البابور الموقع العربي

المنافقون.. إخوان الشياطين وأفعال المارقين

1٬062

حسن عبد الغني

المنافقون فئتان: أحداهما تبطن الشر وتظهر الخير وأعمالها أعمال الشياطين وأفعالها أفعال المارقين، وأخرى ضعيفة الإيمان مريضة القلب ولكن أعمالها وفعالها لا تختلف عن سابقتها لأنها تؤثر منفعتها الشخصية وتفضل مصلحتها الذاتية.. ومن ثم كانت خطورتها التي تهدد الدعوة الاسلامية واحدة ولذلك أيضاً كانتا قسمين لفريق واحد هو فريق المنافقين

متى يظهر النفاق؟

لو تصفحنا تاريخ الدعوات والمبادئ لوجدنا أن هذه الظاهرة تبدو واضحة جلية في حالات ثلاث ولاستطعنا أن نتبين أو نحدد الوقت الذي تستطيع فيه هذه الطائفة أن تظهر على مسرح النفاق والباطل لتمثل مسرحيتها المؤلمة:

  1. 1-   أما الحالة الأولى فهي حينها تنتصر الدعوات ويرتفع شأنها وتعلو كلمتها وتصبح هي سيدة الموقف والأمر بيدها، ويضحي بيد أهلها الحل والعقد، حينئذ يقبل أصحاب النفوس الضعيفة وذوو الأطماع والشهوات ليجدوا في رحاب هذه الدعوات المنتصرة المجال الواسع لنيل أطماعهم والحصول على مآربهم وإرضاء شهواتهم الخسيسة .. في هذا الوقت … وفي هذا الوقت فقط يستطيع الشيطان أن يمنى أنصاره بنيل مآربهم والحصول على أطماعهم.. فيقبلون متهافتين ليندسوا بين صفوف المؤمنين ويستتروا تحت ثياب المجاهدين.. يظهرون للناس في أثواب ملائكية طاهرة تخفي تحتها نفوساً شيطانية متمردة.. يبدون في مظهر الأبرار ويعملون عمل الأبالسة الملعونين.
  • 2-   أما الحالة الثانية فهي حالة صنف آخر من الناس انطوت سريرتهم على الحقد للدعوة وأهلها والبغضاء للفكرة وأصحابها.. اولئك الذين لا يجدون فرصة الكيد للمبدأ ودعاته إلا واقتنصوها. ولا يحسون بوجود ثغرة إلا وصوبوا رماحهم نحوها.. اولئك ما يكادون يحسون بانتصار الدعوة وجنودها حتى يرتموا في أحضانها ويتوافدوا على أعتابها لا انتصاراً لها ولا فرحاً بعلو كلمتها.. وإنما يبغون بذلك السلامة لأنفسهم بالانضمام إلى صفوفها واللحاق بركبها.. ثم بعد ذلك شأنهم كالخفافيش التي لا تظهر إلا في الظلام.. يتخذون من ظلام الليل أستارا لتدبير مكائدهم، هؤلاء يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، يظهرون حب المؤمنين ويكتمون بعضهم، يبدون الغيرة على الدعوة والانتصار لها وقد انطوت سريرتهم على الحقد والكبد. اولئك الذين قال الله فيهم: “يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً”

وقد يختلط أمر الفريق الأول بالثاني ويظن أنه لا فرق بينها ولكن في واقع الأمر الفرق بينها كبير والهوة سحيقة فالفريق الأول قد ارتمى في أحضان الفكرة ساعة النصر بغية الغنيمة وأما الثاني فأسرع عقب النصر ليأمن نتيجة عدائه للدعوة وأصحابها

