– أرى أنه من الضروري اتخاذ قرار طال انتظاره للاعتراف باستقلال جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية في أقرب وقت ممكن
– نعلم أن هناك تصريحات تفيد بأن أوكرانيا ستصنع أسلحتها النووية وهذا ليس هراء، فأوكرانيا لا تزال تمتلك التقنيات النووية السوفيتية ووسائل صناعتها
– صواريخ توماهوك سيمكنها وصول موسكو خلال 35 دقيقة، وستكون الصواريخ الباليستية المنطلقة من خاركيف قادرة على الوصول في غضون 7-8 دقائق
– الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت ستصل موسكو في غضون 4 – 5 دقائق، وهذا الوضع يوازي وضعنا على المقصلة
– نعرف من هو أكبر عدو للولايات المتحدة والناتو، هذا العدو هو روسيا. تم إعلان بلدنا رسميًا بوثائق الناتو أنه يشكل مصدر تهديد للأمن الأوروبي والأطلسيأوكرانيا ليست مجرد دولة مجاورة لنا، فهي جزء لا يتجزأ من تاريخنا وثقافتنا وفضائنا المعنوي
البابور العربي – متابعات
أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مجموعة واسعة من التقييمات تناول خلالها التطورات التاريخية منذ تأسيس أوكرانيا إلى انهيار الاتحاد السوفيتي، ومن الوضع السياسي في أوكرانيا إلى النزاعات في دونباس، خلال كلمة وجهها للرأي العام، أعلن خلالها قراره الاعتراف بالأنظمة الانفصالية شرق أوكرانيا.
وفيما يلي نص الخطاب الذي تم بثه مساء الإثنين 21 فبراير/شباط 2022:
“سبب خطابي اليوم هو الأحداث في أوكرانيا وأهميتها بالنسبة لنا ولروسيا. بالطبع، خطابي موجه إلى مواطنينا في أوكرانيا. الموضوع على قدر عالٍ من الأهمية وسيتعين علي التحدث بالتفصيل.
لقد اكتسب الوضع في دونباس مرة أخرى طابعًا حرجًا ومستعجلًا. وأنا أتحدث إليكم مباشرة اليوم ليس فقط لتقييم ما يحدث، ولكن أيضًا لإبلاغكم بالقرارات المتخذة والخطوات المحتملة التي يمكن اتخاذها في هذا الاتجاه.
أوكرانيا ليست مجرد دولة مجاورة لنا، فهي جزء لا يتجزأ من تاريخنا وثقافتنا وفضائنا المعنوي. هؤلاء ليسوا رفاقنا وأقاربنا وزملائنا وأصدقاءنا فحسب، بل هم أيضًا أقاربنا، تربطنا معهم صلة الدم وروابط عائلية.
لفترة طويلة، أطلق سكان الأراضي الروسية القديمة الجنوبية الغربية التاريخية على أنفسهم اسم الروس والأرثوذكس. كان هذا هو الحال حتى القرن السابع عشر وبعده، عندما تم لم شمل أجزاء من هذه المناطق مع الدولة الروسية. نعتقد أننا نعرف كل هذه الأمور وأننا نذكر هنا عناصر يعرفها الجميع. ومع ذلك فأنا بحاجة للحديث عن هذه القضايا التاريخية لشرح ما يحدث اليوم وأسباب وأهداف تصرفات روسيا.
أبدأ من حقيقة أن أوكرانيا تأسست بالكامل من قبل روسيا، حتى من قبل روسيا البلشفية الشيوعية. بدأت هذه العملية فور ثورة 1917. عمل (فلاديمير) لينين وأصدقاؤه بشكل فجّ جدًا ضد مصالح روسيا من خلال فصل جزء من أراضينا التاريخية وتمزيقها إربًا. بالطبع، لم يستشر أحد ملايين الأشخاص الذين يعيشون هناك عندما جرى فعل ذلك. بعدها، وعشية الحرب الوطنية العظمى وبعدها، وحّد (جوزيف) ستالين بالفعل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، ونقل ملكية بعض الأراضي التي كانت في السابق تابعة لبولندا ورومانيا والمجر إلى أوكرانيا. في الوقت نفسه، وكنوع من التعويض، أعطى ستالين بولندا جزءًا من الأراضي الألمانية. وفي عام 1954 اقتطع خروتشوف لسبب ما شبه جزيرة القرم من روسيا ووهبها لأوكرانيا. في الواقع، بهذه الطريقة تشكّلت أراضي أوكرانيا السوفيتية. ومع ذلك، أود أن ألفت انتباهكم إلى الفترة الأولى لتأسيس الاتحاد السوفياتي. أعتقد أن هذا مهم للغاية بالنسبة لنا. لذلك، سيتعين علي التطرق إلى الموضوع أيضًا.
بعد ثورة أكتوبر عام 1917 والحرب الأهلية اللاحقة، بدأ البلاشفة في إقامة نظام جديد للدولة. نشأت خلافات حادة للغاية بين البلاشفة.
بعد أن تولى ستالين مناصب السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي التابع للبلاشفة ومفوض الشعب للشؤون الوطنية عام 1922، اقترح بناء دولة تقوم على مبادئ الحكم الذاتي، أي إعطاء سلطات واسعة للجمهوريات، والوحدات الإدارية والإقليمية المستقبلية، وضمان قيامها بأنشطتها في إطار دولة واحدة. ولاحقًا، انتقد لينين هذه الخطة وعرض تقديم تنازلات للقوميين، الذين أطلق عليهم فيما بعد اسم “الاستقلاليين”. كانت هذه الأفكار اللينينية بالفعل هي التي شكلت أساس الدولة السوفيتية، وشعارها حول نظام الدولة الكونفدرالية وحق الأمم في تقرير المصير بما في ذلك الانفصال: تم تضمين هذه الأفكار لأول مرة في البيان التأسيسي للاتحاد السوفيتي عام 1922. وتم تكريسها في عملية بناء الاتحاد السوفياتي وبعد وفاة لينين وفي دستور الاتحاد السوفياتي لعام 1924.
هنا لا بد لنا أن نطرح العديد من الأسئلة. السؤال الأول هو الأهم. لماذا كان من الضروري إشباع الطموحات المتزايدة للقوميين الموجودين في المناطق الموجودة على هامش الإمبراطورية القديمة، ولماذا تم إعطاء الوحدات الإدارية التي أعيد تأسيسها والتي غالبًا ما تم إنشاؤها بشكل تعسفي، وجمهوريات الاتحاد، تلك المناطق الشاسعة من روسيا التاريخية؟.
لقد تم إعطاء الوحدات الإدارية صفة تأسيس دول قومية. أسأل نفسي مرة أخرى: لماذا كان من الضروري تقديم مثل هذه الهدايا السخية التي لم يحلم بها أكثر القوميين حماسة، وحتى منح الجمهوريات الحق في الانفصال عن الدولة الموحدة دون أي شروط؟.
للوهلة الأولى، غالبًا ما يكون هذا الموقف غير مفهوم، وضرب من ضروب الجنون. لكن هذا فقط للوهلة الأولى. لقد كان لهذا الموقف تفسيرًا. فبعد الثورة، كانت المهمة الرئيسية للبلاشفة هي البقاء في السلطة بأي ثمن. لقد فعلوا كل شيء من أجل هذا: لقد قبلوا من أجل تحقيق هذه الغاية الشروط المهينة لسلام بريست في وقت كانت فيه ألمانيا القيصرية وحلفاؤها في وضع عسكري واقتصادي صعب، وكانت نتيجة الحرب العالمية الأولى في الواقع نتيجة حتمية، ورضخوا أيضًا لجميع مطالب ورغبات القوميين في البلاد.
وفيما يتعلق بالمصير التاريخي لروسيا وشعوبها، اتضح أن المبادئ اللينينية لبناء الدولة لم تكن مجرد خطأ، بل كانت أسوأ بكثير من خطأ. لقد أصبح هذا جليًا تمامًا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.
بالطبع، لا يمكن تغيير الأحداث التي جرت في الماضي. لكن على الأقل نحتاج إلى التحدث عنها بشكل مباشر وصادق دون تحفظات أو إيحاءات سياسية. كما يمكنني أن أضيف أن اعتبارات الوضع السياسي الحالي، مهما بدت رائعة في لحظة معينة من الزمن، لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تؤخذ كأساس للمبادئ الأساسية للحكم.
الآن لا ألوم أي شخص على أي شيء جرى اقترافه في ذلك الوقت، فقد كان الوضع في البلاد قبل الحرب الأهلية وبعدها صعبًا وحرجًا بشكل لا يصدق. هذه حقيقة تاريخية. لقد ظهرت أوكرانيا السوفييتية نتيجة للسياسات البلشفية، لذلك ليس من الضير أن نطلق عليها اسم “أوكرانيا فلاديمير إيليتش لينين”. لينين هو مصمم ومهندس تأسيس أوكرانيا. تم برهنة هذا بشكل واضح من خلال الوثائق الأرشيفية، بما في ذلك توجيهات لينين القاسية بشأن دونباس، والتي تم وضعها ضمن حدود أوكرانيا. والآن قام “أحفاده الأشاوس” بهدم تماثيل لينين في أوكرانيا. هذا هو ما يسمونه باجتثاث الشيوعية. هل تريدون التخلص من الشيوعية؟ هذا موقف يناسبنا أيضًا. لكن وكما يقولون، يجب ألا يتم التوقف في منتصف الطريق. نحن على استعداد لنوضح لكم ما يعنيه التخلص الحقيقي من الشيوعية بالنسبة لأوكرانيا.
أما بالنسبة للتاريخ، فقد تأسس الاتحاد السوفياتي عام 1922 على أراضي الإمبراطورية الروسية السابقة. ومع ذلك، فقد أظهرت الحياة أنه من المستحيل حماية مثل هذه المنطقة الكبيرة والمعقدة أو حكمها استنادًا إلى المبادئ المقترحة التي لا شكل لها، بما في ذلك المبادئ الكونفدرالية. إن هذا الوضع يعتبر انفصالًا عن كل من الواقع والتقاليد التاريخية.
إنه لمن الطبيعي أن يتحول الإرهاب الأحمر والانتقال السريع إلى الديكتاتورية الستالينية وسيطرة الأيديولوجية الشيوعية واحتكار الحزب الشيوعي إلى بيان بسيط لنظام اقتصاد وطني. في الواقع، تحول كل هذا إلى بيان بسيط، شكلي من حيث المبادئ المعلنة، ولكن غير قابل للتطبيق في نظام الدولة. في الواقع، لم يكن للجمهوريات الاتحادية أي حقوق سيادية، فهي ببساطة لم تكن موجودة، لأنه في الممارسة العملية، تم إنشاء دولة مركزية بحتة.
في الواقع، ومن الناحية العملية، طبق ستالين بالكامل أفكاره وعكسها على هيكل الدولة، ولم يتقيّد بأفكار لينين. ومع ذلك، لم يدرج التغييرات ذات الصلة في الوثائق المكونة للنظام، في دستور البلاد. لم يتم مراجعة المبادئ اللينينية المعلنة التي بني عليها الاتحاد السوفيتي رسميًا. نعم، يبدو أن ذلك لم يكن ضروريًا. ففي ظل نظام شمولي، كان كل شيء لا يزال يعمل وكل شيء بدا جميلًا وجذابًا وحتى ديمقراطيًا للغاية من الخارج.
لسوء الحظ، لم يتم تطهير الأساس القانوني القائم على الأوهام الطوباوية والمثيرة للاشمئزاز لمرحلة ما بعد الثورة، والذي بُنيت عليه الدولة الروسية. وكما هو الحال دائمًا في الماضي، لم يفكر أحد في المستقبل. بدا قادة الحزب الشيوعي واثقين من أنهم نجحوا في إقامة نظام حكم قوي، وأنهم من خلال سياساتهم تمكنوا أخيرًا من إيجاد حلول ناجعة للقضايا الوطنية. لكن التزييف واستبدال المفاهيم والتلاعب بالوعي العام والخداع له ثمن. إن بكتيريا الطموحات القومية لم تختفِ، واللغم الذي وضع في البداية يواصل مسيرة إضعاف مناعة الدولة ضد عدوى القومية، التي تنتظر الوقت المناسب فقط. كان هذا اللغم هو الحق في الانفصال عن الاتحاد السوفيتي.
وفي منتصف الثمانينات، وعلى خلفية المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة، نمت الأزمة الواضحة للاقتصاد الشيوعي، ونمت معها بعض الطموحات والتطلعات غير المحققة لشعوب الاتحاد، فضلاً عن الشهية المتزايدة للنخب المحلية. اقتصرت قيادة الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي على الحديث الفارغ عن استعادة المبدأ اللينيني لتقرير المصير، بدلاً من تحليل الوضع بعمق، واتخاذ تدابير مناسبة في الاقتصاد، وفسح المجال أمام التحول السياسي وإعادة هيكلة الدولة.
وبدلاً عن ذلك، وفي غمرة الصراع على السلطة داخل الحزب الشيوعي، عزز الأطراف وبتهور المشاعر القومية من أجل توسيع قاعدة مؤيديهم، ودعموا النزعات القومية، وبدأوا بإغداق الوعود التي يشتهيها المؤيدون.
وعلى خلفية الأحاديث السطحية والشعبوية حول الديمقراطية ومستقبل مشرق مبني على أساس اقتصاد السوق أو الخطط الاقتصادية، وفي ظروف إفقار حقيقي للشعب ودفعه نحو مجاعة قائمة الأركان، لم يفكر أي من الموجودين في السلطة بالعواقب المأساوية الحتمية التي ستحل بالشعب والبلد. في الحقبة السوفيتية السابقة، كان الحزب الشيوعي للاتحاد السوفييتي يحاول تغذية طموحات مجموعات النخبة القومية التي نشأت داخل الحزب، متناسيًا أنه لم يعد يمتلك أدوات مثل إرهاب الدولة وديكتاتورية ستالين ولا حتى دورًا كحزب حاكم قادر على حكم البلاد. لقد انقشع الحزب من الحياة السياسية مثل ضباب الصباح.
وفي سبتمبر 1989، في الجلسة العامة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الاشتراكي السوفياتي، تم تبني وثيقة حتمية تحتوي على ما يسمى بالسياسة الوطنية للحزب وفقًا للظروف المستجدّة. احتوت هذه الوثيقة على أحكام تنص على أن جمهوريات الاتحاد تتمتع بجميع الحقوق المقابلة لوضعها كدول اشتراكية ذات سيادة.
احتوت هذه الوثيقة أيضًا على بند مفاده أن السلطات التمثيلية الأعلى للجمهوريات الاتحادية يمكنها الاحتجاج وتعليق تنفيذ قرارات وأوامر الحكومة المركزية على أراضيها. نصت هذه الوثيقة على أن كل جمهورية اتحادية يجب أن يكون لها جنسيتها الخاصة تمنحها لجميع المواطنين المقيمين على أرضها.
ألم يكن واضحا ما الذي ستجلبه مثل هذه الصيغ والقرارات؟ السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا كان من الضروري زعزعة البلد بهذه الطريقة خلال تلك الظروف الصعبة؟ تبقى الحقيقة هي الحقيقة. كان انهيار الاتحاد السوفياتي، في الواقع، نتيجة محددة سلفًا وقبل عامين. الآن، وقبل كل شيء، ينسب الراديكاليون والقوميون في أوكرانيا إلى أنفسهم فضيلة نيل الاستقلال. وكما نرى، لم يكن الوضع هكذا على الإطلاق. لقد أدت الأخطاء التاريخية والاستراتيجية التي ارتكبها قادة البلاشفة في بناء الدولة والسياسة الاقتصادية والوطنية في أوقات مختلفة في ظل الحزب الشيوعي إلى تفكك الاتحاد السوفياتي. إن قضية انهيار روسيا التاريخية تحت اسم الاتحاد السوفيتي متروكة لضمائر أولئك القادة.
على الرغم من كل هذه المظالم والخداع والنهب الذي تعرضت له روسيا، إلا أن شعبنا اعترف بالحقائق الجيوسياسية الجديدة التي ظهرت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، واعترف بالدول المستقلة حديثًا. ولم يعترف وحسب، بل قامت روسيا الاتحادية نفسها، رغم الموقف الصعب الذي كان سائدًا في ذلك الوقت، بمد يد العون للشركاء في رابطة الدول المستقلة بما في ذلك الزملاء في أوكرانيا، الذين بدأوا يتلقون آنذاك عددًا كبيرًا من طلبات الدعم المالي منذ اللحظة الأولى للاستقلال. لقد تجاوب بلدنا مع هذا الوضع الصعب وقدّم لأوكرانيا الدعم اللازم، مرفقًا باحترام كرامة وسيادة أوكرانيا.
وبحسب تقديرات الخبراء، فإن إجمالي الدعم الذي قدمته روسيا للميزانية الأوكرانية في الفترة من 1991 إلى 2013 يبلغ نحو 250 مليار دولار.
لكن هذا ليس كل شيء. في نهاية عام 1991، بلغت التزامات ديون الاتحاد السوفياتي للدول الأجنبية والصناديق الدولية حوالي 100 مليار دولار. وفي البداية، كان من المفترض أن يتم سداد هذه القروض تضامنًا من قبل جميع جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق بما يتناسب مع إمكاناتها الاقتصادية. لكن روسيا تعهدت بسداد جميع الديون السوفيتية ودفعتها بالكامل، واكتملت عملية السداد هذه عام 2017.
جرى ذلك مقابل تخلي الدول المستقلة حديثًا عن حصتها من الأصول الأجنبية السوفيتية، وتم التوصل إلى اتفاقيات ثنائية في هذا الإطار مع أوكرانيا في ديسمبر 1994. ومع ذلك، لم تصدّق كييف على هذه الاتفاقيات ورفضت لاحقًا الامتثال لها. لقد بدأت كييف وقتها بالمطالبة بصندوق الماس واحتياطيات الذهب، وكذلك الممتلكات والأصول الأخرى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية السابق في الخارج. ومع ذلك، وعلى الرغم من المشاكل المعروفة، فقد تعاونت روسيا دائمًا بصراحة ووضوح مع أوكرانيا واحترمت مصالحها، وقد تطورت علاقاتنا في مختلف المجالات، وتجاوز حجم التجارة الثنائية بين البلدين 50 مليار دولار عام 2011. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن حجم تجارة أوكرانيا مع جميع دول الاتحاد الأوروبي عام 2019، أي حتى قبل الوباء، كان أقل من هذا المؤشر.
في الوقت نفسه، كان من الواضح أن السلطات الأوكرانية تفضل التعامل مع علاقاتها مع روسيا بحيث يكون لها جميع الحقوق والمزايا، ولكن دون التقيد بأي التزامات. بدأ الأمل في الحصول على المساعدة يهيمن على روح الشراكة. فاكتسبت العلاقات بين سلطات كييف طابعًا غامضًا. يكفي أن نتذكر الابتزاز وسرقة الغاز في مناطق مرور خطوط الطاقة.
تمت محاولة استخدام الحوار مع روسيا من قبل السلطات في كييف كذريعة للمساومة مع الغرب، وتم ابتزاز الغرب من خلال التقارب مع موسكو، والتلويح بتزايد نفوذ روسيا على أوكرانيا.
إضافة إلى ما سبق، بدأت السلطات الأوكرانية ومنذ الخطوة الأولى في بناء دولتها، بإنكار كل ما يوحدنا. لقد حاولوا تشويه الوعي والذاكرة التاريخية لملايين الأشخاص الذين يعيشون في أوكرانيا، من جميع الأجيال. ليس من المستغرب أن المجتمع الأوكراني سرعان ما واجه صعود القومية المتطرفة، والتي اتخذت شكلًا عدائيًا ضد روسيا مع نزعة نحو النازية الجديدة. في الواقع لقد تحول ما سبق إلى مصدر يغذي انضمام القوميين الأوكرانيين والنازيين الجدد في العصابات الإرهابية في شمال القوقاز ورفع المزيد والمزيد من المطالب المتعلقة بالتراب الإقليمي الروسي. وفي هذا الإطار لعبت القوى الأجنبية دورها أيضًا، حيث وسعت شبكة عملائها وروجت لممثليها وأوصلتهم إلى السلطة في أوكرانيا بمساعدة شبكة كبيرة من المنظمات غير الحكومية والخدمات الخاصة.
كما من المهم أيضًا أن نفهم أن أوكرانيا لم يكن لديها في الواقع تقليد ثابت للدولة الحقيقية. وبدءًا من عام 1991، اختارت كييف مسار النسخ الميكانيكي لنماذج أخرى، منفصلة عن التاريخ والواقع الأوكراني. فقد تمت إعادة تشكيل مؤسسات الدولة السياسية باستمرار لتناسب العشائر (المجموعات) التي تشكلت بسرعة لتحقيق مصالح أنانية، لا علاقة لها بمصالح الشعب الأوكراني.
إن الغرض الكامل من تفضيل حكومة الأوليغارشية الأوكرانية لما يسمى بالحضارة الموالية للغرب ليس خلق ظروف أفضل لرفاهية الشعب، بل لخدمة إطاعة أوامر خصوم روسيا الجيوسياسيين، وحماية مليارات الدولارات المسروقة من الأوكرانيين، التي يتم تخزينها من قبل الأوليغارشيين في حسابات لهم بالبنوك الغربية.
لقد كان الحزب وبعض مجموعات التمويل الصناعي التي جندوها للحفاظ على الوضع السياسي القائم، يعتمدون في البداية على القوميين والراديكاليين. فيما دعا آخرون لإقامة علاقات جيدة مع روسيا من أجل المحافظة على التنوع الثقافي واللغوي، ووصلوا إلى السلطة بأصوات المواطنين الذين أيدوا بصدق مثل هذه التطلعات، بما في ذلك الملايين من سكان جنوب شرق البلاد. ومع ذلك، وبعد وصولهم إلى المناصب المُرادة، خانوا على الفور ناخبيهم وتخلوا عن وعودهم الانتخابية وشرعوا بتنفيذ سياسات جرى تطبيقها استجابة لإملاءات الراديكاليين. لقد اضطهدوا بعض الأحيان حلفاء الأمس ومارسوا ضغوطات شتّى على المؤسسات العامة التي دعت إلى ثنائية اللغة من أجل تعزيز التعاون مع روسيا. كما استغلوا حقيقة أن أنصارهم الذين يشكلون القاعدة العامة، كانوا ملتزمين بتطبيق القانون وذوي أفكار معتدلة ومعتادين على الثقة بالسلطات؛ كما أنهم، وعلى عكس الراديكاليين، لم يظهروا مواقف عدائية ولم يلجأوا إلى اقتراف أعمال غير قانونية.
وفي المقابل، ازداد الراديكاليون عجرفة، وتزايدت مطالباتهم عامًا بعد عام. لقد كان من السهل فرض إرادتهم مرارًا وتكرارًا على الحكومات المحلية والأدوات الإثنوغرافية الأجنبية مرارًا وتكرارًا في ظل وجود حكومات ضعيفة مصابة بفيروس القومية والفساد وهوس تغيير المصالح الثقافية والاقتصادية والاجتماعية الحقيقية للشعب.
لقد فشلت أوكرانيا في تكوين هيكل دولة مستقر، بينما كانت الإجراءات السياسية والانتخابية تعمل فقط كغطاء من أجل إعادة توزيع السلطة والنفوذ والمصالح والممتلكات بين مختلف العشائر الأوليغارشية.
لقد اكتسب الفساد، الذي يمثل تحديًا ومشكلة بلا شك للعديد من البلدان، بما في ذلك روسيا، طابعًا خاصًا في أوكرانيا. حيث اخترق الفساد الدولة الأوكرانية وتسبب بتآكلها وتآكل النظام بأكمله وجميع فروع السلطة. استغل المتطرفون السخط الشعبي وأوقدوا الاحتجاج وقادوا انقلاب عرف باسم “انقلاب الميدان” عام 2014. في الوقت نفسه، نجحوا في الحصول على دعم مباشرة من دول أجنبية. وبحسب التقارير، فإن الدعم المالي الذي قدمته السفارة الأمريكية لما يسمى بمعسكر الاحتجاجات في ميدان الاستقلال في كييف بلغ مليون دولار يوميا. بالإضافة إلى ذلك، تم تحويل مبالغ ضخمة إلى الحسابات المصرفية لقادة المعارضة وصلت إلى حوالي عشرات الملايين من الدولارات. كم حصلت يا ترى أسر القتلى في النهاية؟ القتلى الذين أصيبوا بالفعل خلال الاشتباكات في شوارع وميادين كييف ومدن أخرى؟ من الأفضل عدم طرح هذا السؤال.
الراديكاليون الذين استولوا على السلطة قادوا عملية اضطهاد، وإرهاب حقيقي، ضد كل من عارض الإجراءات غير الدستورية التي قاموا بتنفيذها.
لقد تعرض السياسيون والصحفيون وممثلو المجتمع المدني للسخرية والإهانة علنًا. كما اجتاحت المدن الأوكرانية موجة من أعمال الشغب والعنف، وسلسلة من جرائم القتل والإفلات من العقاب. من المستحيل تذكر المأساة الرهيبة التي وقعت في أوديسا دون الإصابة بالخوف والذعر، حيث تم قتل المشاركين في احتجاج سلمي بوحشية وإحراقهم أحياء في مبنى النقابة. المجرمون الذين ارتكبوا هذه الفظائع أفلتوا من العقاب ولا أحد يبحث عنهم. لكننا نعرفهم بالاسم وسنفعل أي شيء لمعاقبتهم والعثور عليهم وتقديمهم للعدالة.
لم تدفع “أحداث الميدان” أوكرانيا نحو الديمقراطية والتقدّمية قيد أنملة. لقد قاد القوميون الذين قاموا بالانقلاب والقوى السياسية التي دعمتهم البلاد في النهاية إلى طريق مسدود وأغرقوا أوكرانيا في هاوية الحرب الأهلية. بعد ثماني سنوات من هذه الأحداث، انقسمت البلاد إلى قسمين. أوكرانيا تعاني من أزمة اجتماعية واقتصادية خطيرة. وأؤكد أنه وفقًا للمنظمات الدولية، اضطر ما يقرب من 6 ملايين أوكراني، أي حوالي 15 بالمئة من إجمالي سكان البلاد إلى السفر للخارج عام 2019 بحثًا عن عمل. هذه الحقيقة ذات مدلولات واضحة. ومنذ مطلع عام 2020، غادر أكثر من 60 ألف طبيب وعامل في مجال الرعاية الصحية البلاد خلال الجائحة (كورونا).
واعتبارًا من عام 2014، زادت تعرفة المياه بما يقرب من الثلث، والكهرباء عدة أضعاف، والغاز للمنازل عشرات الأضعاف. كثير من الناس ليس لديهم المال لدفع أبدال الخدمات العامة، ومعظمهم يكابدون حرفيًا فقط من أجل البقاء على قيد الحياة.
ماذا حدث؟ لماذا يحدث كل هذا؟ الجواب واضح: لأن المهر المأخوذ ليس فقط من الحقبة السوفيتية بل وأيضًا من الإمبراطورية الروسية جرى تبديده وضاع في غياهب الجيوب. لقد فقد الشعب الأوكراني عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من الوظائف التي جرى إيجادها بفضل التعاون الوثيق مع روسيا والتي كانت توفّر للناس دخلاً ثابتًا وضرائب منتظمة تذهب إلى خزينة الدولة. لقد جرى تهميش صناعات مهمة مثل الهندسة الميكانيكية والإلكترونيات وبناء السفن وبناء الطائرات ما جعل بعضها يختفي تمامًا من الساحة الأوكرانية. في الواقع، حدث ذلك في بلد كان يشكل مصدر فخر ليس لأبناء شعبه فقط، بل للاتحاد السوفييتي بأكمله.
في عام 2021، تم تصفية مصنع بناء السفن تشيرنومورسكي في نيكولاييف. هنا، تم إنشاء أحواض بناء السفن الأولى بواسطة كاثرين الثانية. كما لم ينتج مصنع طائرات أنتونوف الشهير أي طائرة منذ عام 2016. كما وقف مصنع يوجماش المتخصص في إنتاج الصواريخ وتكنولوجيا الفضاء على عتبة الإفلاس، وكذلك كان الحال في مصنع الصلب في كريمنشوك. هذه القائمة المحزنة تطول وتطول.
أما بالنسبة لنظام نقل الغاز الذي جرى تأسيسه بالكامل من قبل الاتحاد السوفيتي، فهو أيضًا يعاني جراء هذه الحالة المتداعية ويجري تشغيله في ظل مخاطر كبيرة وتكاليف بيئية باهظة. وفي هذا السياق يبرز السؤال: الفقر واليأس وضياع الإمكانات الصناعية والتكنولوجية، هل هذا كان خيارًا بالنسبة للمجموعة الموالية للحضارة الغربية التي خدعت الملايين من الناس لسنوات ووعدتهم بالجنة؟
في الواقع، كل ذلك يعود إلى حقيقة أن انهيار الاقتصاد الأوكراني كان مصحوبًا بالسطو المباشر على ممتلكات مواطني الدولة، وأن أوكرانيا نفسها كانت ببساطة تُحكم تحت وطأة سيطرة أجنبية.
لم يتم ذلك فقط بأوامر صدرت من عواصم غربية، ولكن أيضًا من خلال جميع المستشارين الأجانب والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأخرى القائمة مباشرة على الأرض الأوكرانية. لقد كان لهذه المرجعيات تأثير مباشر على أهم قرارات الموظفين الحكوميين وعلى جميع المستويات في الحكومة المركزية وحتى البلديات. كما كان لديهم أيضًا نفوذ على الشركات المملوكة للدولة، بما في ذلك شركة النفط والغاز الأوكرانية، وشركة الطاقة الأوكرانية أوكرينيرجي، وشركة الخطوط الجوية الأوكرانية، وشركة الصناعات الدفاعية الأوكرانية اوکروبورنبروم، وخدمة البريد الأوكراني، وهيئة الموانئ البحرية الأوكرانية.
لا يوجد قضاء مستقل في أوكرانيا. فبناءً على طلب الغرب، أعطت سلطات كييف ممثلي المنظمات الدولية حق الأولوية في انتخاب أعضاء أعلى الهيئات القضائية في البلاد.
إضافة إلى هذا، تقوم السفارة الأمريكية في كييف بالسيطرة المباشرة على الدائرة الوطنية لمكافحة الفساد، والمكتب الوطني لمكافحة الفساد، والنيابة العامة لمكافحة الفساد والمحكمة العليا لمكافحة الفساد. كل هذا يتم بحجة معقولة لتعزيز فاعلية مكافحة الفساد. حسناً، لكن ما هي النتيجة؟ الفساد بدأ يزداد انتشاراً ويزدهر وبات أكثر من أي وقت مضى.
هل الأوكرانيون على علم بطرق الإدارة هذه؟ هل يدركون أن دولتهم لم ترتق حتى إلى مستوى أن تدخل تحت الحماية السياسية والاقتصادية، وأنها تدنّت إلى مستوى مستعمرة بسبب نظام دمية. خصخصة الدولة أدى إلى فقدان الحكومة التي تصف نفسها بـ”قوة الوطنيين” لشخصيتها الوطنية، وإلى جر الأمر دوماً إلى مسألة تحقيق استقلال البلاد بأكمله.
تتواصل مساعي تطهير البلاد من الروس والصهر القسري، والبرلمان الأوكراني يستمر في اتخاذ قرارات عنصرية جديدة. القانون المزعوم حول السلكان المحليين قيد التنفيذ أساساً. لقد تم إبلاغ الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم روس ويرغبون في حماية لغاتهم وثقافتهم وهوياتهم بأنهم أجانب في أوكرانيا وتم قول ذلك لهم بوضوح.
في إطار آلية عمل قوانين اللغة الأوكرانية واعتمادها كلغة رسمية للتعليم وللدولة، يتم استبعاد اللغة الروسية من المدارس وكافة المؤسسات الرسمية، بل وحتى من المتاجر العادية. القانون المسمى بـ “تطهير” السلطة، استطاع التغلّب على الموظفين الخطيرين.
تتزايد يوماً بعد آخر وبشكل عنيف الممارسات التي من شأنها تهيئة الأرضية لكبت حرية التعبير، ومعارضة القوات الأوكرانية، والظلم الممارس على المعارضة نفسها. العالم يدرك الممارسات المؤسفة جراء العقوبات غير الشرعية أحادية الجانب، والمفروضة على الدول الأخرى والأشخاص الأجانب والأشخاص الاعتباريين. في أوكرانيا بقي أمناء غربيون يقومون باختراع العقوبات ضد المواطنين والمنشآت وقنوات التلفزة وغيرها من وسائل الإعلام بل وحتى على نواب البرلمان.
تتواصل في كييف تحضيرات المعاملة بالمثل للكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو. وهذا ليس بالتقييم العاطفي، بل يتم إثبات ذلك بقرارات ووثائق معينة. المسؤولون الأوكرانيون قاموا وبشكل ساخر بتحويل انقسام الكنيسة إلى وسيلة لسياسة دولة. الإدارة الحالية في أوكرانيا، لا تستجيب لمطالب المواطنين بإلغاء القوانين التي تنتهك الحقوق الدينية للمواطنين الأوكرانيين. كذلك فإن مجلس الشورى العليا الأوكراني قام بإعداد تشريعات جديدة ضد رجال دين الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو والملايين من جماعتها.
كما أود الحديث أيضاً عن القرم. قام سكان شبه جزيرة القرم باختيارهم الحر من أجل الانضمام إلى روسيا. ولا تملك كييف أي شيء أمام هذه الإرادة العلنية والشفافة للسكان. لذا فهي تعتمد على الممارسات العدائية، وعلى تفعيل الخليات الموالية للمجموعات الراديكالية بما فيها التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وعلى تسلل المجموعات المخرّبة من أجل تنفيذ اعتداءات إرهابية ضد البنى التحتية الحساسة. كما أنهم يعملون على خطف المواطنين الروس. لدينا أدلة مباشرة على دعم أجهزة الاستخبارات الأجنبية هذه الممارسات العدائية.
في مارس/ آذار 2021، اعتمدت أوكرانيا وثيقة استراتيجية عسكرية جديدة. هذه الوثيقة خصص كامل أجزائها تقريباً للمواجهة مع روسيا، وتهدف إلى جر الدول الأجنبية للاشتباك مع بلدنا. الاستراتيجية المذكورة تزعم أن هناك إرهاب تحت الأرض في القرم الروسية وفي أراضي دونباس.
كما تكشف هذه الوثيقة عن إطار الحرب المقترح. على هذه الحرب أن تنتهي بحسب ما يظهر لاستراتيجيي كييف في يومنا الحالي. أقتبس (من الوثيقة): “في الظروف المواتية لأوكرانيا وبدعم من المجتمع الدولي”. كذلك وكما يقولون في كييف اليوم (مقتبساً): “في النزاع الجيوسياسي مع روسيا الاتحادية وبدعم عسكري من قبل المجتمع الدولي”. في الحقيقة هذه ليست سوى تحضيرات للعداء ضد روسيا.
نعلم أيضاً أن هناك تصريحات حول اعتزام أوكرانيا تصنيع سلاحها النووي، وهذا ليس هراء وكلام فارغ. لأن أوكرانيا لا زالت تملك بالفعل التكنولوجيات النووية من عهد الاتحاد السوفييتي، بما فيها وسائل نقل الأسلحة النووية وتقنيات الطيران.
كما أنها تملك صواريخ تكتيكية من طراز “Toçka-U” التي هي من تصميم السوفييت، ويصل مداها لأكثر من 100 كيلو متر. إلا أنهم يعتزمون تصنيع أكثر من ذلك، وفعل ذلك ليس سوى مسألة وقت. لديهم مكتسبات من بقايا الاتحاد السوفييتي.
لذا، فإن امتلاك أوكرانيا أسلحة نووية تكتيكية ستكون أسهل مقارنة ببعض الدول، لا سيما في حال حصولها على دعم تقني من الخارج. لن أذكر الآن أسماء الشخصيات التي تقود هذه المبادرات، ولا نستبعد ذلك.
في حال ظهرت أسلحة الدمار الشامل في أوكرانيا، سوف تتغير في العالم، وفي أوروبا بشكل جذري، ولا يمكن ألا نرد على هذا الخطر الحقيقي. أعود وأكرر، الرعاة الغربيون سيقدمون المساعدة في إنتاج مثل هذه الأسلحة النووية، ونرى كيف يجري ضخ المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا. خلال السنوات الأخيرة الماضية، تم توريد الأسلحة والمعدات العسكرية التي تقدر بمليارات الدولارات.
الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها قامت منذ عام 2014 وحتى الآن، بتخصيص مليارات الدولارات في هذا الإطار، بما فيها توريد أسلحة ومعدات وتدريب خبراء. خلال السنوات الأخيرة، استمرت الأسلحة الغربية وعلى مرأى ومسمع من العالم وفي مشهد تحدّي بالتدفق على أوكرانيا. كما أن أنشطة القوات المسلحة الأوكرانية وأجهزتها الخاصة تدار من قبل مستشارين أجانب، ونحن ندرك هذا جيدا.
خلال السنوات الأخيرة، وبزعم إجراء مناورات، تقوم الوحدات العسكرية التابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بالتواجد دوماً في الأراضي الأوكرانية. أساساً، منظومة إدارة وقيادة الوحدات الأوكرانية منسجمة مع نظيراتها لدى الناتو. هذا يعني أن الأنظمة العسكرية الأوكرانية بل وحتى الوحدات والأقسام الخاصة فيها قابلة للإدارة والقيادة المباشرة من قبل مقر الناتو.
قامت الولايات المتحدة والناتو بالدخول إلى أوكرانيا لكونها ساحة محتملة للعمليات العسكرية، وكانت المناورات العسكرية المشتركة تركز بشكل أساسي على روسيا. خلال العام الفائت لوحده انضم أكثر من 23 ألف عسكري وما يزيد على ألف قطعة حربية لهذه المناورات.
خلال عام 2022 تمت المصادقة على تشريع يسمح بدخول قوات البلدان الأخرى للأراضي الأوكرانية لإجراء مناورات مشتركة. قبل كل شيء، من الواضح أننا نتحدث عن قوات الناتو، ومن المقرر إجراء أكثر من 10 مناورات عسكرية مشتركة خلال العام المقبل.
هذا يدل على أن هناك مساعي لتشكيل مجموعة عسكرية أطلسية في أراضي أوكرانيا، لا سيما في المدن الكبرى مثل بوريسبول وإيفانو-فرانكيفسك وتشوغييف وأوديسا.
الأجواء الأوكرانية مفتوحة أمام طائرات الاستطلاع الأمريكية، حيث تقوم باستطلاع الأراضي الروسية.
أضيف أيضاً أن مركز العمليات البحرية التي شيدته الولايات المتحدة في تشافاكا، يستخدم لتمركز القوات الأطلسية لمحاربة الأسطول الروسي في البحر الأسود، ومراقبة بنيتنا التحتية الحساسة على طول الشريط الساحلي للبحر الأسود. فيما مضى، كانت الولايات المتحدة تهدف لإنشاء منشآت مشابهة في القرم، إلا أن سكان القرم وسيفاستوبول حالوا دون تحقيق تلك المخططات. ونذكّر بذلك دوماً.
أعود وأكرر، تم إنشاء مثل هذا المركز في أوتشاكوف في أوكرانيا. ودعوني أذكركم بأنه في القرن الـ 18 كان جنود ألكسندر سوفوروف يقاتلون من أجل هذه المدينة. وبفضل شجاعتهم حينها، باتت تلك الأراضي جزءاً من روسيا اليوم. لاحقاً وفي القرن الـ 18 أيضاً، تم إطلاق اسم نوفوروسيا على أراضي منطقة البحر الأسود التي انضمت إلى روسيا نتيجة الحروب التي جرت مع الإمبراطورية العثمانية.
حالياً، يعملون على طمس آثار القادة العسكريين للإمبراطورية الروسية. مع أنه لولا أولئك القادة لما كانت هناك بعض المدن الأوكرانية الكبرى في يومنا، ولما كانت لديها مخرج إلى البحر الأسود.
قبل أيام، تم هدم تمثال ألكسندر سوفوروف في بولتافا. لا أجد كلاماً أعلق به على هذه الحادثة، لا أدري ما أقوله! هل تتخلون عن تاريخكم الأصلي، هل تتخلون عن السياسات الاستعمارية المزعومة للإمبراطورية الروسية؟ إذا عليكم ألا تكونوا متناقضين في هذه الحالة.
أود أن أذكركم بأن المادة الـ 17 من الدستور الأوكراني تحظر نشر قواعد عسكرية لقوات بلدان أجنبية على أراضي البلاد. لكن التفافاً على هذه المادة الدستورية ينشرون ما يسمى بعثات العسكرية بدلاً من تسميتها قواعد عسكرية. في كييف تم الإعلان منذ وقت طويل عن اعتماد استراتيجية نهج انضمام أوكرانيا إلى الناتو. لا شك بأن كل دولة لديها الحق في اختيار أساليب ضمان أمنها الوطني وحق عقد تحالفات عسكرية، لكن وكما هو معروف، فإن الوثائق الدولية والمبادئ الأساسية تنص على أنه لا يمكن لدولة تعزيز أمنها على حساب أمن الدول الأخرى.
كما أود التطرق هنا إلى بيان الأمن الأوروبي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا الذي تم اعتماده في إسطنبول عام 1999، وإلى إعلان أستانة الذي تم تبنيه عام 2010. بعبارة أخرى، خيارات الدول من أجل تعزيز أمنها يجب ألا تتضمن تهديداً لأمن دول أخرى. ضم أوكرانيا إلى الناتو يعد تهديداً مباشراً ضد روسيا. خلال قمة الناتو في أبريل/ نيسان 2008، فرضت الولايات المتحدة القرار القاضي بعضوية أوكرانيا وجورجيا للحلف الأطلسي. العديد من حلفاء واشنطن الأوروبيين، كانوا يدركون حينها أيضاً وجود مخاطر من هذا القبيل، إلا أنهم اضطروا للتوافق بإرادة الشريك الأكبر. لقد استغل الأمريكان حلفاءهم من أجل اتباع سياسات معينة ضد الروس. بعض أعضاء الناتو يشكون حتى الآن في جدوى انضمام أوكرانيا إلى الحلف. إضافة إلى ذلك، نتلقى إشارات من قبل بعض العواصم الأوروبية. يقولون لنا: لماذا تقلقون لهذه الدرجة؟ هذا الأمر (عضوية أوكرانيا) لن يحدث فوراً غداً، وهذا وما يؤكده لنا شركاؤنا الأمريكان. حسناً، ونحن نقول لهم: إن لم يحصل ذلك اليوم أو غداً فإنه سيتحقق مستقبلاً، هل يغير تاريخ تحققه في الأمر شيئاً؟ ليس هناك أي شيء مختلف في الأساس.
من جهة أخرى، ظهرت هناك تصريحات بأنه حتى الأعمال القتالية في شرق أوكرانيا، لن تمنع من انضمام أوكرانيا إلى الناتو، إذا استطاعت أوكرانيا وتمكنت من محاربة الفساد.
يقولون إن الناتو لا يهدد أمن روسيا. لكن في عام 1990 عندما كان يجري الجدل حول مسألة إعادة توحيد ألمانيا، كانوا يؤكدون حينها للقيادة السوفييتية أنه بعد إعادة وحدة ألمانيا لن تبدأ عملية تمدد المؤسسة العسكرية للناتو إلى الشرق. كانت مجرد كلمات رنانة. ثم بدأوا يحاولون إقناعنا بأن انضمام دول من شرق ووسط أوروبا إلى الناتو سيساعد هذه الدول في التغلب على انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية.
بل حصل العكس، حيث بدأ تعزيز القدرات العسكرية التي كان يتم نشرها ضد روسيا في تسعينات القرن الماضي وفي بداية القرن الـ 21، عندما كانت العلاقات والثقة المتبادلة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، على مستوى عال.
لقد نفذت روسيا كل التزاماتها، بما في ذلك سحب قواتها من أوروبا الغربية والوسطى والشرقية، وعرضنا على الناتو مختلف أشكال التعاون بما في ذلك إطار مجلس روسيا – الناتو، وفي إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
سأركز حالياً على فكرة لم أنطق بها سابقاً. في عام 2000 سألت الرئيس الأمريكي بيل كلينتون: كيف ستكون ردة فعل أمريكا إزاء طرح قبول روسيا إلى الناتو؟، كان رد فعله متواضعاً.
حالياً نرى الخطوات العملية من قبل الناتو من خلال تقديم المساعدة للإرهابيين في شمال القوقاز، وإهمال تحفظاتنا فيما يتعلق بتوسع الناتو إلى الشرق والانسحاب من معاهدة الدرع الصاروخية، وتظهر هناك تساؤلات: لماذا تفعلون كل ذلك إذا كنتم لا تريدون النظر إلينا نظرة الصديق، لماذا تحولوننا إلى عدو لكم؟
الإجابة واضحة، لا يريدون وجود بلد كبير مثل روسيا، وهذا هو مصدر للسياسة الأمريكية التقليدية إزاء روسيا. ومن هنا نرى موقفهم من مقترحاتنا حول الضمانات الأمنية، وإذا نظرنا إلى الخريطة نرى كيف أن الغرب كان قد نفّذ وعوده بعدم الانتشار إلى الشرق.
لقد قاموا بخمس موجات وضموا دول في أوروبا الشرقية إلى هذا الحلف، مثل رومانيا وألبانيا وسلوفاكيا وكرواتيا وغيرها، كما ضموا الجبل الأسود عام 2017 وشمال مقدونيا عام 2020. وهكذا كانت قد توسعت البنية التحتية لهذا الحلف إلى أن وصل إلى الحدود الروسية.
أصبح (الناتو) هو سبب الأزمة في الأمن الأوروبي، وأثر بشكل مباشر على العلاقات الدولية وفقدان الثقة، والوضع بدأ يتدهور، بما في ذلك في المجال الاستراتيجي. وبدأوا بنشر المواقع المضادة للصواريخ للدول التي انضمت للحلف ويمكن أن تستخدم كقواعد للمنظومات الهجومية. حتى أنهم حصلوا على أنظمة مضادة للصواريخ والتي يمكن أن توجه ضد القواعد الأرضية. وبهذا الشكل فإن النظام الدفاعي للولايات المتحدة يتوسع.
وحسب المعلومات التي لدينا بإمكانهم أن يفكروا بنشر البنية التحتية لهذا الحلف في أوكرانيا. الأمر هذا تم اتخاذ القرار فيه، وهناك العديد من الأسباب الكافية لتصديق هذا.
بقي تنفيذه مسألة وقت فقط، ندرك أن مثل هذا السيناريو يرفع من مستوى التهديدات ضد روسيا ومن احتمالية الضربة المفاجئة. وأذكر هنا أنه في الوثائق الأمريكية للتخطيط الاستراتيجي، كان هناك مبدأ توجيه الضربة الوقائية للعدو، ومعروف من هو العدو بالنسبة للولايات المتحدة، بالطبع هو روسيا.
نحن في الوثائق الأمريكية أعلن عنا بأننا التهديد الأساسي للناتو، وهذا يعني أن أوكرانيا ستكون القاعدة المناسبة من أجل توجيه مثل هذه الضربة، ولو سمع أجدادنا لما صدقوا هذا الأمر، وأعتقد أنه حتى اليوم لا يمكن تصديق هذا الأمر، لكن هذا هو الواقع، أود أن يفهموا ذلك في روسيا وأوكرانيا.
مطارات عديدة في أوكرانيا نشر فيها طيران تكتيكي للناتو يمكن أن يضرب أراضينا وصولاً إلى فالغاغراد، كما تم نشر رادارات في أوكرانيا بإمكانها أن تسيطر على الفضاء الروسي حتى الأورال. كما تم نشر أسلحة وصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى يمكن أن تصل إلى 5 آلاف كيلو متر. إن نشر مثل هذه المنظومات في أوكرانيا يمكن أن يصيب كافة المواقع في الجزء الأوروبي وحتى الأورال في روسيا.
قد تستغرق صواريخ توماهوك حوالي 35 دقيقة للوصول إلى موسكو، وبينها صواريخ قد تصل خلال 7 – 8 دقائق، فضلاً عن الصواريخ فرط الصوتية التي تصل موسكو خلال 4-5 دقائق. وأنا لا أشك أنهم يعولون على إنجاز هذه الخطة، كما قاموا في السابق أيضاً عندما توسع الناتو إلى الشرق وقربوا هذه المعدات إلى الحدود الروسية متجاهلين كافة مصالحنا واهتماماتنا، وقاموا بالبصق علينا وفعلوا كل ما يريدونه وفق مقولة “دع الكلاب تنبح والقافلة تسير”. أقول إننا لن نوافق على هذا الأمر.
في نفس الوقت، روسيا تقف دومًا مع حل المسائل المعقدة مهما كان مستوى تعقيدها عبر الحوار السياسي والدبلوماسي، ونحن نفهم المسؤولية التي تقع على عاتقنا للأمن الإقليمي والعالمي. ومنذ عام 2008 وقعت روسيا اتفاقية الأمن الدولي التي كانت تهدف ألا تبني دولة أمنها على حساب الدول الأخرى، إلا أنهم رفضوا هذا المقترح الذي قدمناه. لا يمكن لروسيا أن تحد من أمن الدول الأخرى، ويمكن أن يحصلوا ضمان الأمن فقط أعضاء الناتو.
لقد أعطينا في ديسمبر/ كانون الأول 2021، اقتراحات حول الضمانات الأمنية. الرد من الناتو والولايات المتحدة كان عبارة عن كلمات مشتركة تشمل فقط المواضيع الثانوية وحاولوا المماطلة في المواضيع الأساسية.
نحن بدورنا قمنا بالرد المناسب وأكدنا أننا مستعدون للحوار، لكن يجب النظر إلى الاتفاقية بحزمتها الكاملة وفيها 3 نقاط رئيسية. أولاً، عدم السماح للناتو بالتوسع، ثانياً، رفض نشر القواعد والمنظومات الهجومية قرب الحدود الروسية، وأيضاً العودة إلى حدود عام 1997 لانتشار الناتو. هذه المبادئ الأساسية تم تجاهلها.
شركاؤنا الغربيون، مرة أخرى أكرر، قالوا إن الصيغة التي أصبحت معروفة هي أنه يحق لكل دولة حرية أن تختار طريقة ضمان أمنها والانضمام إلى أي حلف تريده. أي أنه لا تغييرات في موقفهم. ومع الأخذ بعين الاعتبار فكرة الأبواب المفتوحة للناتو. ومن جديد يهددون بالعقوبات والتي كما أعتقد أنهم سوف يفرضونها بكافة الأحوال، في محاولة منهم لردع تطورنا. ودائماً سوف يجدون الذريعة أو ممكن أن يختلقونها. مهما كان تغير الوضع في أوكرانيا الهدف الأساسي هو ردع تطور روسيا وسيقومون بذلك كما قاموا في السابق، ودون الحاجة إلى ذريعة. وذلك فقط بسبب أننا موجودون ولمحافظتنا على سيادتنا وتقاليدنا وقيمنا.
أود القول بشكل مباشر، إنه في الوضع الحالي عندما طالبنا بحوار متكافئ لم نر ردًا من الولايات المتحدة والناتو، لقد نمت التهديدات، وروسيا يحق لها اتخاذ القرارات للحفاظ على أمنها وهذا ما سنقوم به.
وفيما يتعلق بالوضع في دونباس، نفهم ونرى أن القيادة في كييف لا ترغب في تنفيذ اتفاقات مينسك ولا في تسوية الأزمة، وليس لها مصلحة في الحل السلمي. وعلى العكس من ذلك، يحاولون استخدام أسلوب الهجمة السريعة كما جرى عام 2014، ويمكننا تذكر كيف انتهت هذه المغامرة.
الآن يقصفون المناطق السكنية في دونباس بشكل شبه يومي، وتم تشكيل مجموعة عسكرية كبيرة وباستخدام الطائرات المسيرة، حيث يقتلون السكان المدنيين ويحاصروهم دون أن يتوقف الاستهزاء بالأطفال والنساء، ولا يلوح نهاية لهذا الأمر.
و”العالم المتحضر” الذي يعتبر زملاؤنا وشركاؤنا الغربيون أنفسهم جزءاً منه، لا يلاحظون هذه الأحداث، وكل هذه الإبادة الجماعية لا يلاحظونها. وسبب ذلك فقط لأن هؤلاء الناس لم يوافقوا على دعم الانقلاب الذي جرى عام 2014، الأكثر من ذلك هو التوجه نحو القومية المتشددة، ومحاولة منهم أن يعيشوا على أرضهم ويتحدثوا بلغتهم.
ما مدى امتداد مثل هذه المأساة، وكم يمكن أن نتحمل وننتظر؟ روسيا طالبت بالمحافظة على سلامة الأراضي الأوكرانية، وقرار مجلس الأمن رقم 2202 عام 2015، بخصوص تسوية الأزمة في دونباس.
يتغير الردع والرئيس، إلا أن الصفات القومية المتشددة لهذا النظام لا تتغير. وهو يتطابق مع الانقلاب عام 2014، وحينها وقفوا على مسار العنف والدماء واللا قانون، والحل فقط عبر الهجوم العسكري على دونباس.
في هذا الصدد، أود أن نتخذ القرار الذي نضج منذ فترة طويلة، والاعتراف الفوري بسيادة جمهورية لوغانسك الشعبية وجمهورية دونيتسك الشعبية.
وأطالب الجمعية الفيدرالية في روسيا والاتحاد الروسي على توقيع اتفاقيات الصداقة والتعاون مع هاتين الجمهوريتين. هاتين الوثيقتين سيتم التوقيع عليهما في الوقت القريب.
من احتل السلطة في كييف، نطالبه بالوقف الفوري للعمليات العسكرية وإلا فإن المسؤولية عن استمرار النزيف في هذه المنطقة سيقع على عاتق هذا النظام في أوكرانيا. أعلن هذه القرارات اليوم وأعول على دعم من سكان روسيا.
المصدر: الاناضول