سمير الحجاوي
فرض الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على العالم كله أن يحفظ تاريخ السابع من اكتوبر 2023، وهو تاريخ سيبقى في الذاكرة أبد الدهر، وستحفظه البشرية كلها إلى يوم القيامة.
لماذا؟
لأنه الطوفان الذي يجرف كل شيء أمامه، على غرار طوفان نوح الذي شكل “لحظة فارقة” في تاريخ البشرية، وكذلك يشكل “طوفان الاقصى” الفلسطيني لحظة فارقة وانعطافة قل نظيرها في التاريخ الإنساني، لأن الطوفان الفلسطيني “معجزة حقيقية” حسب مقاييس البشر، ومقاييس السحرة أيضا، فحتى السحرة أنفسهم يقفون عاجزين أمام السحر الفلسطيني و”معجزة طوفان الأقصى” في قطاع غزة.
لماذا يعتبر “طوفان الاقصى” معجزة فلسطينية غزاوية خالصة .. إليكم الأسباب:
أولا: التحليل المنطقة “الواقعي” الذي يعتمد على الحسابات والرياضيات يقوم انه لا يوجد اي وجه للمقارنة بين القوة المادية والعسكرية التي يمتلكها الكيان الاسرائيلي، فالعدو الاسرائيلي الصهيونية يمتلك جيشا مدججا بالسلاح والقنابل والذخائر والدبابات والطائرات والمقاتلات والمسيرات والمدرعات وناقلات الجند والغواصات والسفن الحربية والاقمار الصناعية والانظمة الدفاعية “القبة الحديدية وحيتس وغيرها”، الى جانب قدرته على حشد نصف مليون جندي، اشرك منهم حوالي 360 الف جندي في حربه على غزة بالفعل، في حين لا يتجاوز عدد المجاهدين الفلسطينيين في غزة 20 الف مقاتل، او 70 الف مقاتل كما يقول العدو الاسرائيلي.
هذا الخلل في العدد والعدة والعتاد يجعل من خوض معركة ضد جيش العدو الاسرائيلي الصهيوني “ضربا من الجنون”، فالمقاومة الفلسطينية لا تملك الا القليل من المجاهدين، وحتى لو اخذنا العدد الذي يروج له العدو الاسرائيلي فان النسبة هي ( مجاهد فلسطيني واحد في مواجهة 5 جنود اسرائيليين)، وهنا الكفة تميل الى جانب جيش الارهاب الاسرائيلي.
اما المقارنة بين العتاد الذي تملكه المقاومة الاسلامية الفلسطينية وما يملكه جيش العدو الاسرائيلي، فهي غير منطقية تماما، اذا لا يوجد ان وجه للمقارنة اصلا، ويكفي ان العدو الارهابي الصهيوني اسقط على غزة ما يزيد عن 100 الف طن من المتفجرات. ولذلك فان قتال المقاومة الاسلامية الفلسطينية، كتائب القسام وسرايا القدس والمجموعات الاخرى الصغيرة، يعد “جنونا كاملا” بالمقاييس البشرية.
ثانيا: في الوقت الذي تفتح مخازن السلاح الامريكية والبريطانية والفرنسية والالمانية والهولندية والايطالية والهندية للكيان الاسرائيلي، وتوفر له هذه الدول جسرا جويا من الاسلحة والمعدات والعتاد والقنابل والذخائر، يحاصر العدو الاسرائيلي قطاع غزة تماما من 3 جهات، ويحاصر نظام السيسي في مصر، المقاومة الفلسطينية، من الجهة الرابعة.. اين ان المقاومة الاسلامية الفلسطينيية تقاتل بلا مدد من الخارج تماما، وبدون اي تزويد او عتاد او ذخائر. وهذه “معجزة فلسطينية أخرى”.
ثالثا: في الوقت الذي يقاتل في جنود من 41 دولة من العالم مع جيش العدو الاسرائيلي، منهم 4000 جندي يحملون الجنسية المغربية، و 4000 جندي يحملون الجنسية التركية، نجد ان المقاومة الاسلامية الفلسطينية تعتمد فقط على المجاهدين الفلسطينيين من قطاع غزة حصرا، دون الاستعانة باي مقاتل من خارج القطاع، رغم قلة العدد التي لا تتناسب مع عدد جنود العدو الاسرائيلي الصهيوني (360 الف جندي يهودي).. وهذه ايضا معجزة فلسطينية اخرى.
