من حدود لبنان الصغير الى حدود لبنان الكبير
أكثر من قرار صدر عن سلطات الإنتداب الفرنسي قبل أن تتحدد نهائيًا حدود لبنان الرسمية. البطريرك الياس الحويك طالب بأن تمتد من حدود بحيرة حمص في سوريا اليوم الى حدود بحيرة الحولة في فلسطين، مستندًا الى خرائط الحملة الفرنسية العسكرية التي أتت الى لبنان بعد إعلان نظام المتصرفية. ولكن القرارات تدرجت من ضم الأقضية الأربعة الى ضم مدينتي بيروت وطرابلس لاحقاً وفق التسلسل الزمني التالي:
ضم الأقضية السورية الأربعة الى لبنان
القرار 299 ـ زحلة ـ الثلاثاء 3 آب 1920
إن الجنرال غورو، المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في سوريا وكيليكيا،
بناء على مرسوم رئيس الجمهورية في 8 تشرين الأول 1919،
واستجابة تحقيق أماني المواطنين الذين، بكامل حريتهم، أعلنوا عن رغبتهم في ضم أقضية حاصبيا وراشيا وبعلبك والمعلّقة الى لبنان المستقلّ لتنظيم شؤونهم الإدارية،
وسعيًا الى وضع قانون أساسي للبنان الكبير،
وبناء على اقتراح الحاكم الإداري في المنطقة الغربية،
يقرّر ما يأتي:
المادة الأولى: يتم ضم أقضية حاصبيا وراشيا وبعلبك والمعلّقة الى لبنان في كل ما يتعلق بنظامها الإداري.
المادة الثانية: يتخذ حاكم لبنان جميع الإجراءات اللازمة ليضم إداريًا هذه الأقضية المذكورة الى إدارته المركزية، ويُرسل فورًا الى الحاكم الإداري جميع الإجراءات المتعلقة بالتنظيمات الإدارية والمالية والقضائية في هذه الأقضية المنضمة، والوظائف التي تضمن سير المصالح المحلية هناك.
تعيين حدود لبنان الكبير
القرار رقم 318 ـ الثلاثاء 31 آب 1920
إن الجنرال غورو، المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في سوريا وكيليكيا، والقائد الأعلى لجيش الشرق
بناء على مرسوم رئيس الجمهورية في 8 تشرين الأول 1919،
وبما أن فرنسا لم تقصد بمجيئها الى سوريا إلا تمكين أهالي سوريا ولبنان من تحقيق غايتهم في الحرية والاستقلال،
ولأن تحقيق تلك الغاية يتم بإعادة لبنان الى حدوده الطبيعية كما عيّنها ممثلوه وأجمعت عليها رغبة أهاليه،
وبما أن لبنان الكبير بحدوده الطبيعية يمكنه، كحكومة مستقلة، أن يسير بمساعدة فرنسا على الخطة التي رسمتها بما يتفق ومصالحه السياسية والاقتصادية،
يقرّر ما يأتي:
المادة الأولى: تشكلت حكومة باسم «دولة لبنان الكبير» تشتمل:
أولاً: على منطقة لبنان الإدارية الحالية.
ثانياً: على أقضية بعلبك والبقاع وراشيا وحاصبيا وفقاً للأوامر الصادرة في القرار 299 ـ زحلة ـ الثلاثاء 3 آب 1920.
ثالثاً: على أراضي ولاية بيروت المفصّلة في ما يلي: سنجق صيدا خلا ما أُلحِق منه بفلسطين بحسب الاتفاقات الدولية، سنجق بيروت. قسم من سنجق طرابلس يشمل أراضي قضاء عكار الواقعة جنوبي النهر الكبير، وقضاء طرابلس مع مديريتي الضنية والمنية، وقسم من قضاء حصن الأكراد الواقع جنوبي حدود لبنان الكبير المعيّنة في المادة الثانية من هذ القرار.
المادة الثانية: تكون حدود لبنان الكبير كما يأتي بقطع النظر عن التعديلات الجزئية التي قد يقتضي وضعها للحدود في ما بعد:
شمالاً: من مصب النهر الكبير على خط يُرافق مجرى النهر الى نقطة اجتماعه بوادي خالد الصابّ فيه على علو جسر القمر.
شرقاً: خط القمة الفاصل بين وادي خالد ووادي نهر العاصي (أُورونت) مارًّا بقرى مصرعة مربعانة ـ حيط أبيح ـ فيصان على علو قريتي بريفا ومتربة. وهذا الخط تابع حدود قضاء بعلبك الشمالية من الجهة الشمالية الشرقية والجهة الجنوبية الشرقية ثم حدود أقضية بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا الشرقية.
جنوبًا: حدود فلسطين كما هي معيّنة في الإتفاقات الدولية.
غربًا: البحر المتوسط.
إلغاء المتصرفية التاريخية
ذات البروتوكول الدولي
القرار رقم 321 ـ الثلاثاء 31 آب 1920
إن الجنرال غورو، المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في سوريا وكيليكيا، والقائد الأعلى لجيش الشرق
بناء على مرسوم رئيس الجمهورية في 8 تشرين الأول 1919،
يقرر ما يأتي: تُلغى المنطقة الإدارية لأراضي لبنان المستقلة ونظاماتها ومصالحها الإدارية العمومية والمحلية.
تنظيم دولة لبنان الكبير
القرار رقم 336 ـ الأربعاء 1 أيلول 1920
إن الجنرال غورو، المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في سوريا وكيليكيا، والقائد الأعلى لجيش الشرق
بناء على مرسوم رئيس الجمهورية في 8 تشرين الأول 1919،
بناء على القرار رقم 318
والى أن يوضع موضع الإجراء القانون الأساسي اللبناني الذي سينظم وفق المادتين 94 و97 من معاهدة سيفر للانتداب المنصوص عليه في المادتين المذكورتين، تُعطى دولة لبنان الكبير، وفقاً لرغائب الأهالي، تنظيمًا إداريًا يساعدهم، بمساعدة فرنسا، على أن يحققوا برنامج الاستقلال والحكم الذاتي الذي عوَلوا عليه،
يقرر ما يلي:
المادة الأولى: التنظيم الإداري الموقت الذي أُعلن لدولة لبنان الكبير، وتقرّرت حدوده في القرار 318 ـ تاريخ 31 آب 1920، يجري حسب التقسيمات الإدارية التالية:
المادة الثانية: تُقسّم دولة لبنان الكبير الى أربع متصرفيات، وبلدتين مستقلتين. تتألف المتصرفيات من 12 قضاء، وتتألف الأقضية من مديريات.
المادة الثالثة: التقسيمات الإدارية هي:
1-متصرفية لبنان الشمالي، مركز حكومتها: زغرتا، وتتألف من:
-قضاء عكار المشتمل على قضاء عكار الحالي على القسم الواقع جنوبي نهر الكبير من حصن الأكراد، ما عدا القسم الواقع شمالي النهر الكبير المحدّد شرقاً بالخط الممتد على مرتفعات وادي الحديد.
-قضاء زغرتا المؤلف من مديريات الزاوية والضنية وبشري.
-قضاء البترون المؤلف من مديريتَي البترون والكورة.
2-متصرفية جبل لبنان، مركز حكومتها: بعبدا، وتتألف من: قضاء كسروان، قضاء المتن، قضاء الشوف، مديرية دير القمر الحالية.
3-متصرفية لبنان الجنوبي، مركز حكومتها: صيدا، وتتألف من:
-قضاء صيدا المؤلف من مديريات التفاح وجزين والشقيف والقسم الشمالي من الشمر.
-قضاء صور المؤلف من القسم الجنوبي من الشمر، ومن القسم الواقع شمالي الحدود الفلسطينية من بلاد بشارة.
-قضاء حاصبيا المؤلف من قضاء حاصبيا الحالي ومن مرجعيون حتى الحدود الفلسطينية.
4-متصرفية البقاع، مركز حكومتها: زحلة، وتتألف من: قضاء راشيا، قضاء البقاع، قضاء بعلبك، مديرية الهرمل.
5-مدينة بيروت وضواحيها، تتألف منه منطقة قائمة بذاتها يُعيّن نظامها في ما بعد.
6-مدينة طرابلس وضواحيها، تتألف منها منطقة قائمة بذاتها يُعيّن نظامها في ما بعد.
المادة الرابعة: عاصمة لبنان الكبير هي بيروت.
المادة الخامسة: تُعيّن فيما بعد، بعناية السلطة الإدارية، أقسام كل متصرفية بصورة مدققة.
الحدود التي طالب بها البطريرك الماروني الحويك:
من بحيرة حمص الى بحيرة الحولة
اعتبر البطريرك الحويك أن حق لبنان بأراضيه التاريخية والطبيعية سُلب منه حين رُسمت حدود متصرفية جبل لبنان سنة 1861، فحُرم من السهول والمدن الساحلية: بيروت، طرابلس، صيدا، صور، و”الولايات” المحيطة به، فجُعل بذلك غير قابل للحياة، إذ تحوّل سلسلة من الجبال الجرداء غير القادرة على تأمين المواد الأولية لحياة سكانها الذين مُنعت عنهم التجارة الخارجية، ما جعلهم يعانون ضيق العيش، ويهاجرون في شكل واسع.
لذا أخذ الحويك يُطالب بتوسيع حدود الجبل. ثم حلّت الحرب العالمية الأولى، ونُفِّذ حصار بحري وبري على الجبل فمات ثلث سكانه جوعًا، وتأكدت حاجة استعادة لبنان مجمل أراضيه التاريخية الطبيعية.
اعتبر الحويك أن مساحة لبنان الكبير الذي طالب بها تطابق مساحة فينيقيا القديمة الساحلية واللبنانية، ومساحة لبنان الإمارة المعنية والشهابية، ومساحة الخريطة التي رسمتها الأركان العامة في البعثة العسكرية الفرنسية سنة 1860 ـ 1862. وفي المذكرة التي قدمها في 24/10/1919 الى مؤتمر الصلح، حدد مساحة لبنان هكذا:
إن لبنان في مطالبته بتوسيعه لا يلتمس في الواقع سوى إعادة أراضيه التي يثبتها التاريخ وخريطة الأركان العامة الفرنسية للأعوام 1860 ـ 1862.
إن إعادة أراضي لبنان هذه، في حدوده التاريخية، هي الحدود المرسومة كما يلي: الى الغرب: البحر المتوسط، الى الشمال: النهر الكبير (إيلوتيروس)، الى الشمال الشرقي: خط ينطلق من هذا الأخير ويلتف حول سهل البقيعة والضفة الشرقية لبحيرة حمص، الى الشرق: قمم الجبل الشرقي (سلسلة لبنان الشرقية) وقمم جبل الشيخ (جبل حرمون)، الى الجنوب الشرقي: خط ينطلق من آخر خواصر جبل حرمون ويلتف حول حوض الحولة وبحيرتها (ساماكونيتيس)، الى الجنوب: خط ينطلق من الجبال شرقي هذه البحيرة ويلتف حولها ليصل الى الغرب حتى الرأس المدعو رأس الناقورة.
هذه الحدود تشكل كياناً جغرافيًا كان فيما مضى فينيقيًا، وشكّل الأرض اللبنانية في الأزمنة الحديثة حتى 1840.
وهكذا، يكون لبنان الذي طالب به البطريرك الحويك أوسع مما هو اليوم لناحية الشمال، إذ ضم أيضا بحيرة حمص التي يصبّ فيها نهر العاصي وسهل القُصير، ولناحية الجنوب ضم سهل الحولة وبحيرتها التي يصبّ فيها نهر الحاصباني.
لكن خريطة لبنان الكبير التي عاد بها المطران عبدالله خوري من فرنسا سنة 1920، جاءت أقل مساحة من الشمال ولم تضم بحيرة حمص ولا سهل القُصير.
وخريطة لبنان الحالية، التي أُقرّت في ظل الانتداب، جاءت أنقص مما كانت عليه سنة 1920، وأضيق مما طالب به الحويك سنة 1919 لناحية الشمال والجنوب، لأنه استثنت شمالاً بحيرة حمص والقُصير، واستثنت جنوبًا بحيرة الحولة وسهلها وقيصرية بانياس.
