البابور العربي – متابعات
نفى جيش الاحتلال، من خلال “مصادر عسكرية” محجوبة الهوية، ما تناقلته وسائل إعلام أجنبية بأن قواته شرعت، أو توشك على الشروع، في حملة برية في لبنان، وقال إنه لم يبدأ بذلك بعد، وإن هذا هو قرار المستوى السياسي.
وفي التزامن، يواصل رؤساء السلطات المحلية في الجليل، وأوساطٌ إسرائيلية أخرى تطالب باجتياح بري لتمكين عشرات آلاف النازحين الإسرائيليين من العودة لمستوطناتهم بأمان، ومن أجل استغلال “الاندفاعة” الإسرائيلية، المطالبة بتوجيه ضربة كبيرة لمقدرات “حزب الله”، وتعزيز الهيبة، والمساومة لاحقاً في الطريق لتسوية ممكنة.
بعد، ورغم، اغتيال حسن نصر الله هل تستغل إسرائيل الاندفاعة، والنجاحات التكتيكية، للقيام بحملة برية في لبنان، بهدف مواصلة الإجهاز على مقدرات “حزب الله”، وخدمة هدفها المعلن باستعادة النازحين للمستوطنات في الجليل، ومن أجل استخدام سيطرتها على شريط جغرافي حدودي كورقة مساومة؟
إعلام أمريكي: إسرائيل بدأت عملية سيطرة على مساحة ضيقة بطول الحدود مع لبنان من أجل بناء حزام أمني يساعد في طمأنة النازحين الإسرائيليين للعودة لمنازلهم
وسائل إعلام أمريكية تقول، خلال الساعات الأخيرة، إن إسرائيل بدأت عملية سيطرة على مساحة ضيقة بطول الحدود مع لبنان من أجل بناء حزام أمني يساعد في طمأنة النازحين الإسرائيليين للعودة لمنازلهم. غير أن إسرائيل عقبت على هذه التقارير الصحفية بنفي شروعها في حملة برية، بيد أن استعداداتها تتواصل، وظاهرة على الأرض، من أجل توغّل بري، علاوة على تهديدات ناطقين عسكريين، ودعوات مراقبين وجنرالات في الاحتياط من أجل القيام بذلك، لأن القصف الجوي مهما كان ناجعاً لا يغني عن الحملة البريّة.
منذ عدة أيام، تشهد المناطق الشمالية حركة نشطة للجيش، تشمل عمليات نقل لمدرعات وعربات جند.
وحسب شبكة “إي بي سي” الأمريكية، فإن هذه التحرّكات جزءٌ من استعدادات إسرائيل للقيام بحملة برية، رغم قيامها باغتيال 30 من قادة “حزب الله”، في الأسابيع الأخيرة.
وتنقل الشبكة الأمريكية عن مسؤول أمريكي كبير قوله إن إسرائيل رفضت مقترحاً لوقف النار في لبنان، حتى بشكل جزئي، وعوضاً عن ذلك تواصلُ تفجير مواقع يشتبه بأنها مخازن للصواريخ طويلة المدى.
كما قال المسؤول الأمريكي المذكور إن إسرائيل لا تصغي للدعوات الأمريكية المتكررة بضرورة التوجّه لحل دبلوماسي للأزمة، بل تواصل هجماتها العسكرية في المنطقة، وسط تجاهل من الضغط الأمريكي لضبط النفس.
استعدادات للاجتياح
في المقابل، نقلت صحيفة “معاريف” عن قيادات في جيش الاحتلال قولها إن الاستعدادات للقيام بحملة برية محدودة في لبنان مستمرة، وشدّدت على عدم اتخاذ قرار نهائي بهذا الشأن بعد، فيما تواصل المؤسسة الأمنية مراقبة التطورات في الجبهة الشمالية وتتأهب لكل سيناريو محتمل.
وتنقل الصحيفة عن مواطنين إسرائيليين في الشمال قولهم إن الجيش يواصل نقل العتاد والسلاح للحدود مع لبنان، وبالتزامن يقوم بتدريبات ميدانية في الجليل، وفي الجولان، وبحركة نشطة. منوهة أن جيش الاحتلال يعد نفسه، في الأسبوع الأخير، ضمن استعدادات واسعة، حيث تقوم وحدات برية بتجهيزات لوجستية، وبتدريبات، ما يدلّل على إمكانية لحملة برية وشيكة في لبنان، في حال اقتضت التوتّرات الأمنية ذلك.
كما قالت الصحيفة العبرية إنه، في التزامن مع تحركّات الجيش غير الاعتيادية، فإن المستوطنات القريبة من الحدود تستعد لاحتمالات تصعيد، حيث تحافظ كل سلطة محلية على علاقة مباشرة مع قوات الأمن من أجل تنفيذ استعدادات مناسبة حماية لأمن السكان وتمكينهم من التحرك بأمان وقت الحاجة.
وقالت صحيفة “يسرائيل هيوم”، نقلاً عن مصادر إسرائيلية، إن حركة الجيش في الشمال تندرج ضمن المساعي لإعادة سكان المستوطنات الحدودية لمنازلهم، منوهة لعدم اتخاذ قرار نهائي بعد حيال حملة برية محدودة.
وتتابع: “تؤكد هذه المصادر أن اغتيال نصر الله لا يكفي من أجل إعادة عشرات آلاف النازحين الإسرائيليين، ولا بد من عملية أوسع”.
