أحمد سعد
يأبى الزمان إلا أن يدور دورته السنوية، فيعكر علينا مزاجنا، ويذكرنا كل عام بهذا اليوم الأسود، يوم الهزيمة أمام الكيان الصهيوني 5 يونيو 1967، ذلك اليوم الذي تحل ذكراه غير العطرة عند نشر هذا المقال الذي بين يديك، وهو اليوم الذي وقعت فيه أكبر هزيمة لمصر والأمة العربية، وقد أطلق عليها حينها كاهن الإعلام المصري محمد حسنين هيكل اسم ” النكسة ” ليخفف من وطأة مسؤولية إلهه الأعظم جمال عبد الناصر الرئيس المصري السابق فيها، وإن كنت أرى أن هيكل أخطأ من حيث أراد أن يصيب، عندما أطلق عليها هذا الهزيمة لقب ( النكسة ) والخطأ هو أن تسميتها بمسماها الحقيقي وهي الهزيمة، كان سيكون أخف حدة من تسميتها بـ(النكسة) حيث أن اسم (النكسة) كان سببا في تمييزها عن بقية الحروب، فأصبحت هي الأشهر والأكبر بين كل الهزائم التي وقعت بالتاريخ، فما أن تٌذكر كلمة ( النكسة ) فلا ينصرف الذهن إلا إلى ( نكسة يونيو ) ولا شيء غيرها!!
وإذا كان قد مر على هذه الحرب قرابة الستة عقود ( 57 سنة ) إلا أن أثارها على مصر والأمة العربية، مازالت باقية وممتدة حتى وقتنا الحالي، يكفي الإشارة إلى أن حدود إسرائيل قبل هذه المعركة كانت داخل حيز الدولة الفلسطينية فقط، تشاركها فيها الدول العربية بنسبة 43 % من الأرض، ثم جاءت الحرب فطردت مصر والعرب من هذه المساحة، بل وأضافت إلى إسرائيل حدودا جديدة، ليس في فلسطين فقط، وإنما داخل الدولة العربية المحيطة بها ( مصر والأردن وسوريا ) ففي مصر احتلت إسرائيل قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، وفي الأردن احتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية، وفي سوريا احتلت الجولان، وإن كانت قد خرجت من سيناء شكلا، إلا أن سيناء لم تعد للمصريين واقعا!!
وعلى كل هذا فأنا هنا لست بصدد إعادة تقليب المواجع على أبناء الأمة العربية، ولا لإعادة تحليل حرب انتهت، وكتب الواقع وليس الأدباء فصولها وحكاياتها التي لا يمكن تزييفها، وإنما ما وددت ذكره، هو دور جمال عبد الناصر في تلك الخيبة، والذي أراه يتحمل هو بمفرده مسؤوليتها الكاملة قبل أي أحد غيره، وإذا كان هيكل قد أسماها ( نكسة يونيو ) إلا أني أرى أن الاسم العادل لها هو ( نكسة ناصر ) فناصر بسياته الرعناء في إدارة الدولة المصرية، أدى إلى تفكك الجيش المصري كما سنذكر لاحقا بإذن الله، وهو الذي جعل العدو يطمع في مصر ولا يهابها، فقد رأى العدو الصهيوني 1967 أن الفرصة أصبحت مواتية لشن معركة على مصر، مستغلة في ذلك حالة الفوضى والانهيار التي كان عليهما الجيش المصري في ذلك الوقت، ذلك الجيش الذي كان بمثابة الدمية في يد عبد الناصر ومن حوله، يلعبون به ويتصارعون عليه، بل ويتآمرون ضده، فقبل هذه المعركة بسنوات قليلة، كان الصراع بين عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع في ذلك الوقت، قد بلغ مداه، وأدى إلى انقسامات كبيرة داخل المؤسسة العسكرية، فريق يتبع عامر وأخر يتبع عبد الناصر، فعبد الناصر الذي كان يطارده هاجس انقلاب الجيش عليه كما انقلب هو على الملك وانقلب على الرئيس محمد نجيب، بات يسخّر وقته وجهده في كيفية تفادي هذا الانقلاب، وعليه أن يتغدى بعامر قبل أن يتعشى عامر به، فيما كان عامر المنغمس في ملذاته الخاصة، يسعى للحصول على المزيد من السلطة داخل الدولة المصرية، باعتباره شريك رئيس لعبد الناصر في انقلاب يوليو 1952، فضلا عن امتلاكه للقوة العسكرية المتمثلة في الجيش، وحول هذين المحورين، كانت تدور المعركة بين الإثنين، وقد حاول عبد الناصر أكثر من مرة التخلص من عامر عن طريق السياسة، مرة بتكليفه بملف الوحدة مع سوريا ( 1958 ) وهو الملف الذي فشل فيه عامر فشلا ذريعا، وخرج على إثره مطرودا من سوريا، وأخرى بمنحه رئاسة المجلس الرئاسي، وظل الصراع بين الإثنين محتدما لفترة طويلة جدا، تخللتها فترة قطيعة طويلة، وهي قطيعة استمرت لعدة سنوات، كانت خلاها الحرب مستعرة بين الإثنين، فيما كان الضحية هو الجيش المصري، ولم يكتف عبد الناصر بذلك، بل إنه راح ليُجهز على البقية الباقية من الجيش، بعد أن قرر الزج به في حرب لا ناقة للمصريين فيها ولا جمل، وهي حرب اليمن ( 1962) وقيل إن قرار إقحام الجيش في هذه المعركة، كان بهدف شغل المشير عامر بمسؤولياته، وإبعاده عن السياسة، وفي رواية أخرى بهدف التخلص منه، وربما يكون هذا الدافع هو الذي جعل عبد الناصر يُهدر كل مدخرات الدولة المصرية على تلك الحرب، حيث بلغت خسائر مصر المالية فيها 200 مليون جنيه، في وقت كان عبد الناصر يطالب فيه الشعب، بتقليل عدد مرات شرب الشاي لمواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي كان يعيشها المصريون في ذلك الوقت، وبالرغم من هذه التكلفة الضخمة إلا أن الجيش المصري عاد من اليمن يجر أذيال الخيبة والهزيمة، وكانت الضربة الأشد، هي خسارة الجيش المصري لكل شيء ( القوة والسلاح والهيبة والمكانة ) وعندها كانت الفرصة مهيأة تماما أمام العدو الأصلي والحقيقي وهو إسرائيل، أن يستغل هذا العجز، ويشن حرب الخامس من يونيو، ليحقق فيها نصره الأهم والأكبر على مصر والأمة العربية..
وإذا كانت مصر في عهد الرئيس أنور السادات، قد نجحت في إزالة بعض أثار هذا العدوان في بالانتصار في حرب السادس من أكتوبر 1973، إلا أنها لم تُزل أثار النكسة، فمازالت مصر والأمة العربية والإسلامية يدفعون ثمن النكسة غاليا، يكفي ما يحدث الآن في حق إخواننا بغزة!!
فمن هو الذي وضع بذرة نماء وتضخم الكيان الصهيوني، ألم يكن هو جمال عبد الناصر؟!
أليس من الأصح أن نقول ( نكسة ناصر ) لا ( نكسة يونيو ) من فضلهم أضبطوا المصطلحات!!