، للدجاج المقلي الأكثر شهرة في العالم، ما جعل خلطة دجاج كنتاكي أحد أهم وأكثر الأسرار التجارية إثارة في الأسواق العالمية، ولعل الاتهامات بالتمويل أثناء الثورة المصرية في يناير 2011 من قبل الإعلام الموالي للنظام في حينها أن الثوار يأخذون خمسين جنيها ووجبة من الدجاج العالمي، وعلى الرغم من أن فرع المطعم المذكور في ميدان التحرير كان مغلقا أيام الثورة، ثم حطم بالكامل أثناء هجوم بلطجية النظام فيما سمي بــ “موقعة الجمل” إلا أن كنتاكي ظل حاضرا لفترة طويلة حتى بعد تنحي مبارك.

لكن الخلطات السرية ليست مقتصرة على الكولونيل ساندرز فهناك من يملك خلطات أخرى ومرتبطة أيضا بالثورات، لكنها هذه المرة مرتبطة بالثورات المضادة، وإليكم المقادير:

1. شيطنة التيار الإسلامي المقبول جماهيريا.

2. تجنيد الإعلام في مهمة تيئيس الشعب من الثورة حتى لو مر عليها سنين.

3. ‏إقناع الشعب بفشل الحكومة.

4. التضييق الاقتصادي على البلد بمنع الاستثمار والمعونات.

5. إقناع الشعب بفشل البرلمان.

6. إدخال البلاد في دوامة الفوضى الأمنية بعد تشكيل مجامع فوضوية تقوم بهذا الدور.

7. شراء ذمم قوات الأمن وبعض رجال الجيش لتمرير مخطط الفوضى وتأمين الانقلاب لاحقا.

8. شراء ذمم بعض القضاة ورجال النيابة لنقض عرى العدالة والتغاضي عن الانفلات الأمني.

9. تحريك تظاهرات من رافضي الثورة وأصحاب المصالح ومن ثم إقناعهم إعلاميا بفشل الحكومة.

10. تصوير مشهد التظاهرات بتقنية عالية وحرفية متناهية لإظهار الحراك على أنه رفض شعبي.

11. استجابة الجهاز الأمني لنداء الشارع بحل البرلمان وتعطيل الدستور

12. تنصيب شخص موال، له طموح وقابل للشراء.

13. دعم سياسي إقليمي وغطاء دولي تمرر من خلاله الطبخة.

هذه الخلطة التي لم تعد سرية في مكوناتها، السرية في تنفيذها، استطاعت الإمارات والسعودية بها أن تقضي على حلم ثورة شعبية عظيمة في مصر، ثورة كانت تحلم بأن يسترد الشعب كرامته وموارده، وأن يمارس ما يدعى لدى الديمقراطيين بتداول السلطة والمراقبة الشعبية ودفع الحكومة للشفافية من خلال هذه الرقابة، لكن تسفيه الرئيس والحكومة وإلهاء البرلمان في مسائل فرعية وضخ مليارات الدولارات في إعلام هادم، وتكوين مجموعات بلطجة ممولة من الداخل من رجال أعمال بدعم جبار من الخارج ماليا وتنظيميا (بلاك بلوك)، وعمل حملة شعبية لجمع توقيعات تدعو لإقصاء الحكومة والرئيس (تمرد)، ورفض دعاوى قضائية أمام دوائر بعينها للطعن في قانونية المجالس النيابية والتنفيذية، وإنزال الناس في الشارع لتصويرهم بتقنية عالية لتضخيم أعدادهم من خلال مخرج ماهر، للإيحاء بأن ثورة جديدة على النظام قد اندلعت (30 يونيو) استطاعت السعودية والإمارات ومن ورائهم الغرب والكيان الصهيوني أن تنهي حلم الثورة المصرية، وليس التيار الإسلامي، لأن الأحزاب والتكتلات الأخرى ذاقت مصير الإسلاميين فيما بعد.

في تقرير نشره حساب “مجتهد” السعودي على تويتر والمعروف بتسريباته المؤكدة والتي غالبا ما تكون صحيحة وتحدث، لأنها تأتي من مصادر موثوقة من داخل دوائر صنع القرار في السعودية، أكد أن خلطة بن زايد السرية تحضر الآن لإنهاء حلم الثورة التونسية، لكن المعلومات هذه المرة  تسربت لــ “مجتهد” من عدد من الذين انخرطوا في هذه الخطة ممن كانوا مخدوعين في البداية أن الهدف إنقاذ تونس من الفوضى ثم اكتشفوا أن هذه الحملة هي التي ستدخل تونس في الفوضى  وتسلم تونس لسيسي جديد، حتى ولو لم يكن من الجيش، لكنه سيكون مدعوما من الأجهزة الأمنية التي لا يزال نظام بن علي متوغلا فيها بعد عشر سنوات من ثورة الياسمين.

الرهان الآن على الشعب التونسي الواعي العاقل صاحب الشرارة الأولى لثورات الربيع العربي، المشهد الآن أكثر وضوحا والتجربة المصرية بادية أمام أنظاره

لن أخوض في تفاصيل المؤامرة كثيرا فحساب “مجتهد” مازال يحتفظ بالتفاصيل وعلى الشعب التونسي أن يطلع عليها ليعلم أن الأحداث الماضية والاتهامات التي طالت حركة النهضة وغيرها من رموز العمل السياسي التي قادتها قناتا العربية السعودية وسكاي نيوز الإماراتية بالتوازي مع بعض القنوات التونسية وإبراز الخلافات التي تقع في البرلمان بعد الانتخابات العاصفة التي أطاحت برموز كثيرة، وهو شيء منطقي ومقبول، كانت ممنهجة لإظهار النهضة على أنها حركة انتهازية تريد الاستحواذ، هذا الدفع سيكون ذريعة لما سيأتي بعد، فالكل موضوع في الخطة ومقادير الخلطة السرية تحضر على مهل، ولولا جائحة كورونا لكان المخطط قد نفذ، ويعيق التنفيذ الآن بعد كورونا إيجاد قيادة في الجيش لتمرير السيناريو وإطعام الشعب التونسي الوجبة التي أكلها المصريون من قبل، بعد أن تسوى على نار هادئة لتقدم بغطاء إقليمي للمجتمع الدولي.

الرهان الآن على الشعب التونسي الواعي العاقل صاحب الشرارة الأولى لثورات الربيع العربي، المشهد الآن أكثر وضوحا والتجربة المصرية بادية أمام أنظارهم، وعظيم القدر أمهلهم الفرصة بعد الهزائم التي منيت بها السعودية والإمارات في  اليمن والآن في ليبيا بالتوازي مع الخسائر الاقتصادية الكبيرة خلال الأشهر الماضية جراء انخفاض أسعار النفط، ودخول إيران على الخط بتهديدات الملاحة في الخليج أربكت الحسابات، وجعلت المدد الزمنية المرسومة للخطة تؤجل، والرهان هنا على رموز العمل السياسي والأحزاب وفي مقدمتهم حركة النهضة، فعلى الجميع أن يخلع رداءه ليبقي فقط على العلم التونسي الذي يرتديه الجميع تحت أيدولوجيته، فلا صوت يعلو فوق مصلحة تونس، ومصلحة تونس الآن في أن يتوحد الجميع ويتنازل الجميع وأن يصمد الجميع أمام التيار الذي لن يبقي على أحد، وإلا فإن الخلطة الإماراتية السعودية ستسمم الجميع ولن تبقي إلا على الخادم الذي مرر الطبخة وقدمها.

المصدر: الجزيرة: 26/5/2020


  • ياسر عبدالعزيز: ليسانس حقوق وماجستير القانون العام ودبلوم الإدارة والتخطيط الاستراتيجي، مدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا له العديد من المقالات والابحاث المنشورة.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار