هاشم محمود
في كتابه “نهضة الأدب الإفريقي” الذي صدر مؤخرًا في سلسلة عالم المعرفة الكويتية (مارس 2024)، تساءل الناقد والأديب الإفريقي موكوما وانجوجي: هل كان مسمى “الأدب الأفريقي” مشروطًا بإنتاجه وكتابته في أفريقيا؟ وهل يجب أن يكون الأدب الأفريقي عن أمور تخص أفريقيا؟ هل يمكن أن يتناول الأدب الأفريقي أي موضوع، أم أنه يشترط أن يطرح موضوعًا له بُعد أفريقي؟ هل يجب ان يحتضن الأدب الأفريقي القارة الأفريقية بأكملها، أو جنوب الصحراء، أو أفريقيا السوداء فقط؟ ثم هل يُكتَب باللغات الأفريقية الأصلية؟ أم يجب أن يتضمن كتابات باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية والبرتغالية ….؟
يعتبر موكوما وانجوجي الأدب الأفريقي أدبًا عالميًّا مصغَّرًا؛ لأنه يجمع كتابات وإنتاج مئات الكتاب والكاتبات، سواء مَن يستقرون في أفريقيا ويكتبون باللغات الاستعمارية (الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية) أو من كتبوا الروايات باللغة المحلية ثم ترجمت إلى لغات الاسنعمار، علاوة على الأدباء ذوي الأصول الأفريقية الذين يعيشون في الشتات، بالإضافة إلى الأدباء الذين ينحدرون من أصول أفريقية، وينتقلون بين الوطن الأم (أفريقيا) والأوطان البديلة في المهجر، أو الأدباء الخلاسيين المهجنين، الذين ولدوا وترعرعوا في المنافي، ولكنهم ظلُّوا مرتبطين عاطفيًّا بالقارة السمراء.
يذكر الدكتور علي شَلَش في كتاب (الأدب الأفريقي) أن هناك إجماعًا بين جمهور المستفرقين على أن الأدب الأفريقي مصطلح يعني أدب المناطق التالية جنوبًا للصحراء الكبرى حتى التقاء القارة بالمحيط في أقصى الجنوب. وقد نشأ هذا الإجماع من أن أفريقيا قارة تقسمها الصحراء الكبرى إلى قسمين مختلفين كل الاختلاف: قسم يقع شمالها، ويسمونه “أفريقيا العربية الإسلامية”، وآخر يقع جنوبها ويسمونه أفريقيا جنوب الصحراء، أو أفريقيا السوداء.
الأدب الإفريقـي إذن، وكمـا حـدده الدكتور جـوريس سيلينكس أستاذ الأدب الإفريقي بجامعة كارنيجي ميلون بالولايات المتحدة الأمريكية، هو: “الإنتاج الأدبي للشعوب الواقعة جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى، والذي بدأ زمانياً مع عهد الاستعمار الأوروبي للقارة”، وهـو يتسم بالمحليـة الشـديدة، فهـو أدب يتشرب من الميثولوجيا، والبيئة، والعادات، والدين والخرافات، والأساطير، هذه العوالم جميعها تصب دائماً في أجناس الأدب الأفريقي كلها بصورة أو بأخرى.
وفي كتابه (دراسة في الأدب الإفريقي الحديث)؛ عرّف “لورنس كورباندي كوديس” الأدب الأفريقي بأنه: “ذلك الأدب الذي يتناول موضوع الأصل الإفريقي، كحقيقة تاريخية بعيدا عن العنصرية ومستندا على فكرة الزَّنْوَجَة مظهرا من مظاهر الأفرقة ويتخذ في ذلك شتى الوسائل الأدبية في التعبير عنه”.
ويعرّفه أديب جنوب أفريقيا “مازيسي كونيني” بقوله: “هو الأدب الذي يصور واقعا أفريقيا بجميع أبعاده. وهذه الأبعاد لا تضم ألوان النزاع مع القوى صاحبة السيطرة السابقة على القارة وحسب، وإنما تضم أيضا النزاعات داخل القارة الأفريقية” .
ومن المواقف المثيرة للجدل أن الشاعر النيجيري “كريستوفر أوكيغبو” ينحى منحى مختلفا في تعريفه للأدب الأفريقي قائلا: “هو – ببساطة – الأدب الموجود في أفريقيا … ومن السخف أن نتصوره نمطا خاصا ذا سمات متينة لها طابعها الأفريقي الخاص، أو ذا قيمة خاصة مرتبطة بالحضارة الأفريقية”. وأضاف: “إنه لا يوجد أدب أفريقي، وإنما (أدب) جيد ورديء، ولا شيء غير ذلك”.
تطور (الرواية الأفريقية):
لا نكاد نعرف عن الرواية الأفريقية السمراء إلا عناوين ضئيلة لأسماء ذاع صيتها عالميّا في حقبة وجيزة، معدودة بأصابع اليدين على الأكثر. في المقدمة نلفي النيجيريين تشينوا أتشيبي صاحب رواية “الأشياء تتداعى” ووول سوينكا صاحب رواية “المفسرون”، الحاصل على جائزة نوبل للآداب سنة 1986، والصومالي نور الدين فرح صاحب رواية “خرائط”، والكيني نغوجي واثيونغو صاحب رواية “حبّة قمح”، والسنغالي عثمان سامبين الشهير سينمائيا صاحب رواية “عامل الميناء الأسود”. في حين تكتنز ذخيرة الرواية الأفريقية السمراء الهائل من الظواهر الجمالية والأساليب النوعية والأسماء المؤسسة والرائدة والمجدّدة لكن تظلّ طيّ المجهول والمنسي
أن ما كتب عن الرواية الإفريقية في منجزها الحديث قليل من كثير، وما سيكتب عنها سيكون أكثر من ذلك بكثير، ذلك أن الرواية الإفريقية تدخل -حالياً- منحنى التحولات في تراكم منجزها، وتميز الكثير من هذا الإنجاز، الذي تحول في الأدب العالمي إلى ظاهرة لافتة، تستحق التقدير والحضور والإعجاب، بعد كثيرٍ من التهميش والتعتيم.
ولا شك أن الرواية في أفريقيا قد شهدت تطوراً كبيراً طال البناء الفني لنصوصها، كما طال سيسيولوجيا مجتمعاتها المختلفة بسيل متراكم، ولافت من النصوص، عبرت وجسدت ملامح هذه المجتمعات، وما يحدث فيها من ممارسات وأحوال تمس الفرد والمجتمع على السواء، ومن ثم فإن الفن الروائي في أفريقيا بمضامينه وأشكاله المختلفة هو لون أدبي يمثل الإنسان الأفريقي بقضاياه وإشكاليات حياته المختلفة بشكل محدد، سواء من حيث كيانه الاجتماعي أو من حيث كيانه التاريخي.
الرواية الأفريقية فتحت مسارات إنسانية كبيرة وخاطبت المجتمعات المحلية والإقليمية والدولية في قضايا التراث ، العادات والتقاليد ، الروح الوطنية والمفاهيم الأدبية الأفريقية ، كل هذا نجده في الروايات التي كتبت في مختلف الدول الأفريقية وهذا ما يمنحها التجديد وفق معايير ومفاهيم المتغيرات الأدبية الحديثة .
الرواية الأفريقية تمكنت من سرد تاريخ القارة ، واحتلت مكانة عالية بين تيارات السرد العالمية خاصة مع انتشار حركة الترجمة ، هي روايات تحكي تاريخ المستعمر والنضال وأنماط الحياة اليومية ، وتذخر بالعوالم الغرائبية والفلكلور المحلي والتراث القديم . استمرار السرد الأفريقي يعني الحديث عن الهوية الأفريقية ومنتوجها الثقافي المعاصر . في هذا التحقيق كثير من النماذج الروائية التي تجيب على سؤال أين تقف الرواية الأفريقية في المشهد الثقافي العالمي ؟ ونتتبع جذور نشأة الرواية الأفريقية ومراحل تطورها مثل كنز أدبي يحتاج من ينقب عنه ويسبر غور تفاصيله المدهشة .
سؤال الحداثة:
حداثة الرواية الأفريقية في ديمومة مستمرة منذ تحولها من حكاية مروية إلى نص مكتوب استوعب تقنية الشكل الغربي في قوالب مواضيع أفريقية ، إذاً الحداثة رهان راهنت عليه الرواية منذ البدء وحتى الآن . يقول في هذا الشأن الشاعر السوداني ( عبدالله شابو ) أن أبسط تعريف للحداثة هو الخروج إلى العالم بمفهوم نقدي انطلاقاً من التراث . فهل استطاعت الرواية الأفريقية الإجابة عن سؤال الحداثة ؟ يجيب الصحفي والمهتم بالثقافة الأفريقية ( راشد عبد الوهاب ) قائلاً ” نعم استطاعت الرواية أن تعبر عن الواقع الثقافي للقارة وشعوبها بمفاهيم نقدية منطلقة من التراث الحضاري . تغذت الرواية بالتراث الأفريقي والتجارب الخاصة وكانت غنية بالصور والمشاهد والدراما وتمكن الروائيين الأفارقة أن يتناولوا الواقع السياسي ، الاقتصادي و الاجتماعي وانتقدوه بل أنهم قدموا أفق حلول للأجيال القادمة ، ومثال ذلك الكاتبة الأمريكية من أصول إثيوبية ( معزة منقست ) في روايتها غير المترجمة إلى العربية ( ما وراء تحديق الأسد ) . في الآونة الأخيرة تمكنت الرواية الأفريقية الحديثة من الانتشار في المنطقة العربية وهناك نماذج لروائيين يكتبون باللغة العربية والفرنسية معاً مثل الكاتب المغربي ( الطاهر بن جلون ) ولاقت هذه الكتابات اصداء جيدة لأنها تصور هوية القارة الأفريقية ” .
الرواية الأفريقية الحديثة هي التي كتبت بصدق المجتمعات الأفريقية البعيدة والمنسية وكتبت الشخصية الأفريقية المتفردة بتاريخها وحضاراتها القديمة ، وتتميز بأنها أخذت تقنيات الرواية الغربية وأضافت إليها محمول السرد الأفريقي القديم والذي هو غني بالحكايات والأحاجي التي توارثتها الأجيال . لذا تميزت الرواية الأفريقية الحديثة بالكثير من الحكم والأمثال التي تجري وتنساب بسهولة عند الحوار الذي يدور بين الشخصيات ” .
تظل الرواية الأفريقية حاضرة في مساحات السرد الإنساني والأدبي ومتجددة عبر الروائيين المعاصرين الذين غيروا مفاهيم الكتابة التقليدية وتخلصوا من إرث الماضي والمستعمر ، كانت الرواية المساحة التي عبروا من خلالها عن ألم الإنسان وقضاياه اليومية مثل فقر المجتمعات والبحث عن العدالة الاجتماعية كما في رواية ( أبكي يا وطني الحبيب ? للكاتب الجنوب أفريقي الآن باتون ) ، وناقشوا فيها قضايا الديمقراطية والحرب الأهلية مثل رواية ( مسيح دارفور ? للكاتب السوداني عبد العزيز بركة ساكن ) ، وكانت مشاكل الهجرة حاضرة في المشهد الروائي الأفريقي الحديث مثل رواية ( كامراد ? للكاتب الجزائري الصديق أحمد) .
ملخَّص ما سبق:
الأدب الأفريقي هو الأدب الذي يتناول قصص وروايات وشعر ومسرحيات وغيرها من الأعمال الأدبية التي كتبها وأنتجها الكتاب والمثقفون في القارة الإفريقية. ويعكس تراث الثقافات والمجتمعات المتنوعة في القارة الإفريقية ويعبر عن الهوية الإفريقية والتحديات التي تواجهها.
يتميز الأدب الأفريقي بتطوره المستمر على مر السنين، فقد بدأ التاريخ الحديث للأدب الأفريقي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث كانت المجتمعات الأفريقية تعاني من الاستعمار والهيمنة الأوروبية. ومنذ ذلك الحين، شهد الأدب الأفريقي تطورًا كبيرًا، حيث اكتسب أهمية كبيرة في التعبير عن معاناة المجتمعات الأفريقية، وتعزيز الهوية الإفريقية، وتحفيز الوعي والنضال من أجل الحرية والعدالة.
تتميز مراحل تطور الأدب الأفريقي بالتالي:
1- المرحلة التقليدية: وهي المرحلة التي سبقت الاستعمار، والتي تعتمد على الشعر الشفوي والحكايات الشعبية.
2- المرحلة المؤسسية: وهي المرحلة التي بدأت بالتزامن مع الاستعمار، حيث توجه النخبة الأفريقية إلى العمل الأدبي كوسيلة لتعزيز الهوية الوطنية والمقاومة ضد الاستعمار.
3- المرحلة الحديثة: وهي المرحلة التي ازدهرت فيها الأنواع الأدبية المختلفة، مثل الرواية والشعر والمسرحية، وكان عنصر التحدي الاجتماعي والسياسي هو المحور الأساسي للعمل الأدبي.
4- المرحلة الحديثة جدًا: وهي المرحلة الحالية، حيث يتحد الأدب الأفريقي بين التقليد والحداثة، ويعتمد على التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن الثقافات الإفريقية المتنوعة.
هاشم محمود: روائي ارتري