غازي الذيبة
يذكرني صديق، بأن ما يحدث في فلسطين يحتاج لهزة كبرى تعيد العقل للعالم، وتخربط” أوراقه وتقلب طاولاته رأسا على عقب، في منطقة مقلوبة طاولاتها من قرون، وغير مستقرة أساسا منذ فجر التاريخ.
أثق أحيانا بالمقترحات الفالتة من عقالها، المستحيلة إذا شئتم، وغير الممكنة، لأن الطرق الطبيعية التي ترتكب لتغيير مسار ما، ستبقى عادية، والسير عليها سيكون عاديا.
الأنبياء العظام بدأوا بأقل القليل، لم يتوافر لهم ما توافر للأباطرة من قوة وسلاح، لكن ذكاء الانبياء أنقذ البشرية من فرعون ونمرود وغيرهم من الطغاة الأغبياء. وبقيت طرائقهم في اجتراح معجزات التغيير، نبراسا يلهم مليارات البشر في الحصول على عقولهم، فغيروا مسارات التاريخ، بكلماتهم التي ما تزال ليومنا لافتات تضيء طريق العدالة والحق، وتنهض بالأمم التي استعادت عقلها.
غاندي مثلا نجح بمستحيله بتحرير الهند من بضعة أغبياء بريطانيين، الجزائريون اعادوا رسم خريطة العقل والحرية، وركلوا الغباء الفرنسي، العرب عبر تاريخهم المرير، حطموا الأصنام في مكة، واستعادوا عقلهم، ولم يتوقفوا للحظة عن محاربة الغباء.
أما كيان الحثالة، فأنجز مشروعه بمعاونة قوى الاستعمار الغبية فطريا، – وهذه القوى اليوم، مصابة بسلس البول، وانتشار الجرذان في مدنها وعقول ساستها المتحولين، وبرغم ذلك لم تقدم الحثالة على خطوة استثنائية، فهم مجرد حثالة- عادة ما تقدم الحثالات نفسها على أنها ذكية، لكنها لا تصنع للوصول إلى مآربها أكثر مما يصنعه لص حين يسرق منزل أحدهم، أو قاطع طريق يسطو على قافلة تعبر الصحراء. الحثالة ليسوا استثنائيين في أي فعل، حتى في بطشهم واستدرار شفقة قوى الشر المهترئة لحماية إلياتهم، يصورون أنفسهم بأنهم كائنات وديعة، يدافعون عن وجودهم في محيط من الذئاب المتحفزة لنهشهم. الكذبة عينها التي يركب جحشها أي كائن في المافيا.
تخيلوا، أن هذه الحثالة أصبحت مدرسة في الكذب والرهاب من الآخر، تعبث بالحقائق، لتجد من ينظف لها مؤخرتها التي تتحدث منها، وقعت اليوم في فخ غبائها، ولم تعد مقبولة إلا عند عميان العالم وتافهيه ومافياته.
الحثالة أو إسرائيل، أو الفيروسات المعلبة؛ ظهروا في لحظة معتمة من تاريخ البشرية، وبرطعوا فيها بعرض تراجيدياتهم الواهية. هذا يحدث غالبا عند المصابين بمتلازمة الخوف الأبدي، وبسببه يجترون بقاءهم حتى لو في مزابل الغيتو، منتظرين الخروج منه، تحت جناح البعوض الاستعماري، ليستخدموهم في مهمات غبية، يصلحون لها بالفطرة.
تحولت هذه الحثالة، إلى اكثر من سموم مخاطية، تقدسها أبقار نووية تجلس في مبولة التاريخ، وتنام بهدوء فوق جثامين 120 مليون إنسان في واشنطن دي سي وتوابعها، ليصبح من يلمسها أو يدافع عنها مدنسا أبديا.
كل خطواتها متعثرة، طردت حتى من الأراضي التي يتباكى سياسيوها عليهم.
وعبر طرق يمكن لأي بلطجي ممارستها، كما يحدث في سيرة أي لص، أصبحت على ما هي عليه اليوم، مجردة من كل شيء وهي عارية – شاهدوا شوارع تجمعاتها لتروا أنهم لايعرفون ما هي الملابس – تستخدم كاداة لتخويف الأطفال وترهيبهم وقتلهم. قد لا أختلف مع بعضكم، بأنها ضارية، وتكاد تكون الأشد ضرواة في منطقة يدفن أهلوها رؤوسهم في الرمل، لأنهم لا يعرفون كيف يمكن للتاريخ أن يصوغ لحظات فريدة، تعيد كل شيء لما قبل المربع الأول، لتصبح فيها مثل هذه الحثالة بين ليلة وضحاها، تحت صرماية مقاتل أسطوري في قطاع غزة، أو نابلس.
إسرائيل ليست أمة، ولا حتى شعب، إنها مجرد تكريس لبراز الاستعمار في منطقتنا،
وحتى اللحظة، تبحث عن معناها وتحاول أن تجمع أكثر من 30 عرقا ولغة في فلسطين المحتلة، لتصنع هوية لها منذ نحو قرن، ولم تنجح.
وما تزال تحت غطاء خوفها المزمن، وقفت مذهولة أمام المستحيل الذي قفز عليها في 7 اكتوبر، حين تصدى لدباباتها فتيان بأجسادهم الناحلة، وضربوها على رأسها، فبدأوا بإعادة التاريخ إلى ما يجب أن يكون عليه في دورته التي تحول المستحيل إلى ممكن.
وهذا ما يحدث الآن..
لم يعد هذا الشيء الذي يسمى حثالة، قادرا على فهم ما هو عليه، إنه يتشبث ببقاء ليس مهما وغير ضروري للبشرية، حتى المختبرات، لم تعد تقبل به، لأنه لم يعد صالحا للتجارب، وغير مجد في أي شيء على كوكب سئم من تقديس أبقار الغباء التوارتية.
لم يسر التاريخ في قصة أي مجموعة اضطهدت واستعمرت على ساقيه، دون ان يعرقله الأغبياء، ولم تقف مؤامرة في وجه أمه كالصين لتمنعها من النهوض وسط رماد ممالكها الساذجة، لا، هذه الحثالة، ليست الصين، ولا موزمبيق، ولا حتى جزيرة في أقصى الأرض، إنها قطعة هراء مستمرة بالتقزم، غير قادرة على النمو، تظهر في حديقة ما كغصن جاف، يسقط في لحظة عادية، ويتهشم، ثم ينتهي. اليوم هي تتهشم، وتسقط ليس في لحظة عادية بل أقل من عادية.
دعونا نثق بتردد الشعوب الذي يتحول إلى لحظة مباغتة تحمل الانتصار، إنه يكثف قوته الضرورية لتحقيق النصر على تردده، وغرقه في بركة الصمت.
اتركونا من ثقافة ما بعد الحداثة، وما تزينه لنا من ترهات، تتسم على حد زعمها بالمنهجية والعلمية والصوابية، حين تصف لنا ما يحدث في لحظات التغيير بأسلوب يبدو ذكيا. لكن علينا أن نعلم بأن الغباء يحتاج لمن يدهنه بالبول لاخفاء ترهاته، والتغيير يحتاج لجنون ذكي، كي يحدث اللحظة الاستثنائية في الوصول لما يريد.
هذا ما حدث بالضبط.