3 – أما الحالة الثالثة فحينما تبتلي الدعوات وأهلها، ويشتد الاضطهاد ويعظم البلاء وتكثر المحن وتتوالى الخطوب، ويلقى المؤمنون في سبيل دعوتهم أشد أنواع الخسف والهوان ويصر المتعسفون على ظلمهم والتفنن في إيذائهم والكيد لهم والسخرية منهم والاستهزاء بمبادئهم، بغية قهر العزائم وإقامة روح المقاومة والسيطرة على النفوس وقتل الإيمان في القلوب … في هذه الحالة التي تعظم فيها النكبات وتتلاحق الصواعق.. في هذه الظلمات الحالكة، وفي هذا الجحيم المستعر الذي تشتد فيه عزائم المؤمنين ويزداد حماسهم لدعوتهم وترتفع روحهم المعنوية في أسمى ما يكون الارتفاع ويقوى إيمانهم، في هذه الآونة يظهر على مسرح النفاق ذلك النوع الآخر من ضعفاء الإيمان ومرضى القلوب يسارعون إلى الكفر بالدعوة ورجالها ويكونون أعظم حرباً عليها من الكائدين لها والمحاربين لرجالها ودعاتها اولئك الذين حقرت نفوسهم وصغرت.. واستعصت عليهم المعاني العليا فأضحت في واد وهم في واد آخر.. اولئك ما أشبههم «بالحرباء، التي تستطيع ان تتشكل او تتلون أنى شاءت أو كيف ومتى أرادت.

النفاق لازمة من لوازم الدعوات

قد يتساءل إنسان ما عما إذا كان النفاق لازمة من لوازم الدعوات بمعنى أنه يلازمها ولا يفارقها؟

وفي رأيي أنه مما لا شك فيه أنه لازمة من لوازمها كالظل للإنسان يرحل مع ترحالها ويسير في ركابها ويقف لوقوفها.. فإن جاز للظل أن يفارق الانسان جاز للنفاق أن يفارق الدعوات.. ولو تصفحنا تاريخ الدعوات التي كافحت وكوفحت وحاربت وحوربت وأوذي أهلها واضطهدوا.. أو انتصروا بعد شديد ظلم وطول اضطهاد لوجدنا أن لهؤلاء المنافقين مجالاً يفوق كل مجال.. ولسوف نتعرض للأمثلة في حديثنا بعد ذلك مستشهدين بما حدث في عهد رسول الله ﷺ من حوادث.. وإذا جاز للإنسان أن ينفي أن النفاق لازمة من لوازم الدعوات فهل يجوز له أن ينفي  ان الناس معادن، فيهم الغث والسمي،  فيهم الطيب والخبيث، فيهم الرديء والحسن.

هل يجوز له أن ينفي أن مجتمعاً ما خلا في عصر من العصور بل حتى في يوم من الأيام أو لحظة من اللحظات من ذوي النفوس الضعيفة والقلوب المريضة ومن الذين ماتت ضمائرهم وتنزلت إلى حضيض الباطل نفوسهم.

إن طلاب المطامع والأهواء ما أكثرهم في كل عصر وما أعظم عددهم في كل مجتمع.. إن الذين يتقاتلون لإرضاء شهواتهم والوصول إلى مطالب أهوائهم كثيرون في كل أمة وجيل. إن أتباع الشياطين الذين يكيدون للمؤمنين لن يخلو منهم مجتمع ما قامت السماوات والأرض إلا في مجتمع ملائكي طاهر.. ذلك في الملأ الأعلى عند الذين هم حول عرش ربك يبيتون سجداً وبكياً . . . أما أولئك الشياطين وأتباعهم والأبالسة وجنودهم الذين يغتنمون كل فرصة للنيل من المؤمنين والكيد للمجاهدين فلا بد من تواجدهم مع كل دعوة وظهورهم حول كل فكرة.

إن كل دعوة من الدعوات لا بد أن يبتلي أهلوها ولا مناص من امتحان ذويها بل يجب أن تجابههم العقبات وتتوالى عليهم المحن وتتنزل عليهم الخطوب تترى، وما أشبه هذه المحن والخطوب “بأنبوبة الاختبار” ، التي تجري بها التجارب لإظهار الغث من السمين، ولذلك يقول الله تبارك وتعالى في سورة العنكبوت (الم ۝ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ۝ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ۝ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [سورة العنكبوت:1-4]،

وقوله تعالى في سورة الأنفال: ( لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُۥ عَلَىٰ بَعْضٍۢ فَيَرْكُمَهُۥ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُۥ فِى جَهَنَّمَ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ) (الانقال: 37)

 ثم قوله تعالى في سورة آل عمران: ( وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (آل عمران: 154) 

كتاب “المنافقون وشعب النفاق” – حسن عبد الغني – دار الثقافة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار