الطريق إلى “العاصمة الجديدة”.. جسور (كباري) تهدد بمحو تراث القاهرة
منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم في مصر عام 2014، أنشأت الحكومة أكثر من 600 كوبري ونحو 21 محورا جديدا بتكلفة أكثر من 85 مليار جنية (5.3 مليار دولار)، كما تخطط الحكومة لتنفيذ 1000 كوبري (جسر) علوي ونفق بتكلفة 130 مليار جنيه (8 مليار دولار تقريبا)، بحسب ما أعلن وزير النقل في أغسطس الماضي.
لكن ما أثار غضب المصريين هو أن عدد من هذه المشروعات يدفع الدولة إلى هدم الكثير من المبان التراثية والتاريخية في القاهرة، والإضرار بآثارهما مما أثار المخاوف بشأن اختفاء الوجه التاريخي للعاصمة، والتي يصل عمرها لأكثر من ألف عام.
كان آخر هذه المشروعات هو قرار الحكومة المصرية ببدء تنفيذ إنشاء جسر (كوبري) يمر قرب كنيسة البازيليك الأثرية، التي بناها البارون أمبان في بدايات القرن الماضي بحي مصر الجديدة في محافظة الجيزة، بالإضافة إلى عدد من الأبنية القديمة، وهو ما أثار غضب أهالي المنطقة والمهتمين بالتراث في مصر.
وقال بيان لسكان المنطقة: “نعبر .. عن الرفض والانزعاج الشديدين للغالبية العظمى من سكان مصر الجديدة بخصوص الكوبري المزمع إقامته في قلب المنطقة التاريخية والتراثية بمصر الجديدة، وذلك بطول 2 كم من ميدان الإسماعيلية مرورا” بشارع عثمان بن عفان ثم ميدان البازيليك وبمحاذاة كنيسة بازيليك السيدة العذراء الذي يقع بها مدفن مؤسس حينا العريق البارون إمبان، وبطول شارع الأهرام الذي يعد أول وأهم محاور الحي التراثي وصولاً بالقصر الرئاسي (فندق هليوبوليس بالاس سابقا”) ونادي هيليوبوليس الرياضي”.
وأشار البيان أن الجسر في حال إقامته فسوف، يدمر هذه المنطقة التراثية المميزة والتى تعد قلب حي مصر الجديدة، بالإضافة للتأثير السلبي على جودة الحياة في هذا الحي العريق والتأثير البيئي والأمني الكارثيين”.
من جانبه، نوه محمد أبو الغار، مؤسس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، أن أزمات المرور موجودة في كل مكان في العالم، مردفا أن “ما أحد يفعل ما نفعله من تدمير للتاريخ والتراث لكن يبدو أن أفق المخطط للمشروعات محدود ونظرته الجمالية معدومة”.
وأصدر الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بيانا يطالب فيه “بوقف التعدي على المعالم الحضارية”، مؤكدا أن المردود الاقتصادي لهذه المعالم الحضارية على المدى الطويل هو أكبر وأبقى من أي مكسب آني متوقع. وعبر الحزب عن قلقه البالغ إزاء مشاريع الكباري والامتدادات العقارية التي تتجاهل القيمة الأثرية والجمالية لبعض من أهم معالم مصر.
محو القاهرة التاريخية
وقالت مبادرة البصّارة للحافظ على التراث والعمارة إن القاهرة مدينة تاريخية حية تم تسجيلها في قائمة اليونسكو للتراث، ليس فقط للآثار التي بها ولكن لوجود جبانات مازالت مستخدمة وحرف تقليدية وطبقات متراكمة من التاريخ ولذا يجب أن تعامل معاملة خاصة بالحفاظ عليها وترميمها لأنها ليست ملكاً لمصر فقط ولكن هي ملك للعالم.
وأضافت المبادرة في تصريحات لموقع قناة “الحرة”، إن تقطيع النسيج العمراني للمدينة وهدم أجزاء منها هو محو للقاهرة التاريخية وتشويه لها، معبرة عن رفضها لذلك تماما، مشيرة إلى أن المادة 50 من الدستور المصري تلزم الدولة بالحفاظ على المكونات الثقافية.
ولفتت إلى أنه وفقا للقانون المصري لم يتم أي هدم لمبان أثرية ولكن ما تم هدمه هو مباني تراثية، وقالت: “هنا تقع المشكلة كلمة أثار عفى عليها الزمان و المفروض كل ما له علاقة بتاريخ وإسهامات أشخاص معنوية أو مادية أو نتاج مجتمع أو ما شكل هوية بصرية أو ذاكرة مجتمعية يطلق عليه تراث وليس آثار”.
في أغسطس الماضي، أقدمت الحكومة على هدم مقبرة “جبانة المماليك” الأثرية لإنشاء محور الفردوس في القاهرة، وهو ما أثار جدلا كبيرا بين المصريين بسبب تاريخية المكان والتي تعود لمئات السنوات.
كما أنه تقوم الحكومة بهدم المنازل ونقل المقابر من منطقة السيدة عائشة ومحيط قلعة صلاح الدين، وهي منطقة تاريخية بها العديد من المعالم التاريخية الإسلامية، لتنفيذ عدد من المحاور المرورية هناك.
واتهم العديد من النشطاء على مواقع التواصل بأن الحكومة تضحي بتاريخية القاهرة، من أجل تسهيل حركة المرور لمدينة “العاصمة الإدارية”، التي تنبيها الحكومة على بعد 60 كيلو متر من قلب العاصمة.
تعدد الجهات
بدورها، قالت مبادرة البصّارة إن المشكلة تكمن في تعدد الجهات المسؤولة في حماية هذا التراث، وأضافت: “في مصر هناك وزارة للآثار ووزارة الثقافة مسؤولة عن التراث اللامادي وجهاز التنسيق الحضري مسؤول عن بعض المباني ذات الطرز المعمارية المميزة، كما تتحكم وزارة الأوقاف في بعض المساجد والمقابر الموقوف عليها وبذلك تتعد الجهات المسئولة عن التراث وتختلف مسمياتها”.
وتابعت: “فلا توجد جهة واحدة مسئولة ممكن مخاطبتها وفي كل أزمة تتعلق بالتراث نجد تنصل من المسئوليات فكل كيان يرمي بالمشكلة إلى كيان أخر وتكون النتيجة هدر التراث”.
من جانبه، قال وزير السياحة والآثار الدكتور خالد العناني، أمام مجلس النواب، إنه “لم يهدم أي أثر في هذه المنطقة، ولا يستطيع أحد أن يقوم بـ (هدم) الأثر مهما كان”، وأضاف “لابد من التفرقة بين المباني القديمة التي قد تسبب إزالتها (زعل) للبعض وما بين المبنى الأثري، ولو هسجل كل المباني اللي مر عليها 100 سنة يبقي هسجل نصف البلد”، وفقا لصحيفة المصري اليوم.
وعلقت المبادرة قائلة: “وزير الآثار حين قال هذا هو يتكلم من وحي قانون الآثار، كان الأحرى به أن يدرس ما هي المباني التي تم هدمها وقصرت الوزارة في تسجيلها مثل قبر علي بك بهجت الأثري العظيم”.
حائط دخان
كما أثار إعلان محافظة القاهرة تدشين مشروع “كايرو آي” أو “عين القاهرة”، في 21 يناير الماضي على أرض حديقة المسلة العريقة، في منطقة الزمالك التاريخية، غضبا على مواقع التواصل.
وأعلن الدكتور عمرو موسى، وزير الخارجية المصري الأسبق، وأمين الجامعة العربية لسنوات رفضه لهذا المشروع، وقال: “أضم صوتي إلى أصوات المواطنين الذين احتجوا على مشروع #العجلة_الدوارة المزمع إنشاؤها في منطقة مكتظة بالنوادي والفنادق والمدارس والعديد من الأنشطة وحركة السيارات والناس بالفعل؛ وفي أرض حديقة تراثية تاريخية يجب الحفاظ عليها وعدم المساس بها أو بأي أرض خضراء في القاهرة كلها”.
أما الدكتورة جليلة القاضي، أستاذة التخطيط العمراني المتفرغة بجامعات فرنسا، ترى أن “مشاريع العجلة في الزمالك وكوبري البازيليك في مصر الجديدة هي حائط دخان لإخفاء التدمير الممنهج للقاهرة التاريخية والذي بدأت حلقاته في يوليو من العام الماضي بإزالة مئات الأحواش في قرافة المماليك، تلتها إزالة حي عرب اليسار عند سفح القلعة الشهر الماضي، وجزء من قرافة السيوطي”.
أنقذوا المنصورة
وأضافت القاضي، أحد مؤسسي مبادرة “أنقذوا القاهرة” في بيان على صفحة المبادرة، أنه “من المستهدف إزالة حي الحطابة الأثري ومنطقة درب اللبانة، كما سيتم إخلاء القاهرة العتيقة من أحد اهم أنشطتها، حي الصاغة، من المزمع نقله إلى مدينة جديدة تسمي “مدينة الذهب”، وتلقي سكان الدور القديمة في الدرب الأحمر إخطارات لإخلائها، بينما سيتم الاحتفاظ بالمباني متعددة الأدوار القبيحة التي تكاثرت في هذا الحي العتيق بمخالفة للقانون في السنوات التي تلت الثورة”.
وتابعت: “كل هذه التعديات المخلة والمؤلمة ضد تراث فريد، لا يعلمون قيمته، دفعت بممثلة اليونسكو إلى زيارة القاهرة بنفسها في زيارة خاطفة، عبرت بعدها عن “رعبها” تجاه ما يحدث لممتلك التراث العالمي”.
وقالت القاضي: “لا شيء يهم، ولا أحد يكترث، لن تكون هناك عجلة في الزمالك، لن يرَ كوبري البازيليك النور، لكن سيستمر تدمير القاهرة التاريخية، وسط صمت وتجاهل المجتمع، فهي بالنسبة للأغلبية، شوية عشوائيات مثيرة للأسي، فلماذا نلوم متخذ القرار؟”
خلال الساعات الماضية، أعلن عضو مجلس النواب عن دائرة مصر الجديدة، عمرو السنباطي، أن مشروع تنفيذ كوبري بشارعي عثمان بن عفان والأهرام، مرورًا بكنيسة “البازيليك”، أصبح معلقا لمزيد من الدراسة، وفقا لصحيفة الشروق.
ولم تقصر عملية هدم المبان التراثية والتاريخية على العاصمة، فقد أعلنت صفحة “أنقذوا المنصورة” رفضها للاتفاق الذي وقعته محافظة الدقهلية مع وزارة النقل، لإنشاء أبراج سكنية وتجارية على أرض حديقة “هابي لاند” أو حديقة “فريال” التي أنشأها أخر ملوك مصر، الملك فاروق، على اسم ابنته في مدينة المنصورة، وإزالة كل الأشجار المعمرة والمساحات الخضراء، بالإضافة إلى هدم مسرح أم كلثوم التاريخي.
وقد تحولت موجة الغضب من هدم الأماكن التاريخية إلى سخرية، فقد تداول النشطاء صورا لكباري تمر من أهرامات الجيزة الثلاث، وفوق قلعة صلاح الدين التاريخية.
وطالبت مبادرة “البصّارة” بتشكيل مجلس أعلى للتراث بجميع روافده بحيث تكون هناك مظلة واحدة فقط للحفاظ عليه، وقالت: “لا نملك سوى التوعية والكتابة لعل وعسى أحداً يستمع أو يوقف هذا الهدر في التراث”.
مصر بلد “الألف كوبري”.. لماذا تركز القاهرة جهودها على هذه المشروعات؟ أعلن وزير النقل المصري السابق كامل الوزير أن الوزارة تخطط لتنفيذ 1000 كوبري (جسر) علوي ونفق بتكلفة 130 مليار جنيه، كما تخطط لتنفيذ كباري داخلية بالقرى بتكلفة 36.7 مليار جنيه.
المصدر: الحرة