خلال السنوات الخمس الماضية تضاعف عدد النساء اللواتي ينشدن المساعدة للتخلص من مشكلة المقامرة
تعد المملكة المتحدة موطناً لواحد من أكبر أسواق المقامرة في العالم، حيث وصلت أرباحه في عام 2020 إلى 14.2 مليار جنيه استرليني.
“لم يكن المال هدفي من المقامرة أبداً. لقد كان ملء الفراغ…”
في يوم الميلاد سنة 2018 وصلت الأمور إلى ذروتها بالنسبة إلى بيف. تعترف السيدة بأن ذلك اليوم كان “يوماً جميلاً وكان كل شيء على ما يرام. لم يكن هناك سبب يدفعني نحو لعب القمار، لكن ما كان يدور في فكري، في عقل المقامر، هو أنني لا يمكن أن أخسر لأن يوم الميلاد يوم محظوظ. قلت لنفسي إن شركات المقامرة لن تتركني أخسر في يوم الميلاد”.
90 دقيقة هي كل ما احتاجته السيدة البالغة من العمر 59 عاماً من نيوكاسل حتى تصرف 5000 جنيه استرليني على القمار. تقول في حديثها مع “اندبندنت” لقد “أنفقت كل الأموال في حساب زوجي المصرفي حتى أنني اقترضت المال من ابنتي مدعية أن عليّ سداد فاتورة مستعجلة. لقد خسرت كل شيء ثم أخذت جرعة مخدرة زائدة”.
تعد المملكة المتحدة موطناً لواحد من أكبر أسواق المقامرة في العالم، حيث وصلت أرباحه في عام 2020 إلى 14.2 مليار جنيه استرليني. تاريخياً، تصنف المقامرة على أنها مشكلة تؤثر إلى حد كبير في الرجال، لكن بحثاً أجرته جمعية “غامبل أوير” الخيرية في يناير (كانون الثاني) الماضي كشف أن عدد النساء اللواتي عولجن من لعب القمار قد تضاعف في غضون خمس سنوات، مع وجود ما يصل إلى مليون امرأة معرضة لخطر مشكلات متعلقة بالمقامرة. وأضاف البحث أن هذا الرقم قد لا يمثل إلا نسبة صغيرة من النساء اللواتي يتعرضن لأذية مرتبطة بالمقامرة.
بدأت مشكلات بيف مع المقامرة منذ حوالى 16 عاماً. قالت “لقد دخلت في مسابقة على الموقع الإلكتروني لإحدى محطات التلفزيون الشهيرة وظهر أمامي إعلان للمقامرة، وقلت لنفسي سأجرب ذلك”. وقبل هذه التجربة لم يسبق لها أن قامرت على الإطلاق. مضيفة، “لم يكن شيئاً يثير اهتمامي. شعرت وكأنني أرمي المال في الهواء”.
لكنها بعدما أنفقت 10 جنيهات استرلينية على اللعبة ربحت 800 جنيه استرليني بسرعة. تقول، “لم أصدق أن المال كان لي وأستطيع الاحتفاظ به، وبعد ذلك بدأت في المقامرة بمزيد من المال، وخسرت الـ 800 جنيه بلمح البصر، وبعدها تعلقت باللعب بشدة”
كان الفوز الباكر أيضاً هو السنارة التي شبكت ستيسي البالغة من العمر 29 عاماً من مقاطعة ديربيشير وجعلتها تنفق مزيداً من المال في بداية إدمانها على القمار. كانت نقطة ضعفها ماكينات القمار والبطاقات القابلة للحك. تقول، “النظر إلى الدواليب وهي تدور بسرعة أمر يذهب العقل تماماً”.
وفقاً للخبراء، يعد تأثير القمار المذهب للعقول هذا عامل جذب مهم للعديد من النساء اللواتي يقامرن. تقول ليز كارتر وهي معالجة رائدة في المملكة المتحدة في مجال إدمان القمار بين النساء وحاصلة على وسام الشرف الملكي، إن النسيان الذي توفره المقامرة يمكن أن يؤمن مساحة بعيدة من ضغوط الحياة اليومية. وأضافت لـ “اندبندنت” أنه “نادراً ما تسمع نساء يتحدثن عن حبهن للحماسة أو الإثارة التي تسببها المقامرة، أو عن حبهن للصيت الذي يمنحه الفوز لهن كما يفعل كثير من الرجال. بالنسبة إلى النساء تتعلق المقامرة بالانغماس بالكامل في تجربة لا تطلب منهن في نهاية المطاف أن يفكرن أو يشعرن بأي شيء. التركيز الكامل على القمار هو صرف للانتباه عن الأفكار والمشاعر المسببة للتوتر. إنه هرب من المسؤوليات الهائلة والقلق”.
تبدو هذه قصة مألوفة بالنسبة لتريسي البالغة من العمر 58 عاماً من بيركشير، التي تقول “لم يكن المال هدفي من المقامرة أبداً. لقد كان ملء الفراغ. عندما كنت أقامر لم أكن قلقة حيال أي شيء. كانت المقامرة تخرجني من واقعي”.
بالعودة لبيف، بدأت تفقد سيطرتها على الأمور قبل فترة طويلة من ليلة الميلاد المصيرية آنفة الذكر، وكانت تزداد تدهوراً مع مرور السنين. وبصفتها الشخص المسؤول عن الشؤون المالية للأسرة كانت قادرة على الوصول بسهولة إلى المال ولكن من دون علم أحبائها حتى وصلت إلى حد الاستدانة الأقصى المسموح به من جميع بطاقات الائتمان الخاصة بها، وأخذت قروضاً لسداد ديونها لكنها أنفقتها مباشرة على أنشطة المقامرة. كانت أيضاً تقترض المال من الأصدقاء والعائلة وحتى زملائها في العمل. قالت “لقد كذبت على كل من حولي. كنت في وضع عقلي رهيب”.
أنا وزوجي نتقاضى راتباً جيداً، وفي كثير من الأحيان كنت أبقى مستيقظة حتى منتصف الليل الذي يسبق يوم دفع الراتب عندما يصل المال إلى حسابي كل شهر. وبينما كان زوجي نائماً في السرير كنت أنفق كل شيء في غضون ساعتين”.
تحدثت جميع النساء عن سهولة المقامرة عبر الإنترنت وتوافرها على مدار الساعة. تصف تريسي الإنترنت بأنه “كوكايين بالنسبة إلى المقامرين” وتقول “عندما بدأت لعب القمار كانت هناك مواعيد محددة لفتح وإغلاق محال القمار. ربما أكون أول شخص يدخل إليها وآخر من يخرج منها، لكن على الأقل كانت تغلق أبوابها في وقت ما”.
قبل تحولها إلى المقامرة عبر الإنترنت كانت ستيسي تتنقل بين وكلاء المراهنات المختلفين في محاولة لتجنب لفت الانتباه إلى مشكلتها المتعلقة بالمقامرة، ومع ذلك كانت الأمور مختلفة جداً عبر الإنترنت، تقول “كان الأمر سهلاً للغاية. لا أحد يعرف ما الذي كنت أفعله”.
تربط المعالجة كارتر ربطاً مباشراً بين زيادة المقامرة بين النساء وتزايد انتشار القمار في كل مكان. تقول “توجد المقامرة في منازلنا ومكاتبنا وحقائب اليد الخاصة بنا، وعلى أية حال علينا أن ننظر إلى أي إدمان ضمن سياق الصحة الاجتماعية والعقلية. نحن نشهد ارتفاعاً في التوتر والاكتئاب والقلق لدى النساء وهذا يؤدي إلى البحث الذاتي عن الراحة من خلال المقامرة. من السهل جداً أن تنسى نفسك تماماً في عالم المقامرة عبر الإنترنت”.
وجدت النساء الثلاث الدعم الذي احتجنه في معتكف “غوردون مودي” الذي يؤمن إقامة للنساء فقط خلال فترة العلاج، وهو جزء من شبكة منظمات ضمن “الخدمة الوطنية لمعالجة المقامرة” التي تقدم مجموعة من العلاجات. تقول بيف “عندما دخلت إلى هناك كنت امرأة محطمة، لكنني حين غادرت كنت أشعر بأن الأمل موجود. لقد زودونا بالأدوات والاستراتيجيات التي تمكننا من التوقف في اللحظة التي تسبق وضع الرهان. إنه أمر رائع. لقد كانت فكرة ملائمة وقد نجحت”.
تعترف ستيسي بأنها كانت في البداية “مشككة للغاية” في أن الخدمة ستكون قادرة على مساعدتها، لكنها تصف العلاج بأنه “أفضل شيء فعلته على الإطلاق”.
“من المهم جداً التواصل مع شخص ما والتحدث إليه…”
في حين أن النساء الثلاث يصفن أنفسهن بأنهن يتعافين من القمار، فإن التخلص من بعض العواقب التي ترتب على إدمانهن أمر صعب.
تقول ستيسي إن “أقساط القروض المستحقة يوم تسلم الراتب ودفوع بطاقات الائتمان كانت ديوني الضخمة. كنت أتنقل من منزل إلى آخر وأعيش مع الأصدقاء لأنني لم أتمكن من الحصول على مسكن خاص بي بسبب ديوني السيئة. إنها أذية طويلة الأمد ناجمة عن المقامرة ما زلت أحاول معالجتها، وسأحتاج إلى وقت طويل قبل أن أتمكن من تأمين منزل”.
تود بيف رؤية إصلاحات كبيرة في قطاع المقامرة. وتقول إن “أحد أسوأ الأشياء التي كانت تحدث لي أثناء محاولتي التوقف عن المقامرة هو عندما كنت أتسلم رسالة من شركات المقامرة بصفتي عميلة من الدرجة الممتازة تقول فيها “لم تلعبي منذ مدة، ها قد أودعنا 200 جنيه استرليني في حسابك [كي تتمكني من اللعب]”. كان هذا أمراً سيئاً للغاية. أعتقد أيضاً أنه ينبغي على [شركات المقامرة] إجراء تدقيق في أصحاب الحسابات الجديدة، مثلما يحدث عند التقدم بطلب للحصول على قرض. خلال المرات التي العديدة التي كنت أنفق فيها آلاف الجنيهات في فترة زمنية قصيرة جداً، لا بد أنهم أدركوا أنني أعاني مشكلة، لكنهم راحوا يشجعون [إنفاقي الأموال] أكثر”.
ومن المتوقع أن تصدر هذا الشهر خطة حكومية طال انتظارها كثيراً تعالج مثل هذه القضايا، ووصفت النائب كارولين هاريس، رئيسة المجموعة البرلمانية لجميع الأحزاب المعنية بالأضرار المرتبطة بالمقامرة، الحاجة إلى التأكد من قدرة الأشخاص على تحمل كلف المقامرة والتدقيق في حدود الإنفاق وإجراء تقييمات مستقلة للمستخدمين الجدد، لأنها “ملحة”.
وتريد كل من ستيسي وبيف وتريسي أن يفهم مزيد من الناس أن القمار بلاء مدمر يمكن أن يؤثر بالفعل في النساء، وأن تكون المساعدة متاحة في الوقت نفسه.
تقول تريسي، “من المهم جداً التواصل مع شخص ما والتحدث إليه. لا يهم من أين أنت أو ما هو عمرك، المهم ألا تكون وحيداً أبداً”.
تؤيد ستيسي هذا الكلام وتقول “لا أريد أن يشعر أي شخص بالوحدة كما شعرت أنا. إذا تمكنت من تجاوز الشعور بالخزي فهناك العديد من الأماكن التي يمكنك الذهاب إليها والتي تساعد النساء تحديداً، حيث لن يصدر أي أحد أحكاماً مسبقة ضدك. اتخاذ هذه الخطوة الأولى أمر مخيف، لكنها تستحق ذلك كثيراً، والأمل موجود”.
المصدر: اندبندنت عربية