البابور العربي – خاص
رغم الحرب المدمّرة على قطاع غزة، والإصرار الأمريكي-الإسرائيلي على نزع سلاح المقاومة، تقف حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بثبات، رافضة مجرد النقاش في “الاستسلام” أو “التجريد من السلاح”. ليس عنادًا سياسيًا، بل لأن السلاح في عقيدتها ومشروعها وواقعها ليس خيارًا قابلًا للتفاوض، بل ضرورة وجودية ومبدأ تحرري غير قابل للمساومة.
حماس لن تتنازل عن سلاحها، لأنه ليس مجرد بندقية، بل عنوان وجود، وجذر هوية، وسقف حماية، وآخر ما تبقى من الكرامة الفلسطينية في زمن الهرولة نحو التطبيع والاستسلام. السلاح بالنسبة لحماس ليس ورقة تفاوض… بل هو خط الدفاع الأخير عن فلسطين، وعن مشروع التحرر الوطني بأكمله. ومن هنا فإن حماس لن تتنازل للأسباب التالية:
- السلاح جزء من الهوية لا من التكتيك
حماس لم تُبْنَ كحزب سياسي أو سلطة مدنية. هي مشروع مقاومة إسلامية مسلحة، وُلدت في قلب الانتفاضة الأولى، وكرّست حضورها من خلال الكفاح المسلح ضد الاحتلال الصهيوني. التخلّي عن سلاحها لا يعني فقط التراجع عن وسائل المقاومة، بل يعني الانتحار الذاتي وخيانة الميثاق المؤسس والشرعية الشعبية التي نشأت عليها.
- دروس الضفة الغربية ماثلة أمامها
حماس تراقب منذ أكثر من عقدين تجربة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية: تنسيق أمني، نزع سلاح، مشاريع اقتصادية، ومفاوضات لا تنتهي… والنتيجة: ازدياد الاستيطان، وتهويد القدس، واغتيالات، واعتقالات يومية، وحصار على الحريات. هذا النموذج الفاشل هو أكبر برهان لحماس أن من يتنازل عن سلاحه، يخسر كل شيء.
- ما بعد طوفان الأقصى ليس كما قبله
في 7 أكتوبر 2023، هزّت حماس الكيان الإسرائيلي بعملية نوعية قلبت معادلة الردع. اقتحام المستوطنات، السيطرة على مواقع عسكرية، أسر الجنود، وضرب العمق الإسرائيلي بالصواريخ… كل ذلك رسّخ صورة المقاومة القوية القادرة. فكيف تستسلم بعد أن زلزلت أركان جيش يُوصف بأنه “الأقوى في الشرق الأوسط”؟ المنطق والتاريخ يقولان: من يحقق إنجازًا بهذا الحجم، لا يُلقي سلاحه تحت ضغط التهديد.
- دعم شعبي وشبكة إسناد إقليمية
رغم المجازر والدمار، ما زالت حماس تحظى باحتضان شعبي كبير داخل غزة وخارجها، وتُعتبر في عيون ملايين الفلسطينيين والعرب والمسلمين رمزًا للصمود والكرامة. وهي ليست معزولة، بل جزء من محور المقاومة الممتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية، ومن بغداد إلى صنعاء. نزع سلاحها سيكون ضربة لهذا المحور، وهو ما تدركه حماس جيدًا وتعده خطًا أحمرًا.
- العقل الاستراتيجي لا يقبل الانتحار
حماس ليست فصيلًا عشوائيًا، بل تنظيم يعمل بعقلية الدولة والمشروع طويل الأمد. إدارتها العسكرية والسياسية، قدرتها على الصمود تحت الحصار، بناء منظومات الأنفاق، تطوير السلاح، والحفاظ على الانضباط في الميدان، كل ذلك يكشف عن عقل استراتيجي منضبط يدرك أن السلاح هو صمام الأمان الأخير في معركة البقاء والكرامة.
