أحمد سعد حمد الله
جاء فوز قطر بتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، ليفتح عليها أبواب جهنم، فكيف لهذه الدولة العربية الشابة، التي ينظر إليها البعض نظرة كِبر واستعلاء، لصغر مساحتها وقلة عدد سكانها، أن تتمكن من الفوز بتنظيم هذا الحدث الرياضي الكبير، ذلك الحدث الذي يتطلع للفوز بشرف تنظيمه كبرى دول العالم؟
ثم كيف لها أن تتمكن من هزيمة أربع دول كبرى في ثلاث جولات متتالية بسباق الترشح للتنظيم، كان على رأسهم أهم وأكبر وأغنى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية؟
كيف تحقق قطر كل هذا، وهي دولة لم تخرج بعد من البيضة على حد وصف أحد خصومها؟
كانت هذه بعضا من التساؤلات التي ترددت على الألسنة عقب فوز قطر بتنظيم النسخة والثانية والعشرين من البطولة المونديالية، وبدلا من أن تنظر إليها الدول التي كبُر عليها تحقيقها لهذا الإنجاز، نظرة التقدير والإكبار على قدرتها – وهي الدولة الصغيرة المساحة والقليلة السكان – في منافسة دول بهذا الحجم، بل والانتصار عليهم، أو بعين التعلم من التجربة ونقل الخبرات، راحت تشن عليها الحروب، وتفتح عليها النيران، وتتربص بها الدوائر، أملا في تعطيلها، وتحطيم إنجازها!
وإذا كان المتوقع لقطر بعد تحقيقها لهذا الإنجاز الضخم، أن تتعرض لحروب من إحدى الدول الأربع التي تمكنت من الإطاحة بهم في سباق الترشح للتنظيم، أو من إحدى الدول ذات النظرة العنصرية، الكارهة للدول الإسلامية عموما، والعربية خصوصا، فإنه لم يكن أحد يتوقع أن تأتي تلك الحروب من الأشقاء، وبني الجلدة، والجيران، بل ممن كان يُفترض فيهم أنهم سيفرحون لشقيقتهم الصغرى، ويعتبرون العرس عرسهم، ويمدون لها يد العون، حتى وإن كان هذا العون بدافع المصلحة الشخصية أو المنفعة البرجماتية، من منطلق أن نجاح قطر في تنظيم المونديال، سيمهد أمامهم الطريق لتكرار نفس الإنجاز مستقبلا، خصوصا وأن قطر استطاعت بتحقيق هذا الإنجاز أن تحطم كل القيود، وتزيل كل الحواجز، التي كانت تقف أمام إقامة المونديال بدولة عربية أو خليجية، ولعلنا رأينا أثار ذلك سريعا، بعد فوز السعودية مؤخرا بتنظيم النسخة الخامسة والعشرين لكأس العالم، المقرر إقامتها عام 2034، وهو إنجاز ما كان ليتحقق أبدا للدولة السعودية، لولا نجاح التجربة القطرية!
ومن الحقد ما قتل!
لذلك كان مؤسفا أن نرى نيران الحقد والغيرة وقد ملأت صدور وقلوب مسؤولين كبار ببعض الدول القريبة، لدرجة جعلت مساعيهم لهدم الفرح، وإفساد العرس، أكبر من تفكيرهم في المصلحة الشخصية، وأهم من الحفاظ على صلات الدم والأخوة التي تربطهم بالقطريين!
وإذا كانت مسألة الحقد على الأخ أو القريب من الصفات المستنكرة عند الأسوياء من البشر، إلا أنها تكون طبيعية ومعتادة من غير الأسوياء منهم، فهي صفة موجودة في التكوين الإنساني منذ خلق الله أبينا آدم عليه السلام، لكنها إن وجدت في شخص ما، فإنها تعميه عن كل القيم الدينية والإنسانية والأخلاقية، بل وعن صلة الرحم أيضا، ولنا في قصة ابني آدم قابيل وهابيل المثل والعبرة، حيث دفعت مشاعر الحقد والغيرة عند قابيل لأن يقتل أخيه هابيل، ولولا وجود تلك الصفة المذمومة، لما وقعت تلك الجريمة!
وإذا كان الحقد قد وصل بابن آدم وهو ابن أول إنسان ونبي على الأرض، لدرجة جعلته يقتل أخيه على غير مثال سابق لتلك الجريمة، فما البال مع أبناء هذا الزمن الذي تحول فيه العالم إلى ساحة للقتل، بلا قيم تحكمه، أو إنسانية تسودها، حيث وجدنا أن الحرب التي تعرضت لها قطر على مدار 12 سنة متصلة، منذ الفوز بتنظيم المونديال في ديسمبر 2010، وصولا إلى نهائي البطولة في ديسمبر 2022، فاقت كل التصورات، ودهست كل الأعراف، حيث تجاوزت رغبة الحاقدين في منع قطر من استضافة البطولة، إلى العمل على إسقاط الدولة، ومحاصرة الشعب، وتجويع السكان، بل وصلت لحد تحريض وسائل إعلام دولية وإقليمية، ضد قطر، بهدف تشويه سمعتها، والإساءة إليها، والتشكيك في قدرتها على تنظيم المونديال، ولذلك رأينا بعضا من الدول الغربية التي ليس لها في العير أو البعير، وقد شاركت في تلك الحملة، وتصور الناس أنها حملات تتم لوجه الله، لكن تبين فيما بعد أنها كانت ممنهجة، ومدفوعة الأجر، قامت بتمويلها إحدى الدول المعروفة بحقدها التاريخي على قطر، ذلك الحقد الذي ارتفع إلى أعلى معدلاته بعد الفوز بتنظيم المونديال، لدرجة أوصلت مسؤولي تلك الدولة إلى حالة من الهوس والجنون، فأصبحوا مستعدين لانفاق ثروات بلادهم بالكامل، مقابل منع قطر من تحقيق هدفها باستضافة البطولة!
بداية الحرب
والحقيقة أن الحرب على قطر بعد فوزها بتنظيم المونديال، لم تتأخر كثيرا، بل بدأت مبكرا جدا، وربما في نفس اللحظة التي أعلن فيها السويسري جوزيف بلاتر الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) فوزها بتنظيم البطولة، بيد أن الذين أوغر هذا الإنجاز صدورهم، كانوا راهنوا وقتها على أن قطر لن تستطيع تنظيم بطولة بهذا الحجم، ولذلك كانوا يمنون أنفسهم باعتذارها عند عدم التنظيم في أي لحظة، أو أن يراجع مسؤولو الفيفا موقفهم، ويعيدون حساباتهم في إقامة المونديال على الملاعب القطرية، على اعتبار أن أغلب الدول الأوروبية، سترفض مشاركة منتخباتها في البطولة، حرصا على سلامة اللاعبين والأجهزة الفنية من طقس قطر الحار جدا في الصيف، باعتبار أن مواعيد البطولة الثابتة والمتعارف عليها، تكون دائما بين إثنين من أكثر شهور فصل الصيف سخونة، وهما يونيو ويوليو، ولذلك كان شيطانهم يعدهم ويمنيهم بأن تأتي الضربة لقطر بعيدا عنهم، أو تكون الرمية بغير رامي، إلا أن الأيام والسنين مرت سريعا، دون أن يحقق الشيطان لهم أمنيتهم، ومن ثم لم يكن هناك من حل غير تجييش الجيوش وإعلان الحرب!
فبعد أقل من أربع سنوات من تاريخ الإعلان عن فوز قطر بالتنظيم، وقبل ثمان سنوات كاملة من موعد انطلاق البطولة، جاءت الإغارة الأولى على قطر، بهدف تشتيتها، وشغلها عن تنظيم البطولة، ففي مارس 2014 فوجئت الدولة القطرية ببيان صادر عن مجلس التعاون الخليجي، وقعت عليه ثلاث دول هي السعودية والإمارات والبحرين، أعلن ثلاثتهم فيه قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وسحب سفرائهم منها، وقد حاولت دولة منهم في ذلك الوقت، التأثير على الدولتين المتبقيتين بمجلس التعاون الخليجي، وهما الكويت وسلطنة عمان، للتوقيع على نفس البيان لمقاطعة قطر أيضا، إلا أنهما رفضا المشاركة في معركة معروف دوافعها الحقيقية، فضلا عن ثقتهما الكبيرة بالدولة القطرية، ويقينهما من أنها لم ترتكب أي مخالفة تستحق معاقبتها بكل هذه الإجراءات القاسية، وإذا كان البيان قد أشار إلى السبب الظاهر من وراء إصداره ، وهو أن قطر خرقت بيانا سابقا كان قد أصدره مجلس التعاون في نوفمبر 2013، وهو البيان الذي نص على عدم تدخل أي دولة في شؤون دولة أخرى، وأن تمتنع دول مجلس التعاون عن دعم “الإعلام العدائي” ضد الدول الأخرى، إضافة إلى توفير التعاون الدفاعي لدول المجلس في حالة الحروب، إلا أن الأيام جاءت لتثبت أن القضية لم تكن قضية بيان تم خرقه، أو مخالفة أي شيء يتعلق بمبادئ مجلس التعاون، إنما الدافع الحقيقي لذلك، هو الرغبة في فرض الوصاية على الدولة القطرية، والتدخل في شؤونها الداخلية والخارجية، ومراجعتها في قرارات ومواقف الدولة، حتى وإن كانت هذه القرارات والمواقف، ذات صلة بأعمال السيادة الوطنية للدولة، مثل مقاطعة دول بعينها، وإجبارها على التعاون مع أخرى، فضلا عن المطالبة بتسليم بعض الشخصيات السياسية التي تستضيفهم الدولة، وفوق هذا وذاك إغلاق قناة الجزيرة، والانسحاب من تنظيم كأس العالم!
ورغم أن قطر نجحت في احتواء تلك الأزمة سريعا، بالموافقة على بعض المطالب غير الماسة بالسيادة الوطنية، وهي مطالب لم يتضمنها بيان مجلس التعاون الموقع من الدول الثلاث، مثل إيقاف بث قناة ” الجزيرة مباشر مصر ” وإبلاغ بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين بترك البلاد، إلا الحرب لم تتوقف، بل تواصلت، واستمرت أعنف وأشد من ذي قبل، وهذا ما سنذكره في مقالات قادمة بإذن الله.