رابعا: اذا استثنيا ايران وحزب الله في لبنان وانصار الله في اليمن، لا تجد المقاومة الاسلامية الفلسطينية في قطاع غزة اي دعم على الاطلاق، بينما يحظى الكيان الاسرائيلي بدعم امريكا واوروبا والهند، كما يحظة بدعم غالبية اليهود في العالم، وجميع اتباع “الصهيونية المسيحية” اضافة الى جانب “الصهاينة العرب” الذي يتحالفون مع العدو الاسرائيلي جهارا نهارا.
وفي الوقت الذي يوفر حلفاء العدو الاسرائيلي الدعم السياسي والاعلامي واللوجستي للاحتلال الاسرائيلي والته العسكرية، لم يجرؤ اي نظام عربي عن اعلان تاييده للمقاومة، وكل الدول الاسلامية صمتت صمت القبور “باستثناء تركيا التي تقدم في بعض الاحيان دعما لفظيا لا يتجاوز الحلق والشفتين”، ومنها تصريحات الرئيس التركي اردوغان الذي هدد بالتدخل في غزة كما فعل في ناكورنو كاراباخ في اذربيجان وفي ليبيا” ولكنه وضع شرطا الا وهو “عندما تتوفر القوة الكافية”، وهي كلمة تنزع اي معنى من التصريح، ويبقيه في اطار “فشة الخلق” او “زفرة غضب لا تآخذونا عليها”..
ورغم عدم وجود اي دعم عربي حقيقي (شعبي او رسمي)، وعدم وجود اي دعم اسلامي او أممي، تستمر المقاومة الاسلامية الفلسطينية بالقتال في قطاع غزة لمدة 10 شهور حتى الان، وهذه ايضا “معجزة فلسطينية”.
خامسا: تقاتل المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس والجهاد) في جغرافيا صعبة للغاية، وفي مساحة ضيقة 365 كم متر ، في مواجهة 360 الف جندي اسرائيلي صهيوني يهودي، واذا حولناها الى ارقام فهذا يعني (1000 جندي يهودي اسرائيلي لكل كيلومتر مربع) .. هل لاحظتم النسبة 1000 جندي يهودي لكل 1 كم2، وهي نسبة لا مثيل لها في الحروب التي خاضتها البشرية كلها، وقارنوا مثلا مع الجزائر وفيتنام وافغانستان.. وهذه “معجزة فلسطينية”
سادسا: في الوقت الذي يعاني فيه سكان قطاع غزة وعددهم 2.3 مليون نسمة، من الجوع والمجاعة والتجويع الاسرائيلي، ونقص الماء والدواء والكهرباء والغذاء، وفي الوقت الوقت الذي يحاصر فيه العدو الاسرائيل وحليفه النظام المصري “نظام السيسي” ويمنعان دخول الغذاء والدواء والماء الى قطاع غزة، تسمح دولا عربيا “الامارات والبحرين والسعودية والاردن” بتسيير جسر بري من الشاحنات لتزويد العدو الاسرائيلي بما يحتاجه من الغذاء والدواء والمستلزمات الاخرى” كما تقوم شركات مصرية ومغربية وتركية بالتصدير الى الكيان الاسرائيلي، وهي عملية دعم لوجستية للعدو الاسرائيلي، في حين يحرم قطاع غزة الدعم ولا تسير اي دولة عربية او اسلامية او غيرها جسرا بريا او بحريا لمد اهل غزة بالغذاء والدواء والماء وما يحتاجونه من مستلزمات للبقاء على قيد الحياة، باستثناء بعض ما يقدم من القليل الذي يمنع حصول “ابادة غذائية شاملة” تؤدي الى موت سكان قطاع غزة جوعا وعطشا ومرضا، وهي مساعدات “تلفزيونية لزوم الشو” لا اكثر ولا اقل.
في ظل مثل هذه الظروف الانسانية الصعبة جدا فان القتال عبارة عن “معجزة فلسطينية” كاملة، واستمرار المجاهدين بالقتال والاثخان في العدو الاسرائيلي الصهيوني اليهودي “خارج كل الحسابات المنطقية”، رغم الخذلان العربي والاسلامي والانساني وتآمر “بعض الأخوة الاعداء” على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ولهذا تحول القتال والجهاد في غزة الى معجزة
سابعا: لاول مرة في التاريخ الفلسطيني يقاتل جزء من الشعب الفلسطيني دون مساندة حقيقة من باقي الشعب الفلسطيني، ففي كل الحروب والانتفاضات الفلسطينية السابقة، داخل وخارج فلسطين، كانت غزة والضفة الغربية وفلسطين المحتلة عام 48 والفلسطينيون خارج فلسطين يدا واحد وصفا واحدا “باستثناء الخونة والعملاء”، ولكن هذه المرة يخوض الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الحرب وحده دفاعا عن فلسطين والمسجد الاقصى، بدون ان يكون مشاركة كاملة من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والشعب الفلسطيني داخل الخط الاخضر والشعب الفلسطيني خارجة فلسطين.. اي ان 2.3 مليون فلسطيني في غزة يقاتلون نيابة عن 14 مليون فلسطيني في العالم،
ورغم مشاركة الشعب الفلسطيني في مدن جنين ونابلس وطولكرم والخليل وبعض القرى هنا وهناك في الضفة، الا ان هذه الجهود المباركة تعتبر مشاركة “جزئية ومعزولة”، في ظل وجود سلطة محمود عباس في رام الله التي تتحالف مع العدو الاسرائيلي بمنع اندلاع مواجهات شاملة في الضفة الغربية لتخفيف الضغط عن قطاع غزة، وهذا ما يجعل من سلطة التنسيق الامني شريكا كاملا للعدو الاسرائيلي.. وهذا يجعل من المقاومة الاسلامية الفلسطينية في قطاع غزة “معجزة” لانها تقاتل نيابة عن الشعب الفلسطيني في الضفة والداخل وخارج فلسطين، دون ان تتلقى منهم الدعم الكافي.
ثامنا: لاول مرة في تاريخ الجهاد في فلسطين، يشن اعلام “عربي متصهين” حملة شرسة على المقاومة الفلسطينية، وهي حملة مركزة عدوانية تقودها “العربية والحدث وسكاي نيوز” وقنوات مواقع اماراتية وسعودية ومصرية، ومواقع ممولة من الامارات في دول أخرى، وتتبنى هذه الوسائل الاعلامية الرواية الصهيونية، وتروج لسردية العدو الاسرائيلي، وتعادي بشدة وشراسة الشعب الفلسطيني ومقاومته في غزة.. ورغم ذلك تستمر المقاومة الاسلامية الفلسطينية، وتستمر كتائب القسام وسرايا القدس بالقتال وتحقيق انجازات على الارض في مواجهة العدو الاسرائيلي وتوقع خسائر يومية من جنود هذا العدو والياته.. وهذه “معجزة فلسطينية” كاملة وحقيقية
تاسعا: لا يستطيع احد ان ينكر الثمن الغالي الذي دفعه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والتضحيات الخرافية الاسطورية، فقد قدم خلال 296 يوما من القتال ما يزيد من 40 الف شهيد وشهيدة و90 الف جريح وجريحة و 10 الاف مفقود، اي ان عدد الضحايا يتجاوز 140 الف من الشهداء والجرحى والمصابين والمفقودين، بما لا يقارن مع اي حرب خاضها شعب من الشعوب، فقد القيت قنابل على قطاع غزة اكثر 10 اضعاف ما القي على مدينة دريسدن الالمانية في الحرب العالمية الثانية، وقتل من الاطفال في غزة خلال شهرين اكثر مما قتل في اوكرانيا خلال عامين، وارتقى من الشهداء في غزة اكثر من عدد الشهداء الافغان خلال 20 عاما من الحرب.. وهنا تبرز معجزة الصمود الفلسطيني رغم الالم والدماء والدموع، وهي امانة في رقابنا جميعا وعلينا ان نسد هذا الدين لاهل غزة بكل الطرق الممكنة، بالسلاح والمال وتوفير الغذاء والدواء وكل انواع الدعم.
عاشرا:“المعجزة الأكبر لطوفان الاقصى” هي اسقاط كل الاقنعة، وكشف كل الاعداء والخونة والمطبعين وحلفاء العدو الاسرائيلي الصهيوني، واسقاط اقنعة المنظمات الدولية الكاذبة، واسقاط زيف دعاوى المنظمات الانسانية التي لم تفعل شيئا، واهم من ذلك كله اسقاط اقنعة الانظمة الحاكمة التي تتحالف مع العدو وتتآمر على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.
إنها المعجزات الفلسطينية الخالصة.. معجزات المقاومة الاسلامية الفلسطينية.. معجزات الصمود الفلسطيني والجهاد الفلسطيني والثبات الفلسطيني.. إنها “معجزات طوفان الاقصى” الفلسطينية التي لم تنتهي بعد..