البابور الموقع العربي

“لا يمكن إفساد الشعب لكن يمكن خداعه”.. هكذا ينصّب قيس سعيد نفسه قيصراً لتونس

415

الصحبي الماجري

“إنَّ المشرِّع [الشعب] باعتباره كذلك، يستحيل إفساده، غير أنه يسهل خِداعُه، أما مُمثِّلوه فمن الصعب خداعهم، ولكن من السهل إفسادهم، ونادراً ما لا يحصل ذلك [أي إفسادهم]”.

جان جاك روسو

النتائج الأولية للاستشارة

لقد كشف التقرير الأوَّلي للاستشارة الوطنية الإلكترونية في تونس، والذي نشرته الحكومة في الموقع الرسمي لها، عن النتائج التالية:

في السؤال حول ما هو المستقبل الذي تحبذه لتونس؟ كانت الإجابة في الخيارات الثلاثة المطلوبة كما يلي: 70.4% يرون مستقبل تونس في دولة القانون كاختيار أول، و31.2% يرونه في العمل والحرية والكرامة الوطنية كاختيار ثانٍ، و29.5% يرونه في الديمقراطية والأمن والسيادة كاختيار ثالث، تلك هي الإجابات الثلاث الأساسية الأولى حول السؤال عن مستقبل تونس كما يراه شعبها.

في السؤال حول النظام السياسي المفضل كانت الإجابة الوحيدة الغالبة هي أن 86.4% يفضلون النظام الرئاسي بديلاً للنظام الهجين في الدستور التونسي، الذي يجعل للسلطة التنفيذية رأسين، أما في نظام الاقتراع المفضل فقد اختار 70.7% نظام الاقتراع على الأفراد بديلاً عن نظام الاقتراع على القائمات. وفي الإجابة عن سؤال: “هل أنت مع سحب الوكالة من النائب الذي لم يعد يتمتع بثقة الأغلبية قبل انتهاء الفترة النيابية؟” أجاب 92.2% بنعم، وهو رقم يبرز مدى عدم الرضا عن أداء مجلس نواب الشعب.

حين طُرح سؤال حول: أهم الإصلاحات التي يجب القيام بها لتطوير الحياة السياسية في تونس، فإن أهم إصلاح تراه النسبة الغالبة (60.8%) هو تعديل القانون الانتخابي، وهو الاختيار الأول، ويليه بنسبة أقل (44.4%) تعديل قانون الأحزاب كاختيار ثانٍ، وأما الاختيار الثالث بنسبة 38% فهو تعديل الدستور وليس وضع دستور جديد. تلك هي الخيارات الثلاثة الأساسية الأولى حول الإصلاح السياسي، أما وضع دستور جديد فكان اختياراً رابعاً بنسبة 35.5%، ما يعني أن نسبة 64.5% ترفض وضع دستور جديد مع نسبة 62% التي ترفض تعديل الدستور، ليصبح الحديث عن دستور جديد مخالف لإرادة الشعب التي عبر عنها في الاستشارة. إن الإجابة تكشف عن أن الأغلبية يرون القانون الانتخابي هو سبب الأزمة السياسية وليس الدستور، ولذلك يطالبون بتعديله.

وفي الإجابة عن السؤال: هل القضاء في تنظيمه الحالي يحقق العدالة المنشودة؟ عبر 75.7% عن عدم رضاهم عن السلطة القضائية، وقدرتها على تحقيق العدالة. أما في الإجابة عن السؤال: “الدولة وحدها هي التي تتولى تنظيم الشؤون الدينية. فإن 80.7% يرون أن الشؤون الدينية مسؤولية الدولة ومؤسساتها، وهي إجابة طبيعية في مجتمع تعود تاريخيّاً أن يكون الشأن الديني مسؤولية المؤسسات الرسمية.

قراءة أولية في النتائج

تلك بعض الأسئلة التي طرحت، وما يهمنا في الإجابات أعلاه هو الإجابة عن السؤال التالي:

هل تشرِّع الاستشارة الوطنية في تونس للسلطة المطلقة؟ وهل اختيار النظام الرئاسي تبرير لتحويل الرئيس لقيصر ذي سلطة مطلقة كما حدث في روما قديماً مع يوليوس قيصر أو مع البونابرتية في فرنسا؟

إن الإجابة عن السؤال الأول التأسيسي للاستشارة حول المستقبل الذي تحبذه لتونس تكشف بشكل لا لبس فيه ولا يداخله إمكان الغلط والريب، أن الأغلبية الساحقة للمشاركين يريدون دولة قانون مدنية ديمقراطية تحقق الحرية وتحفظ الكرامة وتضمن العمل، وترفع شأن العدالة كإنصاف للجميع دون تمييز. وهذا الاختيار يتعارض تماماً مع الرغبة التي يبديها الرئيس في الحصول على سلطة مطلقة كوصيٍّ على إرادة الشعب وناطق وحيد باسم تلك الإرادة.

إن دولة القانون هي ما تريده الأغلبية الساحقة (70.4%) من المواطنين المشاركين في الاستشارة، ودولة القانون في تعريفها في القانون الدستوري تعني سيادة القانون، وأن كل شخص يخضع للقانون، بما في ذلك الأشخاص أصحاب السلطة من قضاة ووزراء ورجال أمن وجيش، ما يُسهم في منع الطغيان، إن الأسس التي تقوم عليها دولة القانون: سيادة الشعب والفصل بين السلطات ومنع استغلال السلطة، ومراقبة مدى دستورية القوانين والأوامر والمراسيم وضمان الحريات الأساسية والعامة واحترام حقوق الإنسان. وتتمثل المبادئ الأساسية لدولة القانون في: المساءلة والوضوح والشفافية، والنزاهة، والحكم الرشيد، والفاعلية. وتعود أصول مفهوم دولة القانون إلى النظام القانوني في ألمانيا، وتعرَّف بـ”Rechtsstaat”، ويُعد الفقيه القانوني روبرت فون مول (1875-1799) أول من استعمل هذا المصطلح، حيث أشار في مؤلف له نُشر في عام 1831 إلى دولة القانون، بوصفها من أشكال “الدولة العقلانية”، التي يكون بلا شك أساسها ضمان حريات المواطنين وحقوقهم في مواجهة محاولات تقييدها من مؤسسات الدولة.

دولة الطاغية

تلك هي الدولة التي يحلم الشعب التونسي بأن يراها في مستقبل بلاده لا دولة الطاغية، قيصراً كان أم رئيساً يطمح أن يكون سلطاناً. والإجابة حول النظام السياسي، والذي اختار فيه الأغلبية نظاماً رئاسيّاً، فإن الغاية منه ليس إعطاء سلطة مطلقة للرئيس بقدر ما هو تجاوز فشل النظام الهجين الذي جعل السلطة التنفيذية برأسين، وهو ما أثر في واجبات الحكومة في خدمة الشأن العام، وخلق خلافات صلاحيات وتضارب مصالح بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، فالاختيار إذن اختيار لوحدة السلطة التنفيذية حتى تكون أكثر نجاعة، وليس تفويضاً للرئيس، ليصبح فوق كل السلطات، وهو ما يؤكده اختيار دولة القانون من ناحية، ورفض الأغلبية لوضع دستور جديد. 

دولة القانون تتطلب توزيع السلطات، وتشترط وضع هيئات رقابية تمنع أي سلطة من التغول على البقية، وتكرس الرقابة الدستورية القانونية على كل المراسيم والأوامر، للنظر في مدى دستوريتها. ورفض الأغلبية لدستور جديد دليل آخر على أن غاية الشعب هي تعديل الدستور، لخلق توازن داخل السلطة التنفيذية، دون مس باستقلال السلطتين التشريعية والقضائية، ودون المس بالحريات الأساسية والعامة وبالهيئات الدستورية المستقلة.

إن اختيارات الشعب في الاستشارة تكريس لدولة القانون والمؤسسات والفصل بين السلطات. دولة الحرية والكرامة والعمل، وكل إصلاح لا يراعي هذه الاختيارات هو إصلاح خارج سياق إرادة الشعب، التي عبّر عنها بأغلبية واضحة. لقد اختار المشاركون رفض الطغيان وتسليم السلطة في يد واحدة، وصوتوا لدولة القانون والديمقراطية والحرية والكرامة، وننتظر ممن نظموا هذه الاستشارة أن يحترموا تلك الإرادة، وأن يكونوا أوفياء لمستقبل تونس الذي يريده شعبها لها.

عربي بوست

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار