البابور الموقع العربي

حول نظرية موت المؤلف

584

فايز العباس

كان الكاتب أو المؤلف في ما قبل عصر «مواقع التواصل الاجتماعي» شخصيةً مدغمةً إلى حدٍّ ما، فقد كان النصُّ هو سبيلنا الذي من خلاله نرسمُ ملامحَ مؤلفه النفسيةَ، ولأن المؤلفَ نفسه قد ينجز أكثر من نصٍّ، لذا كنا نرسمُ له في كلِّ نصٍّ ملمحًا، أو مجموعةَ ملامح قد لا تتوافق بالضرورة مع ما رسمناه له من ملامح في بقية نصوصه، من هنا تبدو نظرية مـــوت المؤلف لرولان بارت (1915- 1980)» معقولةً في السياقِ النقدي العام، غير أننا لا ننكر أنها نظريةٌ مرحلية شأنها شأن كل النظريات التي تم دحضها أو معارضتها، وبيان نقاط ضعفها، إذ لا يمكن لنا الآن بعد هذا الانفتاح «المؤتمت» على حياة المؤلفين المعاصرين – على الأقل- أن نتجاهل الظرف التاريخي، أو الاجتماعي، أو النفسي الذي يُنتج ضمَنه، وربما بسببه المؤلفُ نصَّه، والفنانُ عمله الفنيَّ، وبعد أن سادت لفترة ما حالة التفاعل المتبادل بين النص والقارئ بمعزل عن المرسل/ المؤلف، ها نحن نعود مرغمين إلى الانتقال من حالة التفاعل المتبادل بين النص والقارئ، إلى إعادة إشراك المؤلف في عملية التلقي، ليكون ظرفه النفسي، أو الاجتماعي، أو التاريخي لاعبًا أساسيًا في لعبة الإبداع، وهنا لا أنكر كونه كان كذلك سابقًا، غير أننا كنا نتعرف النصّ بمعزل عن الناصّ، لذا كانت عملية التلقي تبدو منقوصة، ولكن: هل نحن بهذا نحجّم النص أو نؤطره برؤيةِ منتجه، ونكون بذلك متلقين غير فاعلين؟ بمعنى هل نفقد دورنا في القراءات المتعددة للنص الواحد، بحيث نضع رسمًا بيانيًا لما يمليه علينا المؤلف؟ هنا تكمن مشكلة حضور المُرسل؛ حيث نأخذ المسافة ذاتها من «النصّ والناصَ» ما يفقدنا متعة الكشف، ومطاردة المدلولات التي ننتجها نحن بوصفنا متلقين فاعلين، لا مجرد متلقين سلبيين.

إنصافًا للمؤلف علينا أن ننحّي جانبًا حياتَه الخاصة، ونحكمَ على منجزه كحالة إبداعية لا كحالة شخصية، وهذا لا ينفي أننا سنقف حتمًا من الكاتب/المؤلف/الفنان موقفًا أخلاقيًا يتوافق مع موقفه الأخلاقي من قضاياه الإنسانية.

تفاعل قراء منصات التواصل الاجتماعي:
غير بعيد عن المقدمة السالفة نجد أنفسنا ملزمين بالبحث في ظاهرة التلقي المباشر، حيث المؤلف يضع نتاجه بنفسه على مدونته أو صفحته، مفسحًا المجال أمام متابعيه لأن يشتركوا مباشرة بالتفاعل مع نتاجه، ولكن هل يكون هذا التفاعل حقيقة مع النص؟ الإجابة هنا لن تصعب على أي قارئ، أو مؤلف حتمًا. ولأن المدونات أو الصفحات الزرقاء باتت أشبه بالمضافات في البيوت، صار من الصعب على المتلقي الفصل بين النص المُنتَج، ومعرفته الشخصية بحيثيات وظروف المؤلف، ما أثر سلبًا على عملية التلقي، حيث النص يسير في اتجاه واحدٍ محدد من قِبل القارئ، وبات من النادر أن تجد قراءات متعددة في نص واحد، ما أدخل النصّ والقارئ والناص في حالة شبه نمطية من حيث الحكم المنجز على النص، ومن قراءة واحدة قد لا يكررها المتلقي، ظنًا منه أنه أدرك مقاصد النص، وأجاد فكّ مدلولات الرسالة، بانيًا حكمَه هذا على معرفته بالحالة الراهنة للمؤلف.
مرثية الشاعر أمجد ناصر:
أعترف أن ما جعلني أكتب هذه المادة هو ما ضجت به مواقع التواصل الاجتماعي من رثائيات للشاعر أمجد ناصر، بعد نصه الأخير الذي يرثي فيه نفسه «قناع المحارب»، ما أدى لتناول القراء حالة المرض بذاتها متجاهلين حجم الإبداع الذي يضجُّ به النصُّ، وأتساءل هنا: هل هذا حقًا ما أراده الشاعر؟ هل كتب هذا النص ليحوز حالة التعاطف معه في مرضه؟ أجزم بأن هذا لم يخطر بباله. أنا لا أنكر على المتعاطفين تعاطفَهم، ولكن لنقفْ لوهلةٍ، ولنفصلْ بين مرض الشاعر ونصه، لنقرأ النصَّ على أنه نصٌّ، ونشير فيه إلى مواطن الجمال، كما نشير أيضًا إلى مواطن الضعف إن وجدت، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ليس أول شاعر، ولن يكون آخر من يكتب مرثيته.
هامش أخير:
طبعًا من غير المنطقي أن نتجاوز المؤلف، أو أن نقصي السياقين الثقافي والاجتماعي اللذين يُنجَز النصُّ في فضائهما، ولا أن نتجاهل الظرفَ التاريخي الذي يعبر خلاله النص إلى القارئ، غير أننا إنصافًا للمؤلف علينا أن ننحّي جانبًا حياتَه الخاصة، ونحكمَ على منجزه كحالة إبداعية لا كحالة شخصية، وهذا لا ينفي أننا سنقف حتمًا من الكاتب/المؤلف/الفنان موقفًا أخلاقيًا يتوافق مع موقفه الأخلاقي من قضاياه الإنسانية.

٭ شاعر سوري

القدس العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار