البابور العربي – متابعات
في ظل المخاوف المتزايدة بشأن ارتفاع معدلات الجوع بشكل مثير للقلق في المجتمعات المتضررة من الصراعات، والحديث عن تفاقم مستويات انعدام الأمن الغذائي التي قد تؤدي إلى المجاعة، نستعرض لكم في هذا المقال، كيفية – ومتى – يتم تصنيف المجاعة.
تزامنا مع صدور أحدث تقرير عن الأمن الغذائي في قطاع غزة الذي مزقته الحرب، تحدث عارف حسين كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي مع أخبار الأمم المتحدة عن مراحل انعدام الأمن الغذائي ومتى تُعلن الوكالات المتخصصة، المجاعة.
متى يتم إعلان المجاعة؟
المجاعة هي مصطلح تقني، يشير إلى مواجهة السكان سوء التغذية على نطاق واسع وحدوث وفيات مرتبطة بالجوع بسبب عدم الوصول إلى الغذاء. وقال حسين: “نقول إن هناك مجاعة عندما تجتمع 3 شروط في منطقة جغرافية محددة، سواء كانت بلدة أو قرية أو مدينة أو حتى دولة:
• 20 % على الأقل من السكان في تلك المنطقة يواجهون مستويات شديدة من الجوع،
• 30 % من الأطفال في نفس المكان يعانون من الهزال أو النحافة الشديدة بالنسبة لأطوالهم،
• تضاعف معدل الوفيات مقارنة بالمتوسط. هذا المعدل بالنسبة للبالغين هو حالة وفاة واحدة لكل 10,000 يوميا، وبالنسبة للأطفال، حالتا وفاة لكل 10,000 يوميا”.
وقال المسؤول ببرنامج الأغذية العالمي إن المجاعة هي اعتراف بالفشل الجماعي وإن وقت حدوثها ليس هو الوقت الذي يستدعي البدء في العمل، “لأننا يجب أن نتحرك قبل حدوث المجاعة، حتى لا يتضور الناس جوعا، ولا يصاب الأطفال بالهزال، ولا يموت الناس لأسباب تتعلق بالجوع”.
كيف يتم تتبع الجوع؟
قال عارف حسين لأخبار الأمم المتحدة إن المجاعات اليوم تختلف عن تلك التي حدثت في السبعينيات والثمانينيات، عندما كان الجفاف هو المحرك الرئيسي لها في إثيوبيا ودول أخرى. وأضاف: “قبل سنوات، عندما كانت المجاعة تحدث، كان بإمكان المرء أن يعرب عن الأسف ويقول ‘إننا لم نكن نعرف أن ذلك سيحدث. لو كنت أعلم لفعلت شيئا حيال ذلك’. ولكن اليوم، نرى الأزمات تحدث في الوقت الحقيقي أثناء حدوثها، لذلك لا يمكن أن نقول إننا لم نكن نعرف. العبء اليوم أكبر بكثير مما كان عليه في أي وقت مضى”.
تتم مراقبة انعدام الأمن الغذائي المرتبط بالمناخ عن كثب بفضل نظام التتبع التفصيلي الذي تستخدمه الوكالات الإنسانية أينما تعمل. واليوم، أصبحت المجاعات أو مخاطر حدوثها مدفوعة إلى حد كبير بالصراعات، من الأرض الفلسطينية المحتلة إلى السودان واليمن.
في القرن الحادي والعشرين، تم تجنب المجاعات المرتبطة بالمناخ إلى حد كبير بفضل النظام المبتكر لتتبع الجوع الحاد، والذي تم تطويره خلال الأزمة في الصومال عام 2004 من قبل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، والذي تستخدمه الآن وكالات الأمم المتحدة في جميع أنحاء العالم.
يُطلق على هذا النظام اسم التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أو IPC، وقد تم استخدامه في 40 دولة.
ما هو التصنيف المرحلي للأمن الغذائي؟
يعمل في التصنيف خبراء من 19 وكالة تابعة للأمم المتحدة – من منظمة الصحة العالمية إلى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) – وأربعة بلدان مانحة تساهم معا في جمع البيانات وتحليلها لقياس انعدام الأمن الغذائي وتوجيه الاستجابات الفعالة بشكل أفضل.
هذا النظام هو وسيلة لتبسيط البيانات المتعلقة بالأمن الغذائي والتغذية والوفيات بطريقة يمكن لصناع القرار استيعابها من أجل اتخاذ الإجراءات المناسبة. وبالنسبة للوكالات الإنسانية، يعد نظام التصنيف المتكامل عنصرا أساسيا في تشكيل خطط الاستجابة الإنسانية.
يتتبع تصنيف الأمن الغذائي الجوع، ولكنه أيضا يمكن أن يدق ناقوس الخطر قبل الانتشار المحتمل لسوء التغذية الحاد لتجنب تحوله إلى ظروف أكثر خطورة تهدد الحياة.
كيف يعمل التقييم المرحلي للأمن الغذائي؟
هذا النظام لا يجمع البيانات، بل ترد إليه المعلومات من الشركاء في المجال الإنساني العاملين على الأرض. تتضمن المعلومات بيانات عن الأمن الغذائي والتغذية والوفيات وسبل عيش الناس بالإضافة إلى السعرات الحرارية التي يتناولونها، ونوع استراتيجيات التكيف التي يستخدمونها للحصول على الغذاء وقياس أذرع الأطفال لرصد سوء التغذية.
كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي عارف حسين، قال إن جمع البيانات لا يتوقف، حتى في مناطق الحرب. وفي الحالات التي يتعذر فيها الوصول إلى المواقع، يتم استخدام استطلاعات عبر الهاتف المحمول للحصول على المعلومات، وإذا لم يكن ذلك ممكنا، فيمكن للأقمار الصناعية توليد المعلومات.
يقوم الخبراء الفنيون من الوكالات الأعضاء في التصنيف المرحلي للأمن الغذائي بمعالجة كمية كبيرة من البيانات لتوفير المعلومات بشكل أفضل لصناع القرار الذين يمكنهم تلبية الاحتياجات على أرض الواقع بشكل فعال، لتجنب حدوث أسوأ الاحتمالات نتيجة الجوع.
يجتمع الخبراء بعد ذلك لتحليل البيانات وتصنيف الأوضاع على الأرض تحت خمس فئات:
المرحلة الأولى: هي الحد الأدنى من الضغوط المرتبطة بالأمن الغذائي أو عدم الإبلاغ عن أي ضغوط، المرحلة الثانية: بعض الأشخاص يواجهون ضغوطا في العثور على الطعام، المرحلة الثالثة: هي أزمة الغذاء، المرحلة الرابعة: حالة الطوارئ، والمرحلة الخامسة: وضع كارثي أو مجاعة.
ولكل مرحلة من هذه المراحل آثار مهمة ومحددة تتعلق بسبل التدخل وموقعها وكيفيتها، وبالتالي تؤثر على أهداف الاستجابة ذات الأولوية.
لجنة مراجعة المجاعة
في حالة الاشتباه في حدوث مجاعة، هناك خطوة إضافية تتطلب عمل لجنة مراجعة المجاعة بتصنيف الأمن الغذائي.
تتألف اللجنة من خمسة خبراء معترف بهم عالميا في مجالاتهم، من التغذية والصحة إلى الأمن الغذائي. تجتمع اللجنة بمجرد تصاعد الظروف الشبيهة بالمجاعة، عندما يمر أكثر من 20% من المتضررين بالمرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي للأمن الغذائي، أي الظروف الكارثية أو المجاعة.
يجتمع الخبراء ويفحصون جميع البيانات والتحليلات المقدمة من شركاء التصنيف لتحديد ما إذا كانت النتائج ذات مصداقية وتبرر تصنيف المجاعة أو تصنيف معقول للمجاعة المحتملة. ثم يقدم الخبراء تقريرا يوجزون فيه الوضع ويقدمون توقعاتهم لفترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، مثل تقرير التصنيف المرحلي للأمن الغذائي الصادر في كانون الأول/ديسمبر عن الوضع في غزة.
“أكثر من 25% من الأسر في قطاع غزة تعاني من الجوع الشديد في ظل خطر حدوث مجاعة خلال الأشهر الستة المقبلة إذا لم يتوفر ما يكفي من الغذاء والماء النظيف وخدمات الصحة والصرف الصحي”، وذلك وفقا لتقرير يُعرف بالتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي صادر اليوم.
أكد التقرير أن جميع سكان غزة – حوالي 2.2 مليون شخص – “يعانون من أزمة أو مستويات أسوأ من الانعدام الحاد للأمن الغذائي”. وأظهر التقرير أن 26 بالمائة من السكان (نحو 577 ألف شخص) قد استنفدوا إمداداتهم الغذائية وقدراتهم على التكيف ويواجهون جوعا كارثيا (المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل) والجوع الحاد.
وقال التقرير إن هناك خطرا لحدوث المجاعة في غزة خلال الأشهر الستة المقبلة إذا استمر الصراع العنيف وتقييد وصول المساعدات الإنسانية. ويتضمن هذا التحليل الأخير للأمن الغذائي في غزة، بيانات من برنامج الأغذية العالمي ووكالات الأمم المتحدة الأخرى والمنظمات غير الحكومية.
وفقا للأمم المتحدة تُعرف المجاعة بأنها الجوع الذي تواجه فيه “ما لا يقل عن 20% من الأسر نقصا شديدا في الغذاء، ويعاني 30% من الأطفال على الأقل من سوء التغذية الحاد، وتحدث في ظله أكثر من حالتي وفاة يوميا من بين كل 10 آلاف شخص بسبب الجوع الشديد أو نتيجة لسوء التغذية والمرض معا”.
وتتطلب العملية- القائمة على الإجماع- اتفاق جميع الشركاء على نتيجة تتحقق منها لجنة مراجعة المجاعة. وقال عارف حسين: “بسبب هذا الإجماع والاستقلالية، لدينا ثقة وإيمان أكبر بالنتائج. لا يتعلق الأمر بمصلحة شخص واحد مقابل آخر. إنه اتفاق جماعي على الوضع مهما كان”.
كيف تستجيب وكالات الإغاثة للتحذير من الجوع؟
تستخدم الوكالات الإنسانية التقارير المهمة الصادرة عن التصنيف المرحلي للأمن الغذائي في التخطيط ومساعدة الأشخاص بدءا من مستوى الأزمة في المرحلة الثالثة فصاعدا، بهدف محدد هو تجنب المجاعة.
وقال حسين: “ما نحاول القيام به هو الوصول إلى الناس بالمساعدة كيلا نُضطر أبدا إلى التعامل مع وضع يشبه المجاعة أو المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل. نعمل بجد في مرحلة الأزمات، وبالطبع في مرحلة الطوارئ لإنقاذ حياة الناس حتى لا يصلوا إلى المرحلة الخامسة من التصنيف وهي المجاعة”.
ويشمل ذلك زيادة المساعدات الغذائية بما يسمح بإنقاذ الأرواح وتجنب وقوع الوفيات لأسباب مرتبطة بالجوع كما قال المسؤول الأممي.
وأشار حسين إلى زيادة الاحتياجات الإنسانية، وفقا لتقديرات برنامج الأغذية العالمي، إذ يواجه 309 ملايين شخص في 72 دولة مستوى من الجوع يصل إلى مستوى الأزمة أو أسوأ. وقال إن الاحتياجات كبيرة، لكن التمويل المطلوب لتلبية تلك الاحتياجات تقلص عما كان قبل جائحة كوفيد-19 وشدد على ضرورة تغيير ذلك الوضع.
وأضاف حسين: “بالنسبة لنا، المجاعة هي كلمة بذيئة”، وشدد على أن الهدف النهائي هو الوقاية من حدوثها.
وقال إن أسهل طريقة لتجنب حدوث المجاعات، هي وقف الصراعات. ولكن إذا كان ذلك سيستغرق وقتا طويلا، فإن المسؤولية الإنسانية تحتم ضمان القدرة على إطعام الأبرياء وتوفير المياه والضروريات- مثل الدواء- للعالقين في تلك الأماكن أو الذين قد ينزحون منها وفق المسؤول الأممي.
تقرير جديد عن الأمن الغذائي في غزة أصدرت لجنة مراجعة المجاعة بتصنيف الأمن الغذائي تقريرا حول الوضع في قطاع غزة، حيث حذرت فرق الأمم المتحدة على الأرض منذ فترة طويلة من مخاطر حدوث مجاعة وشيكة بسبب عدم السماح بدخول ما يكفي من الإمدادات إلى القطاع منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. أفاد التقرير بأن المجاعة وشيكة في الجزء الشمالي من القطاع ومن المتوقع أن تحدث في الفترة بين الوقت الراهن وأيار/مايو في المحافظتين الشماليتين اللتين يوجد بهما نحو 300 ألف شخص. وقال إن جميع سكان غزة يواجهون مستويات توصف بالأزمة في انعدام الأمن الغذائي أو أسوأ. وذكر أن نصف عدد السكان، 1.1 مليون شخص في غزة، قد استنفدوا بالكامل إمداداتهم الغذائية وقدراتهم على التكيف ويعانون من الجوع الكارثي (المرحلة 5 من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي) والتضور جوعا. |