حركة الأمنيين
ويوضح مديرُ عام حركة “الأمنيين”، الجنرال في الاحتياط يارون بوسكيلا، أن إسرائيل تحقق مكاسب في الشمال، من خلال سلاح الجو فقط، وبالاستناد لمعلومات استخباراتية تراكمت في السنوات الأخيرة، بعضها تم الحصول عليه خلال القتال الحالي. ومن هنا يستنتج بوسكيلا، في حديث لصحيفة “معاريف”، أن الحملة البرية غير واردة في هذه المرحلة. ويضيف: “أعتقد أن المستويين الأمني والسياسي يحاولان إحراز مكسب معيّن دون الدخول في حملة برية، رغم التصريحات الكثيرة في الإعلام، وهذا المكسب بالنسبة لهم هو تراجع “حزب الله” لما خلف الليطاني، وربط ذلك باتفاق شامل يشمل “حماس” أيضاً بكل ما يتعلق بالمخطوفين، وتعليق الحرب في غزة، لا إنهائها. “حزب الله” سقط بذات المفاهيمية المغلوطة التي وقعت بها “حماس”. الجيش ما زال يملك أوراقاً لم يستخدمها بعد، لأن استخدامها يصعد التوتّر أكثر.
كما يقول بوسكيلا إن هناك مساعي الآن للتوصل لوقف النار، كنتيجة ضغط عسكري تكون شروطه لصالح إسرائيل. ويمضي منبهاً: “في نهاية المطاف فإن قوة مفرطة مقابل “حزب الله” من شأنها دفع إيران في نقطة معينة للمعركة، ولست متأكداً إذا كانت المؤسسة الأمنية معنية بذلك الآن. ولذا تتواصل الهجمات الجوية في هذه المرحلة، بغية زيادة الضغط على “حزب الله”، وإحراز اتفاق ما يشمل، كما يبدو، انسحابه لشمال الليطاني، مع رقابة دولية تكفل عدم عودة حزب الله للجنوب”.
رد “حزب الله” هو العامل الأهم
ويتقاطع معه الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، عضو الكنيست السابق عوفر شيلح، الذي يقول، في حديث للإذاعة العبرية الرسمية، إن “حزب الله”، ورغم الضربات الموجعة التي تلقاها، ما زال يملك قدرة كبيرة، وبالرد الأقوى كماً وكيفاً، والسؤال الآن إن كان سيستخدمها.
عن ذلك يضيف شيلح: “الانطباع أن نصر الله، كما تجلّى في خطاباته، دخل في مزاج أنه لن يدخل في مغامرة تهدّد “حزب الله” والسؤال بعده من سيتخذ هذا القرار؟”.
باحث إسرائيلي: “حزب الله”، ورغم الضربات الموجعة التي تلقاها، ما زال يملك قدرة كبيرة، وبالرد الأقوى كمّاً وكيفاً، والسؤال الآن إن كان سيستخدمها
ويرى شيلح أن السؤال الكبير الآن هو محور المقاومة ومحور إيران أمريكا.
ويضيف: “القصة الكبرى: إذا لم تذهب إسرائيل لمبادرة دبلوماسية الآن ستسقط في المحور بين طهران وواشنطن، وتبدّد مكاسبها”. كما يقول شيلح إنه ليس من المتحمّسين لسياسة الاغتيالات، لكن السؤال: ماذا الآن بعد الغياب المهم لنصر الله؟ فهل نبادر، أم نبقى نراهن على القوة فقط؟
وحول السؤال لماذا لم تفعل ما تفعله مع “حزب الله” من قبل، قال شيلح: “لو فعلنا ذلك لكان ردّ حزب الله أشد وأقوى وأخطر بكثير، لأنه كان يمتلك كل قدراته وواثقاً بنفسه”.
وحول “عملية برية حيوية، كما يريد رؤساء الحكم المحلي في الشمال، وإلى أين نسير الآن”، أجاب: “ما يقوله رؤساء الحكم المحلي صحيح، فالسكان النازحون لن يعودوا دون إبعاد قوات “حزب الله” وتهديداته بإطلاق نار، أو اجتياح من قبل حزب الله لمستوطناتهم. بدون ذلك لن يملكوا شعوراً بالأمن. حملة برية هدفها الإبعاد فقط لن تكون مجدية، فالصواريخ تطلق عن بعد، ومن خلف الليطاني، ولذا لا بدّ من تسوية سياسية مع لبنان ومع “حزب الله”، والحملة البرية ينبغي أن تخدم هذا الهدف، وليس بناء حزام أمني في الجنوب اللبناني، فمن يعتقد أن حزاماً أمنياً هو الحل ينسى أن هذا وهمٌ وسراب، فقواتنا ستتحول لهدف حرب عصابات مكلفة”.
ورداً على سؤال حول المحتجزين، تابع شيلح: “للأسف، قصة المخطوفين ابتعدت كثيراً للهوامش. فصل الجبهات فكرة سيئة، فإن كنا نحارب كل المحور بجبهاته علينا استخدام قوتنا ضد كل أذرعه، وعندها، وفي إطار تسوية شاملة، يمكن من خلالها استعادة المخطوفين، وإلا لن يتغير شيء، وسيبقى المخطوفون في غزة. الرهان على أن الضغط العسكري سيكون مجدياً الآن وهم، ولا بد من تسوية شاملة”.
القدس العربي