كانوا هناك…
ربما هي الصورة الوحيدة التي تسجل لحظة إعلان الجنرال غورو دولة لبنان الكبير في أول أيلول 1920، والى يمينه البطريرك الياس الحويك والى يساره المفتي مصطفى نجا. ولكن في الصورة أيضًا: نجيب بك أبو صوّان متصرف ولاية بيروت، محمد الجسر، ألفرد سرسق، الدكتور كالمِتْ، الدكتور لوبرون، بيار دوريو قنصل فرنسا، عبد القادر الدنا، شارل قرم، داود عمّون، الخوري مارون غصن، الدكتور إميل عرب، الشيخ محمد الكستي (قاضي قضاة الشرع)، سعيد زين الدين، نجيب بك ميقاتي، مختار بيهم، إميل خوري، رامز مخزومي، كامل جميل، الشيخ كسروان الخازن، الشيخ بديع الخازن، الشيخ يوسف الخازن، محمد بربير، جميل شهاب، أكرم عازار، ألبير قشوع، أنيس طراد، حبيب طراد، محمد أديب درنيقة، صلاح الدين لبابيدي، باسيل يارد، عمر بك بيهم، الأب إرنست سارلوت، يوسف فرعون، الأميرال بونيه، الكومندان ترابو حاكم لبنان الكبير، ألبير نقاش، جان دوفريج، الفيكونت فيليب دور طرّازي، ميشال شيحا، إميل قشّوع، المطران أوغسطين بستاني، الأب أنطوان عقل، المطران عوّاد، الكولونيل ليجييه، المعتمد كوبان، نصري حداد، هنري مسك.
وردت الأسماء في كتاب «قصر الصنوبر»، تأليف بيار فورنييه ودنيز عمون. منشورات ACRK، باريس 1999.

الجنرال غورو معلنا “دولة لبنان الكبير”
يا أهل لبنان الكبير
قبل أسابيع، قلت لكم في ساعة حاسمة: «اليوم الذي كم انتظره عبثاً آباؤكم، والذي ستسعدون برؤية فجره، بات قريبا فجره. وهذا فجره أشرق اليوم.
أمام هذه الحشود المتقاطرة من جميع المناطق التي يضمها جبل لبنان، كانت حتى أمس متتاخمة وأصبحت اليوم متحدة في وطن قوي بماضيه، عظيم بمستقبله،
وأمام أركان الحكومة اللبنانية، وأبناء أشهر الأسر، والرؤساء الروحيين من جميع المذاهب والطوائف، وفي صدارتهم أحيّي بإجلال بطريرك لبنان العظيم الذي نزل من جبله لحضور احتفال هذا اليوم المجيد المكلِّل جهود حياته، ويؤسفني ألا أرى بين الحضور مندوبيكم الى باريس ودورهم كان أساسيًا بمقترحاتهم الى الحكومة الفرنسية،
وبحضور ممثلي الدول التي بذل أكثرها ذلك الجهاد الطويل معنا انتصارا للحق والحرية، وبحضور ممثلي فرنسا الذين يسعدني أن أحيّي بينهم الأميرال دوبون قائد بحرية الشرق،
وقبالة هذه الجبال المهيبة التي تجسد قوة بلادكم حصناً عنيدًا لثباتها وحريتها.
وعلى شاطئ البحر الأسطوري الذي عرف مجاذيف المراكب الفينيقية واليونانية والرومانية، وحمل الى أصقاع العالم أسلافكم الثاقبي الفكر، الحاذقي الحس التجاري، البارعي الفصاحة، ويعود اليوم إليكم حاملاً تكريس صداقة كبيرة وعريقة ومنافع الصلح الفرنسي،
وأمام هؤلاء الشهود على آمالكم ونضالاتكم وانتصاركم،
ومشاركة فرحكم وافتخاركم،
أعلن “لبنان الكبير”، وباسم الجمهورية الفرنسية أحيّيه في عظمته وكنوزه من النهر الكبير، الى أبواب فلسطين، الى قمم لبنان الشرقي.
هذا هو لبنان:
بجبله، وفيه يخفق قلب هذه البلاد المضطرم،
بسهل البقاع الخصيب، تكرَّس اتحاده في يوم زحلة الذي سيحفظ ذكره في الصدور،
بمدينة بيروت، ذات المرفأ العظيم لهذه الدولة الجديدة، ومقر حكومتها،
بمدينتي صيدا وصور وماضيهما العظيم يجددانه في اتحادهما بالوطن الكبير.
هذا هو الوطن الذي هتفتم له وناديتموه.
المصدر: “المسيرة” – العدد 1700