إسرائيل مجرد غباء. 76 عاما والغباء يحاول إخفاء ترهاته. مراكز أبحاث، مفكرون، لصوص، قوادون، ساسة تافهون، ضراط اليكتروني، ذباب منحط، وغيره من أدوات الترويج لقوة مجموعة من الفيروسات، تعتقد بأنها “شعب الله المختار”. فماذا حدث؟
من يرى أغبياء الحثالة وهم يتحدثون، يعتقد بأنه يشاهد مجموعة اندلقت للتو أمامه خارجة من مشفى الغباء الكوني، وستعود إليه بعد إلقاء قمامتها في وجهه، غير آبهة بما دلقته، وعليه أن يصدقها، ويشيد بقدرتها على الارتجاف أمامه، وأن يقدم لها البشاكير لتمسح عرقها، والطائرات والقنابل لتقصف الأطفال والنساء في غزة.
الفلسطينيون الذين صنعوا في كل عقد تقريبا لحظة مستحيلة في تاريخ نضالهم، لم يتوقفوا عن الاستمرار باجتراح معجزاتهم، فدائما ما يخرج منهم من يعرفون اللعبة الكونية، حين تُسخر لمواجهتهم قنابل الغباء المفرط، الذي يتحول إلى قوى مسلحة باليورانيوم المنضب، وطائرات الإف 35 وذوات الطُنيين من قنابل الموت، والحصارات والمعتقلات.
وبوعي مذهل، راكموا تلك اللحظات وصاغوها بذكائهم، لتعرية الغباء والتفاهة التي تجتاح العالم، وبصقوا في وجه نظريات القوة، وفتحوا الطريق لتقويض كل ترهات الاستعمار، واليوم نرى أن هذا العالم يترنح بحثا عن خلاصه من الغباء.
لقد رأينا كيف لـ365 كلم2، و2.5 مليون إنسان، استعادة العقل، بجنون لتعرية الغباء، في لحظة ستظل برسم الفلسطينيين، لحظة التراكم العظيم للمعجزات التي صبت على رأس الحثالة في صباح 7 اكتوبر 2023، ففيه عبروا سياج أقوى كيان غبي في التاريخ، بأدوات تحتمي بالإرادة والعبقرية، وهشموا آخر معاقله في منطقة ستعود لاستخدام جنونها العاقل.
بهذه المعادلة، تمكن الفلسطينيون من تحقيق أول عبور لعقل العالم، بتفكيك أغبى منظومة ترهات، ظلت تزعم بأنها ضحية.
لقد استخدم الفلسطينيون جنونهم بكشف هذا الغباء.
مثال بسيط للحمقى: في الأخبار تنشر إسرائيل، أن مجموعة من فيروساتها وقعت في كمين نصبته لهم المقاومة الفلسطينية العظيمة، مكبدة اياهم خسائر في كل شيء، بعد ساعة ينشرون أيضا أن من تبقى منهم وقعوا في كمين آخر، في محيط منطقة الكمين الأول، ثم كمين تال، وهكذا دواليك وقتلى واعاقات وخسارات. اسرائيل لم تربح، انها تخسر وتخسر وتخسر.
لماذا لم يتعلموا من الكمين الأول؟
وما الذي يمكن أن نسميه في هذا المثال البسيط؟ وقس عليه.
كم ستحتاج هذه الحثالة، لفهم الجنون البشري والعُقل الفالتة، لتتمكن – على الأقل – من النجاة ببعض أحلام الفيروسات، كأن يبقي ذكرها حاضرا وهو يوسخ الورق أو شاشات الكمبيوتر، فيحذر البشر من عودتهم للحياة ثانية، ويصمموا مضادا لهذه الحثالة، تنهيهم وتريح البشرية من قرفهم.
لا تصدقوا من يتحدثون عن الممكن واللاممكن.. صدقوا أنفسكم كيف يمكنها اجتراح معجزتها من اللاشيء، لتغدو شيئا، وأسألوا 7 اكتوبر الفلسطينية، أضحت عادية، ولكن الجديدة، التي ستبدأ قريبا وعلى نحو لا نتوقعه، ستكون زلزالا عاتيا، وعلى نحو لا يتوقعه أي غبي ولا كل قوى الغباء الكوني.
فترقبوا الجرعة التالية من الجنون الفلسطيني العظيم.