- نزع السلاح مقدمة للهيمنة لا للسلام
كل محاولات الحديث عن “نزع سلاح حماس” تأتي ضمن مشاريع سياسية تطمح لإعادة غزة إلى نموذج “الضفة الغربية المنزوعة السيادة”، وربما إدخال قوات دولية أو عربية، أو سلطة منسجمة مع التنسيق الأمني مع الاحتلال. وهذا ما تعتبره حماس عودة إلى الاحتلال بطريقة جديدة، لا سلامًا ولا تحررًا.
أما إصرار أمريكا والعدو الإسرائيلي على نزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة يُمكن تلخيص أسبابه في النقاط التالية:
1- تفكيك البنية العسكرية للمقاومة
يعتبر العدو الإسرائيلي أن حماس تمثل التهديد العسكري الأكبر داخل فلسطين، بامتلاكها ترسانة صاروخية محلية الصنع، وقدرات في الأنفاق، والطائرات المسيّرة، والحرب الإلكترونية، وهو ما كشفه بقوة خلال عملية طوفان الأقصى. كما أن نزع سلاحها يُعد شرطًا استراتيجيًا لفرض “الأمن الإسرائيلي” على المدى البعيد.
2- تحقيق الهيمنة الكاملة على قطاع غزة
وجود سلاح بيد حماس يعني وجود قوة مستقلة عن التنسيق الأمني الفلسطيني، وقوة خارج السيطرة المباشرة للاحتلال. ولذلك فان نزع سلاح حماس يُمهّد الطريق لإعادة إنتاج نموذج السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث الأمن مضبوط بالكامل تحت التنسيق مع الاحتلال.
3- ضمان تمرير مشاريع التسوية والتطبيع
السلاح في يد المقاومة يُفشل أي صفقات تطبيع أو مشاريع إعادة إعمار مشروطة بسيطرة إسرائيلية أو دولية على غزة. ولذلك فان المطلوب هو غزة “صامتة”، لا تهدد تل أبيب، ولا تدعم المقاومة في الضفة، ولا تربط نفسها بمحور إقليمي رافض للهيمنة الأمريكية.
4- إضعاف المحور الإقليمي الداعم للمقاومة
وجود حماس كقوة مسلحة يعزز من موقف محور المقاومة، ولذلك فإن نزع سلاح حماس هدف أمريكي إسرائيلي لكسر هذا المحور من داخل فلسطين، وعزل غزة عن الامتداد الإقليمي.
5- التحكم بمستقبل أي كيان فلسطيني
لا ترغب “إسرائيل” ولا واشنطن بقيام أي كيان فلسطيني مستقل حقيقي. ووجود مقاومة مسلحة مثل حماس يُفشل أي سيناريو لحكم غزة أو فلسطين بمعايير أمريكية إسرائيلية، سواء أكان ذلك عبر سلطة جديدة أو “حل الدولتين”.
6- إغلاق صفحة المقاومة الشعبية والمسلحة
نزع السلاح هو خطوة لـ”تأريخ” مرحلة المقاومة، وإنهاء شرعيتها سياسيًا وشعبيًا. ولذلك هم لا يريدون فقط سحب الصواريخ… بل سحب الروح النضالية من الوعي الفلسطيني، وجعل كل أشكال المقاومة خارج القانون.
حماية الوجود الفلسطيني
إن إصرار العدو الصهيوني وأمريكا على نزع سلاح حماس هو إصرار على قتل ما تبقّى من مشروع تحرر فلسطيني، وتصفية المقاومة كفكرة وثقافة، تمهيدًا لإعادة هندسة الواقع الفلسطيني تحت سقف الاحتلال و”القبول بالإسرائيلي كجار وشريك سلام”.
ولذا فإن تمسّك حماس بسلاحها ليس مجرد عناد، بل خيار وجودي لحماية ما تبقى من فلسطين والكرامة والمقاومة.